رئيس التحرير - صلاح الدكاك

الغائبون عن قمة (البحر الميت) هم الأعضاء الأكثر حياة والأكثر حضوراً على مسرح الفعل العربي، وباستثناء الرئيس اللبناني العماد ميشيل عون، فإن القمة كانت قمة عبرية أمريكية أعرابية بامتياز.
28 دورة انعقاد للجامعة (العربية) مجازاً، أسفرت ـ في أحسن حالاتها ـ عن استجلاب احتلال غربي ناجح لـ(ليبيا)، واستجلاب احتلال غربي لـ(سوريا) أخفق في المهد، كما واستجلاب عدوان كوني على اليمن بعناوين ومسميات عربية، لا يزال ينشب مخالبه في أوردة ولحم أطفال ونساء اليمن حتى اللحظة، بحثاً عن (نفوذ إيراني)، والنتيجة أكثر من 30 ألف شهيد وجريح مدني يمني، على تماس عشية اكتمال عامين من العدوان في الـ26 من مارس الفائت.
الغائبون عن القمة (العربية!) هم الحاضرون بحق مع القضايا العربية المركزية، ومع العروبة كمشروع إنساني حضاري، لا عرقي شوفيني يرى في سوريا واليمن مجوساً وصفويين، ويرى في (بنيامين نتنياهو) جمال عبدالناصر آخر، وفي (الموساد والشاباك والشين بيت) ملائكة مسوِّمين أمد بهم الله (نبي العروبة سلمان بن سعود) في حربه المقدسة ضد (الغول الرافضي الصفوي الفارسي) الذي يوشك أن يفترس (خير أمةٍ أخرجت للناس).
إنه لمن السذاجة حبس الأنفاس أمام شاشات التلفزة، بانتظار ما سترشح عنه قمة عربية معقودة في (البحر الميت)، على شرف مليك سعودي بلا شرف، وغلمان إماراتيين جل هواياتهم اقتناء الطيور الغريبة والمومسات وإطلاق الأعيرة النارية بمحاذاة رؤوس وأقدام الحشم والخدم للتسلية في حفلات الشواء والكوكايين، كما ومراهق قطري زحلقته أمه (موزة) إلى سدة أهرامات الغاز المسال، بالتعاون مع الشركات الأمنية الأمريكية الخاصة ووكالة المخابرات المركزية.
الغائبون عن قمة عرَّابي المصالح الأمريكية الصهيونية، هم الحاضرون على مسرح مواجهة التحديات المركزية للعرب ومشروع العروبة.
سوريا الأسد حضرت وتحضر منذ 6 أعوام حيث ينبغي الحضور، ومقعدها الشاغر في فعاليات الجامعة العربية، هو شاهد قبر على ضريح مكتظ بالجثامين، اسمه قمة البحر الميت، التي ألقى العماد ميشيل عون في قاعها بحجر الحياة الوحيد، فزوبعت كائناتها المتحللة المهترئة عفناً.
يمن ثورة الـ21 من أيلول المجيد وملحمة الصمود والتحدي الكبرى في مواجهة آلة العدوان الكوني، حضر الآخر حيث ينبغي الحضور، وبرشاشه والآر بي جي عقد ويعقد قمته منفرداً للعام الثالث بامتداد زرقة البحر الأحمر، وبالرصاص وخناجر البواريد يحرر بياناته في صدور غيلان وقراصنة ومسوخ معامل المخابرات الأمريكية وأجنة الموساد وفقاسات البترودولار.
ربما أمكن لعربان الطفرة النفطية إزاحة وتغييب ثالوث الريادة العربية (مصر، العراق، سوريا)، فاتسعت لها باحة (الجامعة العربية) وتعملق أقزامها، لكن القامات الشاهقة عربياً لم تكن في يوم من الأيام هبة من هبات منظمة تخلقت في رحم الاستعمار ممهورة بحروف عربية، وعلى النقيض فإن قامة (عبدالناصر، وبومدين، وحافظ الأسد) هي من رفعت سقف هذه المنظمة شاهقاً ذات حقبة ولت، ومن الحماقة أن تعتقد القامات النفطية القميئة أنها ورثت أبعاد وأطوال الزعماء الراحلين والغائبين والمغيبين، لمجرد أن مؤخراتها الثقيلة المكتنزة قد احتلت مقاعدهم.
أشبه بماخور يوارب رذائله بيافطة مكتوب عليها (إنك بالوادي المقدَّس طُوى).. تلك هي حال الجامعة العربية اليوم..
إنها ـ بطبيعة الحال ـ تقوم بدورها على أحسن ما يرام، بوصفها مومساً تحت إمرة شهوات (واشنطن ـ لندن ـ تل أبيب) الفاجرة.
وقديماً قال مظفر النواب: (بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهةٌ حطموها على قحف أصحابها). 

أترك تعليقاً

التعليقات