رئيس التحرير - صلاح الدكاك

#صلاح_الدكاك / #لا_ميديا -

مفتتح الطريق لحل الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان تكمن في بلورة موقف واضح من "العدو الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية الإمبريالية وملحقاتها العربية" بمنأى عن الفرز الطائفي الذي تغدو فيه الوشائج بين الفرد والفرد داخل المجتمع اللبناني هي ذاتها وشائج الطائفة بالطائفة دينياً ومذهبياً، في حين أن الديني والمذهبي هو سياسي محض حيث لا إمكانية معه لربط الموقف "المناهض أو الموالي" من العدو الإسرائيلي والهيمنة الإمبريالية على بنية الاقتصاد في لبنان، بطائفة معينة، باعتباره موقفاً نابعاً من اعتقادها الروحي المحض، فالشيعي المناهض لإسرائيل وللهيمنة الإمبريالية يقابله شيعي يواليهما ومسيحي وسني يناهضانهما.
إن أمريكا لا تريد تقويض نظام المحاصصة الطائفية، لكنها تدفع لإعادة بناء محدداته على أساس إعدام مساحة الفعل والحركة التي يتكئ عليها وطنيو لبنان المناهضون للكيان الصهيوني والساعون لانتشال البلد من مخالب هيمنة الأحادية الغربية على سياساته الاقتصادية والمالية واجتراح أفق علاقات دولية تحتكم لناظم مصلحة لبنان وشعبه الكائنة –ولا ريب- خارج سياج حظيرة الوصاية الغربية الاستعمارية.
إن النظام الطائفي في لبنان كامتداد للسيطرة الاستعمارية وترجمة لمصالحها القديمة الجديدة ليس مشكلة يستهدف مركز الهيمنة الكونية الغربي حلها بنقيض غير طائفي، وإنما يسعى لتنقيتها من "اتفاقية الطائف" باعتبارها طارئاً مرحلياً اضطر للتسليم به في سياق زمني كانت هذه الاتفاقية تمثل خلاله حد الكسب الأعلى الممكن، وبالعموم فإن الاتفاقية صممت لتكبيل لبنان في أضيق حدود الفعل الوطني المعادي لإسرائيل عبر حصر مفهوم الصراع مع الكيان الصهيوني في نطاق قُطري مرهون بتحرير الأرض اللبنانية كخاتمة للصراع، كما ورهنت قرار الاشتباك بغطاء من توافقية طائفية لطالما كانت تقديراتها في كل اشتباك ينشب مع العدو تنحو لتحميل المقاومة مسؤولية اندلاعه وتعفي إسرائيل من اللائمة بوضعها موضع رد الفعل على "استفزازات مصدرها حزب الله" دائماً.. كالحال في موقف حكومة السنيورة من عدوان 2006 الإسرائيلي على لبنان، ورد حزب الله وحلفاء المقاومة عليه.
يدرك كل لبناني قارئ للأحداث أن سياسات التجويع والإفقار الاقتصادي وإغراق لبنان بالديون ومفاقمة تردي الفضاء العام، هي نتاج لهيمنة صناديق الإقراض الإمبريالية التي كانت حكومة الحريري ذراعها التنفيذية المباشرة، ومن باب تحوير الوقائع والحيثيات يجري اليوم تحميل حزب الله المسؤولية عنها بالأقل بحجة "صمته إزاءها"، قفزاً على حقيقة أن الجنوب بمختلف أطيافه كان مشاعاً رئيساً للتجويع والتفقير والتهجير الديموغرافي الرسمي من عقود سابقة لاتفاقية الطائف، وأن حزب الله لم يلج مسرح العمل السياسي الحكومي إلا في 2008، وإنه كحركة مقاومة شعبية كان وليد أتون الصراع في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل، لا وليد المحاصصة الطائفية ولا التمكين الطائفي الرسمي.
إن نظام المحاصصة الطائفية -ولا ريب- هو المسؤول عن كل الأوضاع الكارثية التي لحقت بلبنان اقتصادياً وسياسياً وفي شتى المناحي الأخرى، وهذا النظام - بنقيض اعتقاد كثيرين - لا يمثل عامل قوة لـ"حزب الله" اليوم ولا بالأمس البعيد قبل اتفاقية الطائف، قدر ما يمثل عامل ضعف للحزب وللبنان كشعب ومقدرات بشرية ومادية، فهو ذاته من يحول دون بناء جيش قوي تسليحاً وعقيدة، كما ويحول دون أن يضع اللبنانيون يدهم على ثرواتهم تنقيباً واستكشافاً، وأن يستفيدوا من متغيرات الصراع الإقليمي والدولي في انتهاج مسار تشاركي بناظم مصلحة لبنان في الانتقال من نظام الاقتصاد الريعي "كمصدر قوة لنظام السيطرة الطائفية الطبقية ومصدر ضعف لغالبية البنية الشعبية المكبلة به"، إلى نظام الاقتصاد المنتج حيث تصبح قيمة الفرد والمجموع قائمة على الندية والعصامية، وتتمظهر القيمة الثورية لمفهوم الشعب العامل والفاعل في سياقات الإنتاج مفروزاً على محكها لا على محك التبعية الطائفية بالقصور الذاتي لعجزه الناجم عن عدم إنتاجيته وعن هيمنة نظام سوق التوكيلات الريعية الاقتصادية والسياسية.
إن هذا الانتقال الثوري غير قابل للتحقق بدءاً إلا بمواقف ومحددات باتة في رفضها الهيمنة الإمبريالية ومناهضة مشروعها الصهيوني في المنطقة وملحقاته العربية، فمنتجو سياسات التفقير والتجويع هم نتاج لهذه الهيمنة التي تجعل من لبنان شعباً وتراباً ومصيراً محض ضيعة مملوكة للغرب الرأسمالي الاستعماري يجري تجييره كقوة في الحرب على خصوم أمريكا (سوريا مثالاً)، وتكريس عجزه عن الانتفاع من التوازنات والكتل والمحاور المتخلقة بالنقيض لهذا الصراط القسري المستقيم من التبعية لصانعي الجوع والعوز في العالم أجمع من الصومال إلى بوليفيا.

أترك تعليقاً

التعليقات