رئيس التحرير - صلاح الدكاك

حين التفَّت ساق اليمين بساق اليسار، واعتنق الإخواني مع الاشتراكي مع الناصري مع الزيدية الليبرالية المدجنة للإقطاع الإخواني العسكرجهوي (اتحاد القوى والحق)، في حظيرة سميت مجلس تنسيق أحزاب المعارضة، في 1999م، ثم أحزاب اللقاء المشترك في 2002؛ لم تكن ثمة مسوِّغات مادية منظورة لائتلاف هذه الخلطة من النقيض ونقيضه، عدا الحاجة الأمريكية البريطانية إلى تخليق مشهدية سياسية معارضة في اليمن تتفهم المحاذير والخطوط الحمراء لمرحلة هيمنة القطب الواحد، كما وتنتهج سياسة تطبيع وتطويع الجماهير (الشارع العام) على الرضوخ لمفاهيم ومُثُل الليبرالية الجديدة بوصفها سفينة النجاة والعبور إلى بر التغيير المنشود والرفاه المعيشي الناجم عن الهيكلة والخصخصة والانفتاح غير المشروط على السوق العالمية.
أجهز ائتلاف المشترك المعارض على التباينات الصحية في علاقة المكونات السياسية ببعضها البعض، وطَمَسَ ملامح اليسار لصالح اليمين، إذ إن هذا الإطار لم يكن حصيلة لمراجعات فكرية تاريخية وطنية تتمثل الحاجة الشعبية اليمنية إلى إزاحة التناقضات الداخلية المناطقية والجهوية الناجمة عن الاستعمار وتخلف وتبعية الاقتصاد لمركز الهيمنة الامبريالية، ومن ثم البحث عن مشتركات عامة منظورة تتم ترجمتها إلى آلية  للنضال الوطني الجمعي الهادف إلى إنهاء المعضلات والمظلوميات المحلية وتكتيل الطاقات الشعبية على تنوعها في مضمار مشروع نهضوي شامل في كنف سيادة غير مثلومة على التراب والقرار السياسي اليمني.
على النقيض من ذلك نشأ إطار (المشترك المعارض) على قاعدة تكتيل التناقضات الانعزالية المناطقية والجهوية، وجعلها عصا غليظة في قبضة سلطة السيطرة الطبقية الوكيلة للسوق العالمية، وعوضاً عن أن تكون هذه السلطة هي ذاتها النقيض للمصالح الوطنية والمستهدف بالنضال الشعبي صوب الحرية والاستقلال، باتت حليفاً افتراضياً للجماهير ورهاناً للتغيير..
وجرى اختزال الصراع إلى سجال سياسي كيدي داخلي مضر بالبلد والشعب، كما والتمويه على النقيض المسيطر، بتعبئة الشارع ضد خصم سياسي اسمه (علي عبدالله صالح)، مطلوب الإطاحة به كموضوع للنضال وغاية عليا منه في أدبيات (المشترك المعارض) الذي لم يهدر فحسب الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع المحلي الطبقي بالأساس، بل كان اليد الاستعمارية الطولى التي انكفأت بالصراع إلى حضيض التقسيم والشرذمة والتدمير الذاتي الداخلي.
عبر المشترك المعارض أمكن لمركز الهيمنة العالمية تأمين حائط صد جعله بمنأى عن ارتداد طوب الاحتقانات الشعبية في وجهه كمسؤول أول عن مفاقمتها بسياساته التجويعية ووصايته على مقدرات البلد وقراره السياسي، وأكثر من ذلك توظيف سيل الاحتقانات تلك، كطاقة هدامة في أتون مشروعه التفتيتي، وصولاً إلى عدوانه العسكري الرامي صراحة لاحتلال البلد وبسط السيطرة المباشرة عليه.
عند هذا المنعطف الأخطر بين كل المنعطفات التاريخية اليمنية، بما يمثله من تهديد وجودي لليمن برمته شعباً وتراباً، نشأ ائتلاف آخر هو على النقيض لائتلاف المشترك من حيث الحوافز وسياق نشوئه الموضوعي، ائتلاف يتمثل الحاجة الشعبية البيِّنة إلى تكتيل السواعد والزنود والأدمغة والطاقات الوطنية في خندق مواجهة حملة اجتثاث كونية تتهدد كل التاريخ وكل الإنسان وكل التراب في اليمن.
من وضوح الخطر الداهم وسفور التحديات التي يواجهها الوجود اليمني الجمعي، نشأ ائتلاف (أنصار الله، المؤتمر الشعبي وحلفائهما)، مستهدفاً تنظيم وتعبئة وإدارة غُرم مجابهة قوى العدوان والاحتلال الكونية، في سبيل وطن كريم حر مستقل هو غاية المغنم.
اصطفاف وطني محض، تحتفظ مكوناته بملامحها وتبايناتها الصحية، ولا تعيرها لسدة مهيمنة، لكنها توظفها بوعي ومسؤولية في خندق البذل العام لجهة الدفاع عن فضاء المشتركات الوجودية الإنسانية الاجتماعية الثقافية التاريخية الوطنية الجامعة.
اصطفاف وطني عصامي محض هو اختزال كثيف للإرادة الشعبية في مقابل اصطفاف عملاء ومرتزقة وسماسرة أعراض تنازلوا عن ملامحهم وهوياتهم للمدير التنفيذي الكوني الأمريكي البريطاني الذي اشترى منهم كل فضيلة وشرف ونخوة بملاليم خزائنه السعودية الإماراتية، فمنحوه مفتاح مضجع بلقيس وخزائن إرم ذات العماد، وكانوا فيها من الزاهدين.
لا مجال للطعن في حوافز وغايات هذا الاصطفاف الأنصاري المؤتمري، أو النيل منه، فهو اصطفاف الشعب الملتحم بالتراب وشرف الأرض وعرض إنسانها، والذي يعي حوافزه وغاياته في وجه قوى احتلال أجنبي باتت حوافزها وغاياتها فاضحة جليةً في كيدها لليمن وشعبها، ولم تعد تواربها مساحيق (المشترك المعارض) عن عيون الجماهير كسالف العهد، ولم يعد حائط (المشترك) يقيها طوب الاحتقانات والغضب الشعبي، بل ينهار معها وبها قناعاً ووجهاً وأداة ومشروعاً.
وأما زبد العمالة والارتزاق فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، مكوث ونماء شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

أترك تعليقاً

التعليقات