رئيس التحرير - صلاح الدكاك

هو حديث الفطرة الإنسانية الإيمانية السوية، يتدرج في تناولاته وتعليقاته على ماضي الصراع وحاضره، وثوباً من أرضية متماسكة وصلبة من البدهيات التي تقارب قاع اللحظة البشرية العميق، رغم عفويتها وسلاسة دفقها في أسماع العامة والخاصة والموالين والمبغضين على السواء.
في كل مرَّة نزعم أننا قد أحطنا علماً بتخوم معضلاتنا وضفافها وأبعادها كشعوب عربية وإسلامية وكبشر بالعموم، فيطلُّ سيد الثورة أبو جبريل ليضيء بحديثه مساحات أخرى من جغرافيا غفلتنا عن معضلات واقعنا، ويفتح بجرأة حكيمة وقسوةٍ رؤوم المزيد من الجروح المتخثرة في جسد الأمة كنا قد اعتقدنا أنها تماثلت للشفاء وبرئت تخففاً من وطأة الحقيقة وأكلاف الإقرار بها.
على أي مرفأ استجمام سترسو بنا يا سيد الثورة المبحرة بلا ضفاف؟! نسأل أبا جبريل فتجيب جوارحه القرآنية بلسان مبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)...
إن كمال الراحة في دوام الكدح على وعورة دروب الحرية والانعتاق من أكبال الهيمنة والوصاية المرئية منها وغير المرئية، وإن تمام الرحلة في الإبحار بلا سأم المسافات، فعاقبة العزوف عن التجديف في خضم التحديات المتلاطمة هي الغرق الحتمي، وأما الخنوع فمشنقة لمن يطلب السلامة بالركون إليه، ظناً منه بأنه طوق نجاة.
يضرب سيد الثورة مثلاً حياً لعواقب الخنوع في صورة مصير أنظمة ودول وحكومات قدرت أن رفاهها وأمنها واستقرارها في كنف التبعية لهيمنة قوى الاستكبار، فلقيت حتفها في هذا الكنف، وانتحرت بالتبعية لمن تلافت جبروتهم بها وعلى أيديهم.
إن الشرف الذي نتمتع به والوجود الحر الكريم الذي نعيشه اليوم في الجغرافيا اليمنية غير الواقعة تحت سيطرة تحالف الغزو والاحتلال، هو حصيلة رفضنا التعبيد ومقاومتنا له وما قدمناه كأثمان مترتبة على هذا الرفض، من دماء زكية وأرواح طاهرة، وثوقاً بنصر الله وصدق وعده، غير هيابين جبروت سواه، ولا معولين على نصرة غيره، وهو سبيل يجدر بشعوب المنطقة المنكوبين بالهيمنة الأمريكية الصهيونية أن تحذو حذونا فيه، ولا تراهن في خلاصها من نكباتها على جهة أممية أو مجتمع دولي لا رصيد له ولا سابقة في نجدة المنكوبين، بل في التواطؤ عليهم والاصطفاف مع جلاديهم!
إن سبيل الانعتاق من حضيض الهيمنة والتبعية والاستلاب الذي ترزح فيه الأمة يبدأ بـ(البراء من أعداء الأمة)، فالكفر بالطاغوت هو شرط الإيمان بالله، ومن ثم فإن معرفة حدود هذه الهيمنة التي لا تقتصر على الجانب العسكري، أمر لا مناص منه لتحقيق الانعتاق من هذا الحضيض ذي التخوم العسكرية والاقتصادية والفكرية والإعلامية والتربوية التي يبدو معها جلُّ العالم واقعاً فيه، وإن لم يستشعر ذلك أو غض الطرف عنه ركوناً إلى وهم السلامة، أو توخياً لكسب مستحيل.
بسواعد وثروات شعوب هذا الحضيض، تخوض أمريكا حروبها، وتسيطر وتتوسع وتُحكم قبضتها على العالم..
