رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

لدى أكثر أدعياء الحداثة والعصرنة تغطرساً وانتفاخاً، فإن أعلى سقوف مزاولاتهم الحداثية تتمظهر حصراً في ارتداء بنطال منتف النسيج عند الركبتين وتي شيرت مطاطي ضيق، وارتياد كافيهات التفرطة المكلفة والفارغة، وحفظ آخر أخبار وأفلام توم كروز وديكابريو عن ظهر بطن، وتدخين الأركيلات بعمق وشره في مقاهي الفرجة الرياضية الكسيحة، والاصطفاف المتوتر المشحون بانفعالات متكلفة بين مهووسين بالبارشا ومهووسين بالريال..
لا، لا، أعتذر، فليس هذا أعلى سقف للتعبير الفارغ عن الحداثة، فإلى جوار المتلازمات الديكورية الاستهلاكية أعلاه، يجترح هؤلاء الكارتونيون سقفاً أعلى بكثير من ذلك، وهو شتيمة واحتقار الذات اليمنية «المتبردقة»، وعبادة الآخر الغربي بانبهار وخشوع شديدين... انبهار موجه للمنحط والوضيع والمسف والهابط والاستهلاكي في الحضارة الغربية.
«عقدة مركبة من شقين: نحن متخلفون بالفطرة وإلى الأبد والآخرون متقدمون بالفطرة وإلى الأبد».
هذه العقدة هي حجر الزاوية الذي قامت عليه أزمنة الوصاية والاستلاب للهيمنة الغربية ومحو ذوات الشعوب لتعيش عقيمة من أي طموح خلاق وتؤمن بكساحها بوصفه قدراً مقدوراً عليها لا حيلة لها في الخلاص منه..
في ظل المشهد اليمني اليوم، ووراء كواليس الصمود الأسطوري الفذ الذي يجسده يمن أيلول الجديد بالفعل والقول.. في ظل هذا المشهد وكواليسه، ثمة فتية حطموا هذه العقدة المستفحلة في قرارة شعبهم وأمتهم, وانطلقوا بمنهجية علمية مستلهمة من قرآنٍ كان مركوناً على رف فتاوى التكفير ومزنزناً بـ»توحيد الزنداني» ومعتقلاً بسواطير عصابات معامل التفريخ الأمريكية البريطانية المتلطية بقشور إسلاموية منتجة لمصالح الاستكبار ومضادة وقاصمة لآمال ومصالح الأمة العربية والإسلامية.. ثمة فتية ربانيون يجترحون المعجزات العلمية والعسكرية بصمت وتواضع جم... فتية يفغر الغرب الأوروبي والعالم الأشداق لولادات أدمغتهم وأناملهم، ذعراً وانبهاراً ممزوجاً بالغيظ وإعجاباً حاقداً..
فتية لم يتجاوزوا العقد الثالث من العمر، ولم يسعفهم الوقت في طفولتهم لمشاهدة أفلام حروب الفضاء والخيال العلمي، ففي المنعطف الزمني الذي كان أقرانهم يعكفون أمام الشاشات وعلى أزرار «البلاي ستيشن» بأجياله المتعاقبة، كانت سلطة الوصاية تتعقبهم، وكلاب أقبيتها تتشمم ضمائرهم وتنهش أكبادهم بلا رحمة، وكانت التهمة الموجهة لهم علناً «العودة بالجمهورية لعصر الكهنوت والظلامية والرجعية».
لا ريب أن كثيرين بيننا سيفغرون أفواههم اليوم أمام مخرجات معرض الشهيد الصماد، انبهاراً بكتل الحديد المكورة صواريخ ومسيَّرات، ولكن الغرب الذي يعبده ملايين الشبيبة العربية سيقتله الفضول لمعرفة كنه الفتية الذين طرحت أدمغتهم كل هذه الثمار المعرفية النارية، ومن أية طينة خلقوا! وسيتأكد له أن ما يكتوي به اليوم من عبقريات يمانية هي حصيلة مُرّة لعجزه القديم الحديث عن وأد مشروع المسيرة القرآنية رغم 6 حروب ضروس عليها انتهت أولاها باستشهاد المؤسس السيد القائد حسين بدر الدين، ورغم حرب سابعة كونية استغرقت كل مخزون عبقريات الغرب العسكرية خلال 5 أعوام، ولم تكبح دفق قوافل ولادات المسيرة القرآنية التي تدشن عام صمودها الخامس بهذا السقف الشاهق من الاقتدار العسكري الموارب على مجاهيل قادمة صادمة لحسابات الاستكبار وفوق طاقة خيال شياطين صناعاته الحربية واستخباراته على استراق السمع إليها وتخمين طبيعتها، عوضاً عن سبر أنويتها فرادى.
يقول «ز. ح»، الشاب العشريني وسيم القسمات، والخبير في التصنيع الحربي: «عامان فقط بإذن الله وستكون معارض جديد صناعاتنا العسكرية مفتوحة لزيارة عموم الشعب، و...».. ويصمت برهة مناولاً رفيقه الثلاثيني سياق الحديث بابتسامة طفيفة وعميقة ليكمل «أ. س»: «بإذن الله ستكون سماؤنا حينها قد أصبحت عصية على طائرات العدو، لنستقبل مجاميع الزوار من عامة الشعب في قاعات مفتوحة لأيام وأسابيع..».
إنهم فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى، وأمدهم بقوة البزوغ من كهف التغييب، ليوقظوا الأمة من سباتها المديد بوعد عالم كلمة الله هي العليا فيه... عالم كريم تكون أمة الرسالة القرآنية المحمدية العلوية محوره والذراع المباركة الفاعلة في رفع قواعده.

أترك تعليقاً

التعليقات