ماخور التحالف.. مغلق للصلاة
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

أدركت العائلة السعودية المالكة، بعد عام من عدوانها على اليمن بالإنابة، كارثية المصير الذي تدفع بها الولايات المتحدة إليه حثيثاً؛ فأرسلت مفاوضيها، الأسبوع الفائت ـ خلسة عن عيون البيت الأبيض - تخطب ود (أنصار الله) نظير خروج آمن من درك مستنقع مهالك أوردت نفسها فيه لحظة عماء بدوي وغطرسة مقيتة، في مارس 2015م.
لكن ما التنازلات التي يمكن للأداة السعودية أن تفتدي بها نفسها في مفاوضات تخوضها بمنأى عن رضى ورغبة (المدير التنفيذي الأمريكي)؟!.. بالنسبة لمحددات (حركة أنصار الله) التي تنتظم موقفها التفاوضي، في الضوء وفي الظل، وسابقاً ولاحقاً، فإنها لا تزال المحددات شديدة الجلاء ذاتها: (نقاتل لردع العدوان ورفع الحصار والوصاية على القرار السياسي الوطني اليمني وإنهاء احتلال الجنوب، ونفاوض للأهداف ذاتها)؛ وعلى مستوى وزنها التفاوضي، فإن الحركة تملك ميدانياً، وبصفة حصرية، قرار إطلاق العنان لتداعيات عسكرية نوعية توشك أن تخسف بسيادة المملكة على جنوبها (اليمني المغتصب)، أو أن تكبح جماح هذه التداعيات بما يلبي عموم المطالب الوطنية المتضمَّنة في المحددات الآنفة.
في مقابل هذه الندية والثقل وإيجابية إدارة العمليات القتالية والتفاوضية بقرار مستقل وناجع لدى (أنصار الله)، فإن (السعودية) التي تقود (مجازاً) تحالفاً عسكرياً من 15 دولة لـ(إعادة الشرعية في اليمن)، تلوح اليوم عاجزة عسكرياً عن استنقاذ سيادتها المنحسرة بمثابرة على (نصف مليون كيلومتر مربع) من المساحة الكلية لها، في حين تلوح أكثر عجزاً وصفر اليدين من كل صلاحية تتيح لها استنقاذ نفسها عبر التفاوض..
 فحتى (التهدئة الحدودية) التي رشحت عن (جولة تفاهمات أولى) في الظل، بينها وبين (أنصار الله)، الأسبوع الفائت، سرعان ما انهارت إثر (مجزرة مدوية) راح ضحيتها 140 شهيداً وجريحاً في سوق شعبي (مستبأ حجة)، الثلاثاء  الفائت، ليس لأن (السعودية) لا ترغب في التهدئة ـ على الأرجح ـ وإنما لأنها غير قادرة على إنفاذ ما تلتزم به لوجه الخروج من مأزقها الخاص، بمنأى عن عموم حسابات (المدير التنفيذي) القابض على دفَّة ترسانة العدوان عملياً..
إنها حرب أمريكا التي لا حيلة للسعودية كأداة سوى المضي فيها حتف أنفها صوب هاوية باتت أكثر جلاءً لناظريها اليوم من ذي قبل، وبات من العسير عليها تلافي السقوط فيها.
(إن الحل السياسي في اليمن لا يزال بعيد المنال) وفقاً لتصريح البيت الأبيض الذي جاء فاضحاً وصفيقاً على لسان ناطقه الرسمي، في اليوم التالي لمجزرة (مستبأ)، على غرار عبارة كونداليزا رايس، المتزامنة مع مجزرة قانا الثانية 2006، في لبنان: (اليوم يولد شرق أوسط جديد)، وبطبيعة الحال فإنه لا ذراعها العبري متمثلاً في الكيان الصهيوني، ولا ذراعها الأعرابي متمثلاً في السعودية، استطاعا أن ينجبا للولايات المتحدة جنينها الشرق أوسطي الموعود من رحم مجازرهما في لبنان واليمن، وعوضاً عن ذلك فقد ألحقت بهما صلابة الضربات التي سددتها المقاومة الوطنية الإسلامية في البلدين بقيادة (حزب الله وأنصار الله)، شروخاً بنيوية، أرغمت الكيانين الوظيفيين على الانكفاء لحدود بؤرة نشوئهما الأولى المهددة جدياً بالزوال.
تسعى السعودية عند هذا المنعطف، كما سعى العدو الصهيوني عقب إخفاق آلته العسكرية في منعطف تموز 2006، إلى ظَفَر زهيد عبر التفاوض، يضمن لها حَرَماً جغرافياً آمناً يعفيها من ارتدادات مقامراتها العسكرية بالضد لمخططاتها، على منوال (الخط الأخضر) الناظم لقواعد اشتباك ما بعد حرب تموز في لبنان.
وهي إذ تنطلق من وخيم مأزقها الخاص في سعيها المذعور لوقف الانهيارات المرتدة على بؤرة وجودها الجيوسياسي الضيقة، فإنها تصطدم ـ كأداة ـ بالمأزق الكلي للمدير التنفيذي الأمريكي الذي يشعر بالفزع إزاء احتمال انفراط حزمة المسارات، بينه وبين أدواته، وعجزه أكثر فأكثر ـ بالنتيجة ـ عن لمِّ شعث مسرح نفوذه المضعضع والمتداعي، من خلال (صياغة شرق أوسطية جديدة) يراهن في أن تختمر على ألسنة لهب حروب (طوائف وأعراق) تذكيها وتخوضها أدواته بالإنابة عنه.
