ألغام ستوكوهولم
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا

لن يتعاطى مجلس الأمن، الآن أو على المدى القريب المنظور، مع الاتهامات المتبادلة بالخروقات لاتفاق الحديدة بين الطرفين، وسيركز أكثر على دعم أجندة غريفيتث الرامية لعقد جولة تشاورية أخرى لتداول صيغة اتفاق ثانٍ بخصوص (تعز)...
مراكمة اتفاقات منفصلة على مستوى كل ملف من ملفات (الحرب في اليمن) هو الهدف الرئيس الذي يسعى لتحقيقه (المجتمع الدولي) في الراهن، وليس إنجاز حل سياسي شامل، فهذا غير ممكن في الراهن وفقاً لمتغيرات الصراع الذي لم يعد محصوراً في حيز محلي يمكن تسمية أطراف بعينها فيه (عدا أنصار الله)، بل تعدى ذلك إلى حضور إقليمي ودولي واسع الطيف ومتباين الأجندات تقاطعت أطرافه حول (اتفاق الحديدة)، وعليه فإن انهيار هذا الاتفاق لن يكون مسموحاً به باعتباره ضمانة الحد الأدنى التي يمكن المراكمة عليها في الداخل اليمني، كما وتلافي الذهاب إلى اشتباك إقليمي ودولي عسكري واسع النطاق في حال انهياره لجهة عودة الاشتباك إلى طور اللاقواعد في مسرح تمر من خلاله جل مصالح العالم التجارية والنفطية.
في سياق لصيق، فإن مراكمة اتفاقات دون البت بشأن تنفيذها على الأرض سيتيح (في الرؤية البريطانية) مناخاً من الفوضى المسيطر عليها، والتي تشل قدرة أصحاب الأرض (بقيادة الأنصار) على اجتراح أفق حسم في أتونها داخلياً، كما ويبقي كانتونات العدوان الأمريكي النفطية بمأمن من ضربات الردع العسكرية بعيدة الأثر في التقديرات البريطانية.
محلياً، لدينا اليوم (انتفاضة مهرية) خارج (الحالة الجنوبية) وجنوب ملغوم بـ(النخب والقاعدة وداعش والتناقضات الجهوية السالفة والمحدثة والمسعرة أمريكياً) و(حالة مأربية وأخرى تعزية خارج الشمال) و(اشتباك وتوغل عسكري في وخارج حدود الجغرافيا اليمنية)، وأخيراً لدينا (حديدة أممية) يتعذر إدارة الصراع فيها بمنأى عن المجتمع الدولي وضمن محدداته الضامنة لتقريب تباينات أطرافه عند الحد الأدنى من الوفاق!
امتداداً لهذا المسعى، بثت (الجزيرة) خبراً عن طلب بريطاني (قد يتطور إلى مشروع قرار) تقدمت به (لندن) إلى مجلس الأمن، مضمونه تأليف (بعثة دولية) إلى اليمن للإشراف على تنفيذ (اتفاق الحديدة)؛ الأمر الذي يؤكد أن المحاولات الغربية لا تزال مستمرة لتمرير جوهر مشروع القرار البريطاني الذي لم يتسنَّ للندن تمريره مطلع ديسمبر الفائت؛ والذي يهدف إلى تدويل موانئ الحديدة بريادة أمريكية بريطانية، بحسب مصادر خاصة ذات صلة.
ما أُرغمت (لندن وواشنطن) على التنازل عنه من مشروع القرار العاثر نزولاً عند تعديلات صينية ـ روسية نجم عنها القرار الأممي (2451)، تحاولان ـ الآن ـ الدفع به مجدداً عبر استثمار عراقيل متعمدة مستمرة لـ(اتفاق الحديدة) يزاولها تحالف أدواتهما بإيعاز من مشغليه.
دورة اشتباك معقدة يتعين على المفاوض الوطني ألا يقع رهينة لمتاهتها، وأن يجرد أوراق القوة التي بحوزته، وإمكانات تجيير تعقيداتها لجهة غاياته الوطنية الكلية المتمثلة في وحدة وتحرير التراب وثابت السيادة عليه، وسلامة النسيج الاجتماعي ووضع محددات الحل السياسي، وبالتوازي خوض معترك مصالحة وطنية داخلي جدي وفاعل ومتفهم للإشكاليات والتحديات التي أنتجت هذا الوضع، والتي يستثمر العدو (عسكرياً وسياسياً) في تفريخها وتنميتها ليكبل بها أبناء الأرض كأمر واقع لا مناص منه...
معترك (المفاوضات السياسية برعاية أممية) لا ينبغي الانهماك فيه أو التعويل عليه كرهان يفضي للانفراج المنشود في اليمن، ولا غنى عن اجتراح مسار تصالحي وطني خالص يتيح لأبناء الأرض المدافعين عنها والمناهضين لمشروع الهيمنة والوصاية والتفتيت والاحتلال، إمكانية الحركة للأمام دون ارتهان لمسار تبديد الوقت والجهد في جولات الأحابيل الأممية الرامية بالسياسة لفتح ثغرات مواتية لمشروع العدوان عجزت العسكرة عن فتحها وتعبيدها لغاياته الاستراتيجية!
لقد برهنت الضربة الجوية المسيرة الأخيرة على (قاعة العند) جنوباً، أن بوسع العقل العسكري نسف مسار رهانات العدو استباقياً، وإفشال المسعى البريطاني بغطائه الأممي لسلخ الجنوب كرقعة خارج الاشتباك وخارج قدرة أصحاب الأرض ادعاء السيادة عليها أو البت بشأنها.
ضربة (قاصف k2) هي غيض من فيض مفاجآت ردع تعي تماماً خبث المخطط الاستعماري في هذه اللحظة وتنطوي على ردود مناسبة وناجعة عليه وكاسحة للألغام المخبوءة خلف عباءة سلام (ستوكهولم).

أترك تعليقاً

التعليقات