21 أيلول تلقف ما يأفكون
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

لا يختلف العدوان السعودي الأمريكي المباشر على اليمن في 2009، عنه في 2015، إلا من حيث المساحة الجغرافية المستهدفة عسكرياً، فإذ اقتصر مسرح العمليات العسكرية ـ في السابق ـ على محافظة صعدة، بوصفها مركز (القيادة الحوثية)، اتسع مسرح الاستهداف ـ في الراهن ـ ليشمل كامل تراب الجمهورية اليمنية، بذريعة وقوع الدولة مركزاً وأطرافاً تحت سيطرة (الانقلاب الحوثي)..
غير أن حوافز وأبعاد العدوانين السابق واللاحق، كانت ولا تزال هي ذات الحوافز والأبعاد التي تتلخص في (استئصال شأفة التوجهات الثورية المناهضة للهيمنة الصهيوأمريكية في الشرق الأوسط، تمهيداً للشروع في تمزيق كياناته القُطرية ونسيجه الاجتماعي طائفياً وعرقياً..)!
كان اليمن هو المستهدف ـ إذن ـ بالتمزيق والاحتلال، وكانت حركة (أنصار الله) هي الحائل دون تحقيق هذا الهدف، وتأسيساً على هذه الحقيقة، كان العدوان على (الأنصار) عدواناً على البلد شعباً وتراباً، خلال العام 2009 الذي منيت فيه المملكة السعودية ومن ورائها أمريكا بهزيمة مذلة أرغمت مركز الهيمنة الاستعمارية على ترحيل مشروع تمزيق واحتلال اليمن، تحيُّناً لمناخ أكثر ملاءمة وقابلية لتمريره.
وإذ بدا مناخ ما يسمَّى (الربيع العربي) في 2011، سانحاً في تقدير واشنطن لتحويل البلد إلى كومة محتربة من الفتات الطائفي والمناطقي، اعترضت ثورة 21 أيلول 2014، بقيادة (أنصار الله)، طريق المشروع، وأطاحت بمنظومة أدواته المحلية، فاستحقت الحركة واستحق البلد برمته عدواناً كونياً امبريالياً تحت ذريعة (إعادة الشرعية)، وفي لبوس تحالف عسكري (عربي)..
إن الصراع هو ذات الصراع ولذات الأسباب، بين الأمس واليوم، والاصطفاف القائم على ضفتيه في الراهن، انحيازاً لقوى الهيمنة أو انحيازاً للشعب في مواجهتها، هو ذات الاصطفاف الذي كان قائماً خلال عدوان العام 2009، لكن بصيغ مموهة وأقنعة شتى لدى أحزاب من قبيل (الاشتراكي والتنظيم الناصري)، والتي كان الاعتقاد أنها لا تزال على سابق المعهود عنها من مناهضة مشاريع الهيمنة الاستعمارية والصهيوأمريكية.
بالنسبة لتجمع (الإصلاح ـ إخوان اليمن) فإن انغماسه في الحروب الخمس على (صعدة وأنصار الله) لم يكن خافياً، وتؤكد المعطيات أنه صاحب اليد الطولى والمصلحة في استجلاب تدخل عسكري سعودي مباشر في (الحرب السادسة)، حيث درج قادته القبليون والعسكريون ومشائخه، على التشكيك بجدية الرئيس السابق (علي صالح) في الحرب على (الحوثيين)، لدى (الرياض)، وأوهموها بأن تدخُّلها المباشر مع إسناد بري من مليشياتهم والوحدات العسكرية التابعة لهم، كفيل باجتثاث شأفة (الحوثيين).
في حين اعتمد (الاشتراكي، والناصري) موقفاً (حيادياً) على مستوى الواجهة من العدوان السعودي، ورأوا فيه، حينها، امتداداً طبيعياً للحروب الخمس على صعدة، لا يسترعي التوقف عنده والنظر إليه كتطور نوعي في مسار الأحداث يملي على القوى الوطنية اصطفافاً جاداً وحازماً مناهضاً للتفريط الفاضح بالسيادة اليمنية وإباحة رقعة جغرافية من اليمن هي (صعدة) ومكون اجتماعي أصيل هم (الحوثيون) لعدوان خارجي سعودي، على اعتبار أن مبدأ السيادة لا يتجزأ، وأن هوان (بعض الشعب) هو هوانٌ لـ(كل الشعب)!
كان حياد (الاشتراكي والناصري) من حيث الجوهر حينها، انحيازاً للعدوان السعودي الأمريكي، كما هو اليوم انحيازٌ فاضح إلى ضفة العدوان ذاته، وبالضدّ للشعب والسيادة!
لقد وقفت حركة (أنصار الله) حيث لم يجرؤ أحدٌ من أدعياء الوطنية يساراً وقوميين، على الوقوف طيلة ربع القرن الفائت عقب 1990م، وباستثناء حالات فردية معدودة فقد انخرط (الاشتراكي والناصري) على نحو جماعي تحت ألوية الامبريالية الأمريكية المنتصرة، وتسربلوا مفاهيمها من الأخمص حتى الرأس في كل حقل من حقول النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكما أن (إسرائيل) لم تعد العدو التاريخي في أدبياتهم، فإن (أمريكا ودول البترودولار ـ الرجعية العربية) باتت بالنسبة إليهم الصديق الصدوق والملاذ والمنقذ.