إن توبة المومس تجلب عليها سخط القواد، ويمكن قراءة (التوبيخ الحاد) الذي انهال به (أوباما) على السعودية المسؤولة عن انتشار (التطرف والإرهاب)، بوصفه سخط القواد على المومس (التائبة مجازاً).
ثمة خياران بلا ثالث أمام السعودية الغارقة بمثابرة في مأزق إخفاقات مركبة، فإما فصل المسار مع تحالف أدوات العدوان الأمريكية، والتفاوض في حدود مأزقها الخاص كدولة جارة لليمن، وهذا يبطِّئُ من وتيرة انهيارها المتسارعة، على أمل تلافي الانهيار عبر جملة معالجات داخلية تشرع في تنفيذها بعد ضمان تهدئة حدودية متوسطة المدى زمنياً.
وإما مواصلة العدوان كأداة بالإنابة عن أمريكا، وفي هذه الحالة فإن انهيارها يغدو حتمياً، سواء أفلح العدوان في تحقيق أهدافه أو أخفق.. وهو سيخفق حتماً.
لقد أخلص سيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، النصح للدولة الجارة في أكثر من خطاب، وفي خطاب الذكرى السنوية للشهيد، حين أشار إلى وهن علاقة الأمريكان بحلفائهم، وأنه ما من عزيز على (واشنطن) بينهم، وفي حال اقتضت مصلحتها التخلي أو التضحية بهم، فإنها تفعل غير آسفة، والأمثلة وفيرة وجلية على مسرح الواقع.. إلا أن أذن العائلة السعودية المالكة الصماء حينها شرعت تصغي اليوم - وبعد أزوف الوقت - تحت وطأة الصفعات التي يسددها المقاتل اليمني لها، ولا يبدو أنها ستفيق كلياً إلا على حافة حتفها..
إن القفازات الوكيلة المواربة للقبضة الأمريكية تتمزق تباعاً بفعل متلازمة ثورية وطنية قوامها بندقية مؤمنة ومتمرسة ومفاوض وطني حصيف يؤلفان ذراعي فرجار يحنفان ويتعانقان على صراط قُطْر الثوابت الكلية الناظمة للكفاح الوطني في مجابهة تحالف العدوان السعودي الأمريكي..
وإذا كان من المؤكد أن جولة تفاهمات مع السعودية كأداة لن تلبي جملة المطالب الوطنية الراهنة، والمتمثلة في وقف فوري للعدوان ورفع الحصار والإقرار بسيادة اليمن على ترابها وقرارها السياسي، فإن اليد الممدودة للسلام على قاعدة تلك المحددات تفعل فعل البندقية في خلخلة ملعب تحالف أدوات العدوان وتعميق انقساماته البينية، وتظهير الوجه المموَّه بأقنعة عربية وإسلامية زائفة للعدو الحقيقي، وإجلاء جوهر الصراع الذي كان ولا يزال صراع الشعوب المستضعفة لانتزاع استقلالها وحريتها من قبضة قوى الاستكبار والهيمنة الامبريالية.
بروز أمريكا الفج من كواليس العدوان إلى واجهته، كان أحد أبرز مكاسب (اليد الممدودة للسلام)، وهو مكسب ضاعف من يقين الشرفاء بصواب موقعهم وموقفهم من الصراع، وسلامة بوصلتهم، كما جعل من كفاحهم كفاحاً على بصيرة، فيما أثار حنق ذوي الأيدي المرتعشة من المترددين وأنصاف الوطنيين وثوار المهام الذين وجدوا أنفسهم في خندق المجابهة قسراً، فأخذوا يتحينون الفرص للانسحاب من ساح كلفة المجابهة الباهظة على كواهلهم إلى ساح ريوعها السهلة في كنف صراع مريح مع طواحين الهواء، على قاعدة (فلتكن السعودية هي العدو، لكن أمريكا ينبغي أن تظل حكماً).
في حين تسربل الخونة والعملاء مسوح الوطنية والشرف، وراحوا يطعنون في وطنية وشرف القيادة الثورية، على أمل أن يفقد شعبنا ثقته فيها فيفسح منصة للقوادين يزاولون منها تمزيق نسيجه الاجتماعي الذي استعصى على مجازر ترسانة أربابهم العسكرية تمزيقه طيلة عام من العدوان.
هل لا يزال ثمة من يعوزه دليل على أن أمريكا هي من تمسك دفة العدوان والأعراب يجدِّفون؟! تفضلوا.. ها هو البيت الأبيض يكاشف بانتفاء مصلحته من أية تفاهمات تفضي لوقف العدوان، ويبرهن على أن مصلحته في استمراره، فـ(الحل السياسي بعيد المنال)، والسعودية بوصفها المومس التائبة تذعن عاجزة لأوامر القواد بوجوب المضي في طريق الرذيلة حتى الشوط الأخير.
منذ البدء أردنا السلام ولم نسع للحرب، لكنها فرضت علينا، وقَدَرُنا وقَدَرُ شعبنا الشريف الصامد أن نخوضها حتى الرمق الأخير في سبيل السلام، ورفضاً سرمدياً للاستسلام، وفي مضمار الكفاح متسع لاختبار معادن الرجال أيها المزايدون.

أترك تعليقاً

التعليقات