رئيس التحرير - صلاح الدكاك

في كلمته أمام عدد من قيادات مؤتمر الداخل، عقب إبرام الاتفاقية السياسية وتأليف المجلس السياسي الأعلى، في أغسطس الفائت، قال الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، يخاطب الحاضرين في الاجتماع: (إن الوقت وقت عمل، والجهود ينبغي أن تتضافر في مواجهة العدوان الذي يستهدف الجميع دون استثناء..)!
كانت طائرات الإف 16 السعودية الأمريكية تحلق في سماء الاجتماع السري، وبتحدٍّ وسخرية رفع صالح بصره صوب سقف القاعة، وقال: (ما دام الصمعي بخير لن تهتز لي شعرة)، مشيراً إلى رأسه..
طرح (الزعيم) ـ كما يطلق عليه أنصاره ووسائل إعلامه ـ محدداته لتأليف حكومة الإنقاذ، متوجهاً بحديثه إلى جمع الحاضرين، فقال إن الحكومة ينبغي أن تتألف على قاعدة الكفاءة والجدية والبذل في مواجهة العدوان وتسيير شؤون البلد؛ لا على أساس المحاصصة والتقاسم والأنانيات الحزبية، فالوقت ـ بحسب تشديده ـ ليس وقت مغانم، وإنما مغارم.
مضت قرابة 3 أشهر منذ ذلك الحين، وكانت فترة كافية لأن تتألف الحكومة ويجري الإعلان عنها لتبدأ في النهوض بما يعلقه عليها اليمنيون من آمال في هذا المنعطف الحرج من عمر البلد؛ بوصفها خياراً شعبياً مشهوداً به على نطاق عالمي واسع، وإن لم يكن مشهوداً له من قبل هذا العالم المنافق الذي تدور تروس آلته الحربية بالضد لوجهة الشعوب، وبالعبور على أضلاع الجماهير التواقة للانعتاق، وانحيازاً لمجموعة عملائها ووكلائها ومرتزقتها.
مضت قرابة 3 أشهر ولم يجر الإعلان عن قوام حكومة الإنقاذ، ولا يبدو أنه سيجري الإعلان عنها ضمن السقف الزمني الذي حدده الرئيس صالح الصماد في حديثه لقناة (العالم)، الأسبوع الفائت، حيث حصر زمن انبثاق الحكومة بـ(غضون الأيام المقبلة)!
أما حين يكون علينا تسمية جهة مسؤولة عن وضع عصا الأنانيات في دولاب المصلحة الشعبية وإعاقة مخاض خروج الحكومة إلى سطوع مسرح الأمر الواقع، فإن خلطة من بقايا مراكز القوى التقليدية البيروقراطية المؤتمرية والإخوانية والجهوية التي تؤلف حزام الخناق الأخير حول (علي عبدالله صالح)، هي تلك الجهة المسؤولة بكل أسف!
هذه الخلطة المتلطية خلف الزعيم، لا تقارب أمر تأليف الحكومة من خندق الحاجة الشعبية لمواجهة العدوان وتداعياته على مختلف الأصعدة الحياتية للشعب، وإنما من خندق مصالحها الشخصية الآفلة بأفول منظومة الإقطاع والنفوذ في 21 أيلول 2014، وهي تنظر للاتفاق السياسي المبرم بين (أنصار الله والمؤتمر الشعبي) بوصفه إجهازاً على المسار الثوري والشرعية الثورية، لا تمتيناً وترسيخاً للحمة السياسية الوطنية أمام محاولات العدوان المستميتة إحداث شروخ فيها تمكنه من النفاذ لمآربه الاستعمارية القذرة، من تمزيق وحدة الجغرافيا اليمنية والنسيج الاجتماعي لشعبها وتركيعه لحظائر الوصاية الامبريالية بأسوأ مما كان عليه وضعه في السابق.
تلقت هذه الخلطة المؤتمرية الإخوانية الرمادية، باستبشار، تصريح الجنرال العميل علي محسن، حول كونه لا يزال ينتمي لحزب المؤتمر، كما لو أن الفيصل بين فرقاء المشهد السياسي صداقة وعداءً، هو الانتماء للمؤتمر أو عدم الانتماء، بالقفز إلى الوراء، وبمنأى عن مستجدات اللحظة الوطنية التي تتخلق على محك التفريق بين قوى وطنية شريفة تناهض العدوان السعودي الأمريكي، وأخرى عميلة تبيح الأرض والعرض والشرف للعدوان.
حزام الخناق الأخير المضروب حول (الزعيم) باسم مناصرته، لن يتورع عن المقايضة بـ(الزعيم) عند أقرب منعطف مقابل مصالح الخلطة الرمادية المبحرة في وحل أنانياتها المجهرية بعيداً عن بحر الشعب وبالضد لمصالحه وآماله وآلامه، لا سيما وقد سبق لها أن قايضت به في أحداث العام 2011، حد الشروع في تصفيته جسدياً، وجدران جامع دار الرئاسة لا تزال ملطخة بدم لم يتخثر بعد!
لقد تنازل (أنصار الله) ويتنازلون خلال منعطف اتفاقية السلم والشراكة السابق للعدوان، كما خلال منعطف اتفاق المجلس السياسي في ظل العدوان، لوجه المصلحة العامة وتجنيب البلد مضاعفات احتراب أهلي يخطط له العدو بالأمس، كما والذود عنه إزاء استهداف عسكري مباشر يرمي لاحتلاله وتمزيقه اليوم، ولوجه هذه الغاية السامية السامقة النبيلة، كان المجلس السياسي، وينبغي أن تكون الحكومة المنبثقة عنه.
غير أن الخلطة الرمادية المحيطة بـ(الزعيم) تتأول ـ بنفسياتها المريضة ـ تنازلات الأنصار بوصفها ضعفاً ونزولاً عند (شرعية مؤتمرية) أجهزت عليها مبادرة الوصاية الخليجية، وجمدت دستور البلد، وهي تعتقد اليوم أن اللحظة مواتية لاجترار ماضٍ آفل محفوزةً بشبق يسوِّغ لها مد يدها للمرتزقة والعملاء والخونة، على أن تمدها للقوى الوطنية المناهضة للعدوان، فتقبل بهم شركاء في كنف حكومة إنقاذ!
إن جماهير المؤتمر الشعبي الشريفة هي في صف البلد وخندق الدفاع الوطني، ومكاسب قيادة المؤتمر وشعبية رئيسه هي حصيلة احتذاء حركة جماهيره وجماهير الشعب الشريفة عموماً، كما وانحيازه لضفة البلد، على النقيض لما تحاول الخلطة الرمادية أن توهم (الزعيم).. إذ تصور له أن قيمة البلد والشعب ناجمة من انحيازه لـ(عفاش وحزب المؤتمر)، ويقيني أن (صالح) أذكى من أن يتعاطى مع هذا الاعتقاد الساذج، ويمالئ هذا الوهم، فيخسر ما راكمه من شعبية وازنة في غضون سنواته خارج الحكم، لم يراكم نظيرها من حيث الكم والكيف خلال 3 عقود من الحكم محاطاً بـ(الثعابين) والمنافقين.
إن نهر اللحظة الوطنية الشعبية الفتية كفيلٌ بأن يلفظ الجيف المتطفلة الآفلة خارج مجراه، فلا يبقى إلا دفق الحياة والأحياء، وزخم تجديفهم المكابر الجبار صوب غد الكينونة الكاملة الكريمة.. وأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

أترك تعليقاً

التعليقات