اليمن يُمْلِي..
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

قبل أن تجهز دابة الأرض تماماً على (منسأة الملك الزهايمر سلمان)، ويخر جثماناً هامداً، ويتأكد رسمياً موته، سيلبث عملاؤه ومرتزقته ومنافقوه في عذاب التعويل المهين على يقظة المغشيِّ عليه، مؤملين أن تدب روح الحياة في قوائم البعير النخرة التي استبدلوا أعمدتهم الفقرية بها، فأورثتهم عجزاً فوق عجزهم، ووهناً فوق الوهن.
يصرخ أحد أدعياء الوجاهة في مأرب، من استديو شرعية الرياض: (سلمان يا ولد عمي يا سند ظهري، النصرة النصرة، قهرونا المجوس الروافض)..
ومن مكتب (سكاي نيوز) في الرياض، يصرخ جرذ آخر اسمه محمد مقبل الحميري (الله الله بالنجدة)، وتتعالى صرخات الجرذان المتوسلة بالجثمان المهترئ والمتسولة غوث خزائنه الآيلة للنفوق والإفلاس، دون مجيب، ودون أن يرتد صدى الصراخ مواسياً هوان الحناجر الفاغرة كمجارير صرف غير صحي.
بمنأى عن جوارب العمالة والارتزاق والنفاق، تتسول أقدام العائلة السعودية المالكة المجذومة أمصالاً للبرء من خيباتها وعثراتها، من صيدلية (موسكو)، بعد أن ضاعفت أمصال صيدليات (واشنطن ـ لندن) جذامها وتآكلها، ويحضر الأطباء الأمريكان والإنجليز لينقلوا ملف المملكة المجذومة للطبيب المُحدَث الروسي الذي جرى تغييبه على مستوى واجهة خبر (القمة الخليجية الغربية) عمداً، لكنه حضر على مستوى المداولات في الظل بوصفه همزة الوصل الوحيدة الممكنة بين (رياض العدوان) و(صنعاء الصمود والتحدي.. صنعاء المجلس السياسي الأعلى).
يطرح الأمريكان والإنجليز خيار البتر، ويقترح الروس مهلة زمنية قبل الذهاب إلى هذا الخيار.. 
غير أن ما رشح إعلامياً في الواجهة عن هذه القمة، ليس إلا تجديف وزير خارجية أمريكا جون كيري، الذي حاول مواربة فرط الوهن السعودي بما سمَّاه خطة لحل الأزمة اليمنية سياسياً وأمنياً بالتوازي، متسربلاً ثياب مصلح اجتماعي، وكما لو أن بلاده ليست مهندسة العدوان وعرَّابه عسكرياً ولوجستياً ومشروعاً ونهجاً وهدفاً، وكما لو أنها لم تقلص، الأسبوع الفائت، عدد مستشاريها العسكريين في غرف عمليات تحالف العدوان، من (45 مستشاراً) إلى (6 مستشارين)، كإقرار رسمي بدور مباشر في إدارة دفة القتل والمجازر اليومية بحق اليمنيين.
لدى (الرياض) اليوم ما يغنيها عن ترف الاستمرار في انتحال صفة دولة عظمى تقود تحالفاً عسكرياً لإعادة الشرعية في اليمن؛ ولديها كمرضعة ما يذهلها عمن أرضعتهم من عملاء ومرتزقة ومنافقين.
مؤخرة هادي التي تلطت خلفها (الرياض)، وأشداق بن دغر وعلي محسن التي استخدمتها كجرافة لاقتحام صنعاء، لا تفي بحاجتها لكبح جماح طوفان العمليات البطولية للجيش واللجان الشعبية في حدها الجنوبي، عوضاً أن يقضم جرذانها سياج الخناق الفولاذي المضروب عليهم من ذوباب إلى التربة وكرش في تعز، أو أن تنهض قطعان هجنها العاثرة في فرضة نهم بصنعاء، فترقى سماوات الصمود الشاهقة صوب العاصمة.
اجتمع الجبير بكيري وبقية جوقة المسعفين، وملء جمجمته تجلجل عبارة (سلم نفسك يا سعودي أنت محاصر)..
لم يعد الأمر متعلقاً بضرورة حسم البيعة للملك القادم عبر حسم ملف الحرب على اليمن بصورة عاجلة سياسياً، فقد باتت القضية اليوم قضية انهيار المملكة الوشيك على وقع الأقدام الحافية للمقاتل اليمني في نجران وجيزان وعسير، وفي هذا السياق ليس بوسع الأمريكي أن يقدم حلولاً تحظى بقبول صنعاء التي يصف مجلسها السياسي بـ(غير الدستوري)، علاوة على ضلوعه في العدوان، فيما تزحف (موسكو) وئيداً لتشغل مساحة انحسار القدرة الأمريكية على الفعل، مبدية استعداداً روسياً متفهماً لورطة (الرياض) العالقة أعلى شجرة تسلقتها لحظة طيش وحماس، وتعجز اليوم في الانزلاق بأمان بين أغصانها نزولاً.
العمليات النوعية المتسارعة للمقاتل اليمني، بالتوازي مع الاتفاق السياسي وتصويت البرلمان اليمني للمجلس الأعلى المنبثق عنه كسلطة شرعية، وسحب التخويل من وفدنا الوطني العالق في مصيدة مسقط.. كل ذلك ضاعف ويضاعف مآزق الرياض وحاجتها الملحة لطوق نجاة يقيها غرقاً محتماً.
المؤكد أن المجلس السياسي سينفتح على الوساطة الروسية، مفسحاً لـ(موسكو) فرصة قضم النفوذ التقليدي الأمريكي خليجياً.
إلا أن على مجلسنا الأعلى أن يستثمر الوجع السعودي في أعلى سقف له، بحيث لا قبول بغير مفاوضات ثنائية مباشرة أو غير مباشرة مع (المملكة السعودية) بوصفها الطرف الأصيل، وبوصف الأزمة أزمة بين بلدين، لا أزمة بين مكونات محلية في بلد واحد.. كما ويتولى المجلس تأليف وفد اليمن لطاولة المفاوضات الثنائية، وتخويله كممثل للمجلس السياسي الأعلى السلطة الشرعية الوحيدة في اليمن..
في حين يمكن للمكونات اليمنية الحزبية أن تستأنف حواراتها حول طبيعة الشراكة في فضاء ما بعد المجلس الأعلى، وبرعاية أممية مرجعيتها متغيرات الأمر الواقع ميدانياً وسياسياً.
الرياح مواتية لتفرض اليمن شروطها تماماً..
وزئير عبارة (سلم نفسك يا سعودي) ليس رنيناً بلاغياً عابراً، ولا حرباً نفسية ضيقة المغزى ومحدودة الطموح، بل عنوان لمرحلة من الصراع بين كينونة وطنية تبزغ بقوة ووهن جبروت وصاية يحتضر آفلاً..
إنه صراع جدارة الوجود بكينونة كاملة وفاعلة أو اللاوجود، ولا يمكن تقزيمه إلى صراع بقاء..

أترك تعليقاً

التعليقات