رئيس التحرير - صلاح الدكاك

تسعى العائلة المالكة السعودية إلى (أسْلَمَة) عدوانها على اليمن، بعد أن فشلت (عَرْبَنَة) هذا العدوان في تفقيس النتائج المرجوة منه؛ وعوضاً عن أن تفتدي نفسها من دوامة غرقها الحتمي بفعل سيل ارتدادات فشلها هذا، عبر وقف عدوانها، يبدو أنها ماضية لملاقاة حتفها بإصرار، عبر استجداء مدد بشري إسلامي إضافي تزج به إلى مقبرة غزاة تاريخية فاغرة وتقول هل من مزيد!
لاستدرار مؤازرة (باكستانية وربما تركية أيضاً) توشك العائلة السعودية أن تجعل من (مكة المكرمة) حائط مبكى، تزاول عنده النياحة والندب وحثو التراب زعماً منها أن كعبة المسلمين باتت هدفاً للضربات الباليستية اليمنية، في إطار (مؤامرة مجوسية رافضية خطيرة) على (بيضة الإسلام السني)!
عقب انطلاق (بركان1) في رحلته الأولى إلى قاعدة فهد العسكرية الجوية في الطائف، مطلع أيلول الفائت، والتي تبعتها رحلة ثانية لذات الصاروخ على قاعدة فهد ذاتها، في التاسع من أكتوبر الراهن، تأكد للسلطات السعودية عدم جدوى الاستمرار في الزعم بأن مضادات (باتريوت) تمكنت من اعتراض الصاروخين، ورأت أن الاستعاضة عن هذا الادعاء الفحولي باستدرار نجدة العاطفة الدينية للعالم السني (مجازاً) تحت دعاوى الخطر المحدق بـ(مكة المكرمة)، قد يكون أجدى.
كتب (عبدالرحمن الراشد)، وهو صحفي مقرب من العائلة المالكة، في (الشرق الأوسط) السعودية، يقول إن الصاروخ الباليستي اليمني سقط في منطقة ميتة خارج الطائف على بعد عشرات الكيلومترات من (مكة)، ولم يتم اعتراضه.
وراح (الراشد) يدق نواقيس الخطر إزاء المدينة المقدسة التي باتت في مرمى الاستهداف المباشر. وعلى غرار مقالة الراشد كتبت عشرات المقالات، وتبنى مسؤولون رسميون في الدوائر السعودية مقولة إن الحرم المكي ولا سواه كان المقصود بالضربات الباليستية اليمنية، وكذلك هو اليوم مع هبوط (بركان1)، الخميس الفائت، على مطار الملك عبدالعزيز بجدة، فوجهته بحسب الادعاءات السعودية الرسمية، كانت (مكة) لولا دفاعاتهم اعترضته في (جدة) حد هذرهم!
عقدة الرياض من خذلان (إسلام أباد) لها، ورفض هذه الأخيرة الانضواء في تحالف العدوان على اليمن، لا تزال تحز في نفس العائلة المالكة التي اعتبرت هذا الرفض نكراناً لأفضال السعوديين السخية والتاريخية على باكستان. إنه نكران العبد للسيد والخادم للمخدوم، وفقاً لتوصيف إعلام (الرياض) المتذمر حينها.
لقد امتنعت (إسلام أباد) عن تلبية الدعوة السعودية للانضواء في التحالف لحظة تدشينه في مارس 2015، بإيعاز أمريكي، ولا ريب، فـ(واشنطن) أرادت لهذا التحالف أن يتقمص ملامح (عربية ـ سنية)، ودخول دولة إسلامية غير عربية فيه، يخدش اتساق واجهته، وقد صرحت السلطات الباكستانية حينها ـ في سياق دعم موقفها الرافض ـ بأنها لا يمكن أن تنجد السعودية عسكرياً بقوام بشري، إلا دفاعاً عن الحرمين الشريفين في مواجهة خطر يتهددهما، وهو خطر غير قائم ولا مؤشرات عليه على مستوى طبيعة وملابسات الصراع في اليمن، وفق تقييم (إسلام أباد) حينها، ومن المستبعد أن ينجح نواح (الرياض) اليوم في دفع باكستان للاقتناع بأن الحرمين الشريفين باتا في مرمى خطر يستدعي أن تقذف بنفسها في أتون حريق بلغ ذروته ويوشك أن يلتهم العائلة المالكة كُرمى لعيون ملك (الزهايمر وابنه المهفوف)..
إن (الجارسونات والسماسرة) يَنْفَضُّون تباعاً من حول طاولة الزبون السعودي في كباريه (التحالف العربي)، وليس لدى المليك المفلس من يفتح له زجاجة الكونياك، وأسوأ من ذلك أن شبهة (عروبة التحالف) سقطت كلياً بخروج مصر من اصطفاف المؤيدين له، إلى ما يشبه اصطفافاً روسياً صينياً في الظل قد يناهض الدور التخريبي السعودي علناً في المدى المتوسط المنظور..
حتى أولئك الذين لا يزالون يتحلقون حول طاولة المليك المفلس، ويتملقون شبقه للعدوان، لا يفعلون ذلك بنية تخليصه من تفشي النقرس في عظامه النخرة، وإنما بقصد تجريده من فلسات النعيم الآفل المتبقية في محفظته، من خلال استثمار حاجته وعجزه عن الثأر لفحولته المطعونة في الصميم جنوب المملكة، وصولاً إلى زيارة باليستية مؤكدة في القريب العاجل إلى قصور الدرعية، تخر إثرها السقوف الملكية على هيكل المليك الهرم والمنخور..
ثمة خطر جدِّيُّ يتهدد العائلة المالكة السعودية التي مثلت وتمثِّل ـ بدورها ـ خطراً جدِّياً على الحرمين الشريفين وشعب نجد والحجاز وشعوب المنطقة العربية والعالم، دون حاجة لسرد براهين تدعم هذه الحقيقة، فهي من الوفرة بحيث يستحيل حصرها في مقالة.
لم يكن اليمن ولا اليمنيون مصدر خطر على المملكة قبل أن تباشر عدوانها عليهم، وتؤلب بملياراتها تحالفاً كونياً لاحتلالهم وتقويض وجودهم واقتلاعه من الجذور؛ غير أن ما كان خطراً متوهماً بالأمس بات خطراً محققاً اليوم، في سياق رد اليمنيين على العدوان، والأفدح من ذلك أن السعودية عاجزة بالقصور الذاتي عن أن تتجنبه أو تتفاداه، لأن قرار وقف العدوان أمسى أكثر من ذي قبل في قبضة احتكارات الصناعة الحربية الأمريكية الأوروبية، بينما تبقى الطلقة الأخيرة في قبضة المقاتل اليمني من جهة مقابلة، كما سبق لسيد الثورة أن أكد وحذر في خطابه الأول عقب مباشرة التحالف السعودي الأمريكي عدوانه على اليمن في مارس 2015م.
إن المملكة في الراهن، وهي تتدهور لجهة بيع أصولها بالجملة في مزاد عالمي تحت يافطة الهيكلة والتقشف، أشبه بمدمن يزاول قرع الأبواب من (أنقرة إلى إسلام أباد) عارضاً حريمه مقابل زجاجة كونياك ونشتة كوكايين.. لا أكثر..

أترك تعليقاً

التعليقات