رئيس التحرير - صلاح الدكاك

إذا جاز أخذ مفردة (ثورة) على محمل الدلالة بوصفها قيمة في ذاتها بمعزل عن نتائجها كفعل شعبي راديكالي يستهدف إحداث تحوُّل جذري في مسار بلد ما، فإنه يمكن توصيف أحداث فبراير 2011 في اليمن، بالثورة، على أن هذه الأحداث تغدو فارغة من أية دلالة ثورية إذا ما حوكمت وفقاً لما أفضت إليه من نتائج كارثية هي على النقيض تماماً لما تستهدف تحقيقه ثور شعبية حقيقية.
ليست ـ بالقطع ـ ثورةً فاضلة ولا نبيلة تلك الثورة التي تفضي إلى نفخ الروح في جسد منظومة الإقطاع والعمالة النافق والمهترئ، وتجديد البيعة لوكلاء السوق المعولمة، وتكريس هيمنة قبضة الوصاية القطبية - أكثر من ذي قبل ـ على عنق البلد، وصولاً إلى الشروع في تقطيع أوصاله لبضعة كانتونات انعزالية مناطقية وطائفية، بدعوى (الأقلمة).. وهذا هو - على وجه التحديد ـ ما طرحته أحداث فبراير 2011 في اليمن من ثمار عطنة ومعطوبة، بعد أن نجحت مومياءات سلطة الظل التقليدية وائتلاف اليسار واليمين (المشترك) المعارض، في امتطاء موجة السخط الشعبي التواق للخلاص، وتحويل مسارها إلى النقيض من وجهتها التحررية المشروعة والنبيلة، وتفقيس بيوض أحلامها، عقارب وثعابين في حضن الوصاية السعودية الأمريكية.
فبراير الذي تقرع (النوبلية توكل كرمان)، منذ أيام، طبول الاحتفال به من مقرها في (أنقرة) حاضنة العمالة الإخوانية، هو حصان طروادة تسللت عبره منظومة الإقطاع والكمبرادور في 2011م، لتفض عذرية الفعل الثوري وعصاميته ووطنية تطلعاته، ويستميت أرباب هذه المنظومة اليوم لتمرير مجمل أدواتها عبره، وتمكينهم مجدداً من خناق القرار الوطني ومفاصل الخارطة وثروات البلد، مشفوعين بـ(الإف16 والأباتشي، ودروع البرادلي والأبرامز والهمر والبارجات الحربية وأموال البترودولار).
فبراير الذي تهلل (كرمان) لذكراه، على هيئة ولولات ومراثٍ سامجة، هو ذاته فبراير الذي يشن التحالف الكوني الأمريكي السعودي على اليمن، منذ عامين، عدواناً عسكرياً لا نظير لبشاعته، بهدف فرض مخرجاته الثورجية (من ياسين إلى هادي والأحمر ومن خالد الآنسي إلى صعتر والزنداني)، على سدَّة قراره، بعد أن أطاحت بهم، إلى غير رجعة، ثورة الـ21 من أيلول 2014 الشعبية التحررية، التي صوبت مسار البوصلة الوطنية، وقضت على كل الطفيليات الثورية المعتاشة من أوجاع الشارع اليمني وذباب الدم الوالغ في جراح إنسانه.
لقد نقلت فبراير البلد من سواحل مستنقع الارتهان الضحلة، إلى أغواره العميقة والمظلمة، ومن وصاية وصَفَات صناديق الاقتراض المعولمة، إلى وصاية أحذية الاحتلال الأجنبي تحت الفصل السابع، ومن القنانة في حظيرة الهيمنة الأمريكية، إلى العبودية الكاملة لأمريكا ووكلائها الإقليميين في (الرياض وتل أبيب)، فكانت ردة فعل قوى النخاسة العالمية أن كافأت رموز فبراير بـ(نوبل) وشتى أنواط وأوسمة العرفان الدولية، وأضفت عليهم الشرعية، وربتت على أكتاف شبابها من أطفال أنابيب السفارات والمنظمات المانحة، فيما كوفئت وتكافأ يمن ثورة 21 أيلول بـ(النابالم والفسفور المنضب والفراغيات والعنقوديات والحصار والتجويع وسخط المجتمع الدولي)، لأنها أسقطت كل رهانات قوى الهيمنة والاستكبار في اليمن، وقوَّضت حواضن تنظيماتها الإرهابية الإجرامية، وسددت أسنة الاحتراب الشعبي الذاتي (الطائفي والمناطقي والعرقي)، في نحر إسرائيل وأمريكا، ووضعت القضية الفلسطينية ـ حيث ينبغي أن تكون ـ في صدارة الكفاح العربي والإسلامي والأممي.
إن الثورة التي تثير رضا النخَّاسين وتجار الرقيق، لا سخطهم، هي مجرد صك تمديد عبودية، لذا وعلى الرغم من بشاعة ما نتعرض له من عدوان كوني اليوم، فإننا مفعمون بالرضا لأننا أثرنا سخط الجلاد في 21 أيلول 2014م، وما زلنا ندفع كمبيالات الحرية من دمنا دون نكوص، ولا نتسول أنواط الشرعية من (وول ستريت والدرعية).. لقد استعدنا رقابنا، ولن نقايض عليها مجدداً أياً كان الثمن.

أترك تعليقاً

التعليقات