إن عدوان 2009 السعودي الأمريكي لم يُجنِّد ـ فقط ـ اللافتات المحلية الحكومية في الشرعنة لعدوانه على اليمن (صعدة)، بل واللافتات المعارضة وغير الرسمية الإعلامية والحقوقية، على تباين أدوارها في دهن وتسويغ وجهه القبيح، وتضليل الرأي العام اليمني، وتأمين مسلخ حصين ومعزول تزاول فيه ترسانة القتل العسكرية الأجنبية والمحلية هوايتها دون تبعات أو تشويش من قبل غالبية الشعب التي بات مشهد المؤامرات أمامها في الراهن كامل الجلاء والسفور، بحيث يستحيل على ماكنات التضليل النيل من وعيها بحقيقة الصراع.
تدرك جماهير شعبنا اليمني اليوم أنها تخوض معركتها هي في مجابهة قوى الهيمنة والاحتلال، لا معركة (الحوثي وعفاش)، وأنها المستهدفة في المقام الأول بالعدوان والمعنية بمجابهته، وأنها إذ تنهض بهذا الدور الوطني الحتمي، تذود عن وجودها بالأساس، لا عن طائفة أو مكون اجتماعي ما أو (أقلية).
وعبثاً تحاول خلطة الشتات الفندقي التي لفظتها إلى الأبد تربة الـ21 من أيلول الوطنية المجيدة، تسويق نفسها كقوى محبة للجماهير كالحال في 2009، بهدف تأمين مسلخ كبير لعدوان مديرها التنفيذي الأمريكي على اليمن مجدداً، وعبثاً تحاول من شتات العمالة الشائن تمرير مؤامرة أخفقت في تمريرها بالأمس من سدة الحكومة والمعارضة في الداخل، وفي مواجهة حركة ثورية معزولة في جبال (مران) ومطمورة بأهرام من الشائعات والتهم المفبركة رسمياً، ومطوقة بجحيم من نيران ترسانة عسكرية سعودية أمريكية يمنية براً وبحراً وجواً.
وربما تبدو جذابة إلى حد ما مقولة تضليلية قديمة حديثة من قبيل (لو لم يكن هناك أنصار الله لما كان هناك عدوان).. أجل، لكن غياب (أنصار الله) عن المشهد كان سيجعل من مشروع تمزيق وحدة التراب اليمني والنسيج الاجتماعي واحتلاله، مشروعاً زهيد الكلفة من حيث التطبيق على الواقع بالنسبة لقوى الهيمنة التي لا تنفي فرضية غياب أنصار الله، حقيقة حضورها المباشر وغير المباشر ودناءة سياساتها الاستعمارية إزاء شعوب وبلدان المنطقة.
لقد كان الخيار وفقاً لسيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، بين (أن نسلم بلدنا لقوى الاحتلال على طبق من ذهب، أو أن نقاوم هذه القوى وندافع عن بلدنا، مهما بلغت كلفة ذلك.. وقد اخترنا أن نقاوم الاحتلال ومشاريعه، وسنظل نحارب جيلاً بعد جيل)..
وفي هذا السياق، لم تكن القرصنة الأخيرة التي استهدفت تركيع البلد بـ(نقل البنك المركزي)، مستغربة، بقدر ما برهنت أكثر فأكثر على أن كامل الشعب وكامل التراب كان ولا يزال هو الهدف الأبرز للعدوان، ولا استثناء للجنوب اليمني، كما لا استثناء للمغرر بهم من مؤيدي تحالف العدوان ومناصريه، من دائرة الاستهداف..
في المقابل، فقد جاءت دعوة سيد الثورة إلى تدشين حملة تضامن شعبية مع البنك المركزي، لتقطع وريد رجاء العدوان في حصاد الخنوع الشعبي المتوقع تحصيله من وراء هذه القرصنة..
وتثبت ردات الفعل الشعبية العارمة الملبية لدعوة سيد الثورة، نجاح القائد من مقام المسؤولية والصدق في تحويل حالة النكوص الافتراضية التي راهن عليها العدوان، إلى حالة التحام شعبي منقطع النظير، ولا طاقة لجبروت الكون مجتمعاً بكسر فولاذ معنوياته وأُهبته الدائمة للعطاء بلا حساب في خضم ملحمة استقلاله الوطني الكبرى.
إن (فئة الخمسين ريالاً) في هذا المعترك، تشير إلى تخوم الشراكة الشعبية الفسيحة في صناعة الملحمة، لا إلى ضآلة المطلب النقدي بفعل الإفلاس المالي كما جرى تأويلها من قبل ضئيلي النفوس وعديمي الرؤية..
إنها ثورة اقتصادية تتكشف أبعادها تباعاً، ومن المفيد أن تعجز قوى العدوان ومنافقوه في استشراف تخومها البعيدة المنذرة يقيناً بسيل عرم يجتث مدن الملح والقار وعروش الجبابرة والملوك.. فألق (خمسين صمودك) يا شعبنا تلقف إفك تريليونات العاصفة..
إن معظم النار من مستحقر الشرر..
ولا عزاء لنظارات (ياسين سعود نعمان) وسواه من دويدارات وعسس في وحل الشتات الفندقي.

أترك تعليقاً

التعليقات