رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

بات جنوب اليمن المحتل وجهة لنشاط إقليمي ودولي متباين الأجندات، لكن ليس إلى حد اصطدامها، فبقاء هذه الجغرافيا حتى اللحظة جزءاً من الجمهورية اليمنية في حسبان القوانين والمسميات الرسمية الدولية والأممية، مع تعدد اليافطات المحلية المتناوشة عليها داخل وخارج إطار التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي، شرَّع باباً مواتياً بمرور الوقت لولوج مزيد من اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى ظل وواجهة مشهد الصراع.. "تركيا ولجت من ظل الدعوى الإنسانية ولإيران حضور بكيفية ما سابق ولاحق للعدوان".
الأسبوعين الفائتين شهدت عدن المحتلة زيارتين فارقتين؛ إحداهما لسفير روسيا الاتحادية في اليمن -الذي غادر صنعاء مع "بدء العدوان في مارس 2015 ولم يعد إليها"- والأخرى لرئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي.. ورغم أن كلا السفيرين هما من رعاة العملية السياسية في اليمن منذ أحداث 2011 بتداعياتها السياسية واتفاقاتها المشفوعة بقرارات أممية، إلَّا أن توقيت وطبيعة اللقاءات التي أجرياها في عدن يضفيان على الزيارتين مسحة مغايرة تجعلانهما غير اعتياديتين "فرئيس ما تسمى الشرعية" ملفوظ خارج ما تسمى "العاصمة المؤقتة"، وعاجز عن العودة إليها، ورئيس حكومته المزعومة لم يكن في واجهة نشاط الزيارتين، بينما بدا "الانتقالي" كطرف نظير خلال الزيارتين. على أن المغاير وغير الاعتيادي يبقى لجهة هذه الخطوة الروسية لا للاتحاد الأوروبي الذي يفتقر كثيراً لثقل القيمة السياسية الفارقة بمنأى عن الهيمنة الأمريكية الغربية، ولا رصيد تاريخي له في جنوب اليمن.
ربما تكتسب الخطوة التي خطاها الاتحاد صوب الجنوب دلالتها –فقط- من قراءتها كمسعى منافس لبريطانيا ذات الرصيد الوازن و"المنشقة عن  الإطار الأوروبي"، وعليه فإن "باتينا موشاييت" تبدو مبعوثة لألمانيا وفرنسا حصراً في المسعى الموازي، لا للاتحاد بالعموم... في حين تمثل روسيا قيمة سابقة وازنة متكئة على المخزون السوفياتي في المنطقة، وقيمة راهنة مكتسبة من تداعيات حضورها في الملف السوري تريد المراكمة عليها جنوباً في الشرق العربي بما يجعلها لاعباً أول متقدماً في تكتل "بريكس" ذي الغلبة الصينية، ولاعباً أوزن من حيث مساحة حضورها في مقابل أمريكا والغرب بالعموم.
لن يحصل "الانتقالي" على مبتغاه (الدولة الجنوبية المستقلة) من روسيا، كما يتوهم، لكنه استطاع استعادة كثير من ثقة الشارع الحراكي الجنوبي فيه، بعد أن فقدها بفعل تبعيته كأداة للإمارات، فانفساحه لولوج الروس إلى المشهد أنعش لدى الشارع أملاً في انفساح فرص وخيارات متعددة تتيح له المفاضلة بعيداً عن محبسه القسري تحت وطأة هيمنة التحالف الأمريكي..
أما على المقلب الروسي، فقد أمكن لموسكو عبر "الانتقالي" ضمان دعوى محلية تزاحم بها "واشنطن ولندن" على الإطلالة المائية الاستراتيجية في البحرين العربي والأحمر، والتي تمثل ورقة رئيسية أمريكية بريطانية رابحة تقبضان عليها ميدانياً وانفراداً بمنأى عن خليط التناوش الغربي –الصيني الروسي، المحكوم باتفاقيات أممية آخرها "اتفاقية ستوكهولم حول الحديدة".
في نهاية المطاف فإن الحضور الروسي في جنوب اليمن لن يكون بثقله السوفياتي القديم، إلّا أنه –ولا ريب- سيمثل نقصاناً في ثقل الهيمنة الغربية الراهنة، وسواء حصل "الانتقالي" على إذن الإمارات في تواصله المباشر مع موسكو، أم تمرد عليها، بحسب ظن البعض، فإن تمكين روسيا من ذريعة تُقربها إلى مسرح الهيمنة الميدانية الأمريكية بتوقيت عجز تحالفها العسكري المحتل عن تأمين سيطرة مريحة في الجنوب، هو أمر مزعج غربياً، وستشهد الأشهر المقبلة تكثير وبسط مساحات الأراضي المزروعة بـ"داعش" كإجراء شرعت فيه أمريكا في وقت مبكر، تحسباً للحظة مماثلة..
خبر موضعة "داعش سوريا في شبوة اليمن" الذي نقلته الصحيفة قبل قرابة أسبوع، جاء بالتزامن مع هذا النشاط الروسي المتقدم في الجنوب، واتصالاً عقَّب السفير الأمريكي على زيارة الروسي بصيغة غير مباشرة قائلاً من عدن ذاتها: "إننا مع وحدة أراضي الجمهورية اليمنية"، ولعل لذلك صلة بمستوى منطقي مرتفع، مع انفجار المواجهات بين الإصلاح والسلفيين في تعز، وسيطرة الفصيل الأول على المدينة، حيث يعتقد مراقبون أن القيمة الذرائعية المتبقية للتحالف شمالاً انحسرت تحت مسمى "الشرعية"، وعليه فإن تمكين الإصلاح من مكاسب في تعز هو تكتيك توافقي سعودي إماراتي لا بد منه لتحقيق إمكانية حركة شمالاً وجنوباً لمشروع التحالف المنحسر سياسياً وميدانياً لجهة عجزه عن إعادة صهر الجغرافيا تبعاً لغاياته من العدوان على اليمن.
ملعب التحالف المتداعي بوتيرة متسارعة بفعل الصمود ومضي الوقت لصالح بروز تناقضات داخلية عاصفة في بنية دول العدوان الداخلية، أمر يصب في صالح القيادة الوطنية؛ ويفسح أمامها مساحات مواتية إقليمياً ودولياً للحركة صوب فرض ثوابت السيادة والاستقلال، إن أحسن مفاوضونا وسياسيو "المجلس الأعلى" استشراف هذه المساحات المواتية داخلياً وخارجياً.
إنها حرب باردة على مياهنا الدافئة ينبغي إدارة رياحها بما يقرِّب عملية التحرير، لا بما يباعد بيننا وبين الجنوب المحتل.

أترك تعليقاً

التعليقات