رئيس التحرير - صلاح الدكاك

ابتهجت واشنطن وتوابعها من دول الرجعية العربية، (بتظاهرات إيران)، على نحو هستيري مبتذل، أفصح عن مستوى الضآلة والهزال الذي أصبحت عليه الإمبراطورية الأمريكية، فعوضاً عن أن تبطش بنظام الجمهورية الإسلامية بطش الجبارين، وتأخذه أخذ المقتدر، باتت تعول في زواله، على مجاميع من (مثيري الشغب) و(الزقاقيين) وصبيان (الماريجوانا وأقبية الحشيش) المندسين في أوساط الاحتجاجات المطلبية المشروعة والدالة ـ بطبيعة الحال ـ على عافية الجسد الإيراني، ونظامه الثوري، لا على أزوف نفوقه وتفسّخه، وفقاً للرهان الأمريكي!
تخطئ الإدارة الأمريكية خطأً فادحاً حين تعتقد بجدوى ونجاعة الحرب الناعمة الاقتصادية والمخابراتية في تركيع البلدان التي انعتقت من حظائر الوصاية الامبريالية بثورات شعبية تحررية نقية الوسائط وجلية الغايات.
أكثر من نصف قرن من هذه الحرب القذرة المسماة اصطلاحاً (بنات آوى)، لم تُخضع كوبا ولا نالت من عزائم الطبقة الشعبية الواسعة الملتفة حول نظامها الثوري الذي أطاح بدكتاتورية صبيان أمريكا، 1959م، ونقل (كوبا) إلى طور إنساني وازن من الكرامة والعدالة الاجتماعية الملهمة للعالم، بعد أن كانت محض (كازينو للقمار ومحطة لمافيات الحشيش) عائمة على مياه الكاريبي لا تكاد ترى بالعين المجردة.
بالمثل فقد تصالبت إيران وزادت وزناً وحضوراً على محك أكثر من ثلاثة عقود من الحصار والقرصنة والتسييج الأمريكي لتغدو ما هي عليه في الراهن من قوة نووية ومعرفية واقتصادية كبيرة تؤلف مع الجمهورية العربية السورية التي واجهت حرباً أمريكية قذرة مماثلة نسبياً، محوراً ضارباً وفاعلاً على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي اليمن، فإن استمرار فشل الحرب العسكرية التي يشنها التحالف بالإنابة عن أمريكا، في كسر الإرادة الثورية والصمود الشعبي، يدفعه إلى تصعيد حربه الاقتصادية التصاعدية بالأصل، والتي زامنت العدوان العسكري منذ شهره الأول في صورة مفارز تفتيش بحرية وبرية وجوية لكل وسائط النقل التجارية وغير التجارية وحركة المسافرين، وصولاً إلى نقل البنك المركزي وإغلاق كامل المنافذ من وإلى اليمن وعزله كلياً عن العالم.
مع أزوف نهاية مشاورات الكويت دون أن تطرح الثمار الأمريكية المرجوة منها، هدد السفير الأمريكي (ماثيو تويلر) بتصعيد الحرب الاقتصادية على اليمن.
(سنجعل عملتكم المالية لا تساوي ثمن حبر أوراقها)؛ قال تويلر، وتولى إجراءات نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وتحويل طريق العملة المطبوعة في روسيا إلى خزانة مستخدَمي التحالف من عملاء ودواعش ومرتزقة، كما رفع سقف طباعة الأوراق المالية بلا غطاء، لتتضاعف حالة التضخم النقدي، وتفقد العملة الوطنية جل قيمتها أمام العملات الصعبة، وتستعر نيران الغلاء السلعي.
كل ذلك حدث ويحدث بغية دفع حالة الصمود الشعبي إلى حضيض اليأس، ومن ثم انفجار بارود المعاناة والسخط وفقدان الأمل بفعل العدوان الكوني، على هيئة (ثورة في وجه القوى الوطنية المناهضة للعدوان والناهضة بعبء مواجهته على شتى الجبهات)، و.. هكذا تفقد الثورة حاضنتها الشعبية، ويبسط تحالف العدوان سيطرته على حضيض من الفوضى والشتات بزهيد الكلفة والجهد.
كان تفقيس مثل هذه الريوع مواتياً للتحالف حتى ديسمبر الفائت، لكنه بعد هذا التاريخ بات عسيراً وبعيد المنال، ومشفوعاً بتبعات فوق قدرة العالم المنافق والتحالف على احتمالها.
يضع الرئيس صالح الصماد العالم أمام طبيعة التبعات التي سيواجهها في حال استمرت حرب القرصنة والتجويع وصمته وتواطؤه إزاءها: (ضرب شريان الملاحة البحرية الدولية في خاصرته الأكثر حساسية باب المندب)..
على العالم - إذن ـ ألا ينتظر اللحظة التي يتناهش فيها اليمنيون، ويأكلون بعضهم البعض ككائنات تحت آدمية، بفعل وطأة الجوع، فلتلافي هذا المآل لا مناص أمام اليمنيين سوى خيار شمشون (عليَّ وعلى أعدائي)؛ ولتلافي هذا الخيار الرهيب، لا مناص أمام العالم سوى خيار وقف العدوان الكوني على اليمن ورفع الحصار بالكامل والجلوس على طاولة الحوار بمحددات صون الكرامة اليمنية والإقرار بحق شعبنا في الحرية والاستقلال وتقرير طبيعة ما يصبو إليه من مستقبل سياسي بمنأى عن قرصنة أجندات الوصاية الإقليمية.
غير أن أخطر خيارات المواجهة الدفاعية التي كاشف بها الصماد، تتمظهر في قوله: (لدينا ارتباطاتنا داخل السعودية... ولدينا ارتباطات كبيرة مع دول محور المقاومة).
إن ذلك يعني ـ بطبيعة الحال ـ اندلاع انتفاضات شعبية ثورية في المملكة لا تنقصها الدوافع ولا الأطر التنظيمية والأدوات؛ كما يعني بالتوازي في شقه الآخر من عبارة الصماد، انتقال المواجهة من طور الاشتباك المحلي المحدود، إلى طور اشتباك المحاور المفتوح على مسرح جيوسياسي إقليمي ودولي فسيح، ولا إمكانية لأمريكا على ضبط إيقاعه واحتواء تداعياته!
لقد بات المناخ السياسي الداخلي مواتياً ليس فحسب لطرح الخيارات الأجرأ بلا مثبطات ذرائعية من حليف وفاق هجين، بل ولإنفاذ هذه الخيارات ميدانياً وسياسياً بلا تردد..
(لن تجوع الأسود وبجوارها حمير وحشية..)؛ قال أبو مالك الفيشي، ذات منعطف مبكر من منعطفات الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف قوى العدوان الأمريكي على بلدنا وشعبنا.. ويبدو أنه قد آن الأوان لأن تشرع الأسود في التهام ولائمها!

أترك تعليقاً

التعليقات