يؤكد سيد الثورة ويقرع موات الأذهان الغافلة الملولة بأطول وأعنف وأعقد حرب كونية خاضتها الولايات المتحدة في القرن الفائت، فأطاحت بألد أعدائها ومنافسيها (الاتحاد السوفياتي) على أيدي أمة عربية وإسلامية تشهد الوقائع بفرط عداء أمريكا لها في موازاة فرط تبعية معظم سياسيي هذه الأمة وكتابها ومفكريها وعلمائها وإعلامييها لأمريكا، وعظيم بلائهم على كل مستوى ومضمار في سبيل مشروعها، وإعلاءً لكلمة طواغيتها، تجييراً لثروات وموارد الشعوب العربية والإسلامية البشرية والمادية كرقم في حساب الهيمنة الأمريكية الكونية.
هل ثمة من يملك نقير جرأة يخوِّله نكران هذه الحقيقة التي يقذف بها سيد الثورة باطل النخب المثقفة الدعية التي تقف اليوم من أمريكا نقيض موقفها بالأمس، فتتبنى أباطيلها وتروج لها بالأفواه والأقلام ومختلف وسائط الاتصال العصرية الرهيبة بوصفها أناجيل تقدمية مقدسة، بعد أن كانت ترى في هذه الأباطيل توحشاً امبريالياً وشعوذة وابتذالاً مادياً ورجعية سافرة!
من يجرؤ على الكلام ومعظم ألسنة النخب اليسارية والقومية العربية مشدودة بشراك حذاء (إيفانكا وترامب ونتنياهو ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان)، ومعتصمة بحبل الأكاذيب الأمريكية وخرافات الصهيونية العالمية؟!
وحده ضريح الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين، كان ولا يزال ينضح بأحسن وأجرأ الكلام، وكل منابر اليسار واليمين رميم وألسنة الزعيق التقدمي خرسى، وصوالين الحداثة المنبطحة موات وكساح ورطوبة فاجرة.
وحده هدير المسيرة القرآنية الأنصارية اليمانية اليوم يدحض جعجعة جنازير الإرهاب الامبريالي وترسانات الاستكبار الكوني..
وحده الإسلام المحمدي العلوي الثوري التحرري يذود جرافات الدهس المعولم عن جينوم الحرية الإنسانية وغول السوق الشرهة عن أضلاع المسحوقين وأكواخ المستضعفين، ويحرس بذرة الوجود الآدمي الكريم من شبق جذام الأمركة، ويقف فيصلاً بين الحق والباطل وبين صوت الفطرة البشرية السوية و(صوت أمريكا).
وحده يمن ثورة 21 أيلول ولبنان نصر الله وسوريا الأسد وعراق الحشد، يرفعون سقف العالم المهيض، ويخوضون الصراع بالكلمة والطلقة ولا يفلسفونه على هامش المعركة..
طوبى إذن لكل الواقفين في مهب عواصف الأمركة والصهيونية، باذلين ضريبة الدم بالنيابة عن البشرية الغافية المستلبة..
طوبى لمن تقحموا وحيدين درب الحرية ولم يستوحشوه..
طوبى لسيد البراء الجريء الصادح الشهيد القائد حسين بدر الدين..
طوبى لسيد المقاومة سماحة حسن نصر الله.. 
طوبى للرئيس الشهيد صالح الصماد..
للشهيد الشيخ سلطان عويدين..
لقبائل الهبة اليمانية المستمرة إلى الساحل الغربي..
لتهامة الوفاء والثبات والرفض..
ولرجال الرجال في الجيش واللجان الشعبية من قبل ومن بعد..
طوبى لمن رفع بيرق البراء وصرخ في وجه العالم ذات أمس أخرس خائف:
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
طوبى لمن رفعوا قهرهم ثورةً كونية وبندقية خلاص أن تميد الكرة الأرضية بنفخة الاستخلاف..
هكذا تكلم سيد الثورة السيد القائد عبدالملك الحوثي، في الذكرى السنوية لـ(الصرخة)، أمام بحر الشعب الدافق في (صعدة وصنعاء وتهامة) وكل اليمن الحر الشريف الصامد المجاهد بلا هوادة ولا ركون إلى مرفأ استجمام.

أترك تعليقاً

التعليقات