لله ثم للتاريخ
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

في 2005، وعندما بات الموقف من (النووي الإيراني) ـ في المبدأ الأمريكي ـ فيصلاً بين من يقبل بمناصبة إيران العداء بالإنابة عن (المخاوف الإسرائيلية) في المنطقة العربية، ومن يتمسك بالرؤية التاريخية للصراع، ولا يرى في غير إسرائيل خطراً مباشراً يستدعي مخاوف العرب.. في هذا المنعطف تحديداً انتهج الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح خطاً وسطاً يتحاشى الصدام مع الحاجة الأمريكية إلى تضخيم الخطر الإيراني، لكنه لا يحابي المخاوف الإسرائيلية؛ حيث أيد صالح (حق إيران في امتلاك مشروع نووي سلمي)، ورغم توافق هذه المقاربة مع التحفظات الأممية إزاء (سعي إيراني لامتلاك سلاح نووي)؛ فإن صيغتها لم تكن لتروق (واشنطن) التي أرادت ـ حينها ـ تجييش كراهية عربية على خلفية خطر افتراضي محدق يهب على العرب من تلقاء (طهران)، ويقتضي جدولة أولويات المواجهة بما يضع (إيران) موضع العدو الأول والأبرز لدول المنطقة العربية، وصولاً إلى استساغة فكرة (التحالف مع الكيان الصهيوني) على قاعدة (تهديد مشترك يطال الجميع).
تفرض الموضوعية القول إن مواقف (صالح) من قضايا عربية وإقليمية كثيرة كانت بالنسبة للإدارة الأمريكية تجديفاً غير مرغوب فيه خارج مستنقع (محور الاعتدال)، وترتيباً على هذه الحقيقة يمكن فهم حاجتها لاحقاً لإزاحته وتنصيب أراجوز مطواع شرع منذ لحظاته الأولى في الرئاسة يقارع بلا معطيات مسوِّغة بعبعاً إيرانياً متوهماً ذا أذرع عديدة يطبقها على بحر اليمن وبرِّه، وراح يسرف في اتهامه جزافاً بالمسؤولية حينها عن كل اختلال وفوضى وإرهاب يهرس أضلاع البلد.
وفيما كان (صالح) يشيد بـ(المقاومة) ونجاعتها كخيار في مواجهة إسرائيل واستعادة الأرض المحتلة، ويباهي بـ(حزب الله) وتحرير الجنوب عام 2000 وملحمة تموز 2006، حملت (حكومة هادي العميلة) على عاتقها مهمة (الحيلولة دون نشوء نسخة أخرى من حزب الله في اليمن) كبرنامج، وتبنت إسفاف الخطاب السعودي الإماراتي القطري بحذافيره إزاء (غول النفوذ الصفوي المجوسي) وحتمية (نشوء اصطفاف عربي سني للتصدي له) كأولوية لا تالي لها جسامةً وإلحاحاً على أجندة أولوياتها.
ليست مصادفةً ـ بالقطع ـ أن يكون ربيع العدوان الأمريكي السعودي على اليمن هو ذاته ربيع سفور العلاقات الإسرائيلية الخليجية للعلن، بعد حقبة من البغاء المقنَّع والاتصال المتحفظ تحت السرير.
لقد خططت الإدارة الأمريكية ـ بطبيعة الحال ـ لتأمين مجال عربي آيل ـ ليس للتطبيع مع الكيان الصهيوني كالسابق فحسب ـ وإنما لتشريع سيقانه وغرف نومه للشرطي الإسرائيلي بلا محاذير ولا حرج، بوصفه الملاك الحارس لـ(أمة سنية متخيلة) يتهدد (الغول الشيعي الإيراني) شرفها الرفيع.
على أن تَعَثُّر هذا المخطط في سوريا واليمن والعراق، وقبله في لبنان، جعل مناخ العلاقة العربية الإيرانية الملبد بسموم المحاذير والتوجسات غير الموضوعية، أنقى وأكثر مواتاةً لتعاضد عربي إيراني على قاعدة الندية والطموح المشترك كما والعدو المشترك، مع وفرة مسوِّغات جلية تقطع شك المتوجسين سابقاً بيقين وضوح المصلحة من هذا التعاضد وانتقاء شبهة التبعية وأكذوبة (التشييع).
يقرر (علي عبدالله صالح) أن (أمريكا وإسرائيل) هما المحرك الرئيس للعدوان على اليمن، وأن الدول الخليجية المنخرطة فيه مجرد (لحقة)، وإذ يدحض (دعوى النفوذ الإيراني في اليمن)، فإنه يرى في تبادل المصالح المشروعة مع إيران ـ بما فيها العسكرية ـ أمراً مطلوباً ومُرَحَّباً به.. نحن إزاء زمن مختلف وواعد قطعاً.

أترك تعليقاً

التعليقات