الإمارات: دولة محورية أم كرتونية؟!
 

شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
الإمارات مدعوّة اليوم إلى إعادة النظر في استراتيجيتها بالكامل، ليس فقط مساهمتها المباشرة في الحرب على اليمن، ولكن أيضاً مدعوة لإعادة النظر في كل ما تُكلَّف بِه عبر دورها الإقليمي (المنفوخ)، والذي اعتقدت يوماً -مخدوعة- بأنها جاهزة أو قادرة على أن تلعبه. وعليها أن تعلم أن من يدفعها لأن تكون بمواجهة أطراف فاعلة في المنطقة، خدمة لمشاريع أمريكية و«إسرائيلية»، هو عاجز عن حماية نفسه بمواجهة هذه الأطراف.
كان منتظراً أن يعمد الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات «أنصار الله» إلى تنفيذ عملية نوعية في عمق الإمارات، فمسار تطور مناورة هذه الوحدات أصبح واضحاً وثابتاً ومعروفاً، ومقابل كل إنذار أو تهديد بالرد ضد العدوان أو ضد الحصار والتدمير والجرائم داخل اليمن، كانوا ينفذون مناورة ردع استراتيجية مشابهة لما نفذوه بالأمس في الإمارات. ومسلسل عمليات توازن الردع المتعدد الحلقات داخل السعودية خير دليل على ذلك. ولكن الغريب في الموضوع أن قادة الإمارات ومسؤوليها، والذين يعتبرون أنفسهم حكماء ولديهم مستوى معروف من العلاقات الدولية، كانوا بعيدين عن توقع حصول هذه العملية.
في الواقع، هناك عدة اتجاهات أو أسباب لعدم توقّع قادة الإمارات العملية الأخيرة التي نفذها اليمنيون في أبوظبي ودبي بالأمس، والتي حصلت بسرب من الطائرات المسيرة البعيدة المدى وبخمسة صواريخ موزعة بين الباليستية والمجنحة. وهذه الأسباب تتوزع بين الجهل وعدم القدرة على تحليل مسار الأمور في المنطقة، وخاصة المرتبطة بعدوانهم مع السعودية على اليمن، وبالتالي برهنوا على رؤية محدودة تتجاوز قدرتهم على ربط الأمور بعضها ببعض، وبين تعرضهم لعملية استغلال أو ضغط من قبل السعودية، فانجرّوا إلى معاودة انخراطهم في العدوان على اليمن بعد أن كانوا قد رفعوا أيديهم (على الأقل ظاهرياً) عن ذلك العدوان، أو بسبب تبلغهم، من جهات خارجية أمريكية و»إسرائيلية» بالتحديد، بأنهم تحت الحماية وسوف يدافعون عنهم، أو أنهم تعرضوا لخديعة مشتركة من قبل كل هؤلاء، ولأسباب كثيرة.
بمطلق الأحوال، ومهما كان سبب عدم توقعهم العملية اليمنية داخل العمق الإماراتي، وبالتالي العمل على تلافيها، وكان هذا ممكنا، فإن الأخيرة، وبمعزل عن كونها لا تختلف في الشكل أو في المضمون وأسلوب التنفيذ واختيار الأهداف، عن عشرات العمليات التي نفذتها حتى الآن وحدات الجيش واللجان اليمينة، تحمل أبعاداً مختلفة، وربما تشكل تحولاً مفصلياً في الحرب على اليمن، انطلاقاً مما فرضته من أبعاد عسكرية واستراتيجية، يمكن تلخيصها بالتالي:
ـ لناحية الأبعاد العسكرية: برهنت القوة الجوية والصاروخية للوحدات اليمينة أنها تتمتع بجهوزية كاملة وبمستوى كبير من القدرة والفاعلية، بحيث استطاعت إرسال حزمة واسعة من الصواريخ الباليستية والمجنحة، متواكبة مع سرب واسع (غير معروف العدد بالتحديد) من الطائرات المسيرة الانتحارية، على مسافة تتجاوز بأقل تعديل 1200 كم، وذلك يتحدد بالنسبة لنقطة إطلاق هذه الحزمة من القدرات النوعية، مع رجحان أن تكون من أقرب مسافة شرقاً من داخل اليمن، أي من محيط مأرب أو الجوف أو معسكر الخنجر شمال مأرب.
أيضاً، برهنت إدارة عملية الإطلاق أن طائراتها المسيرة وصواريخها الباليستية أو المجنحة، تملك القدرة على تجاوز أكثر منظومات الدفاع الجوي تطوراً، حيث كان مسار طيران هذه القدرات بشكل كامل تقريباً فوق أراضي السعودية والإمارات، والتي من المفترض أنها مجهزة بنظام متماسك وفعال من أسلحة وصواريخ الدفاع الجوي، مع وجود عدد كبير من القواعد العسكرية الإماراتية والتي قد تكون حاضنة لبعض حظائر الدفاع الجوي «الإسرائيلية»، بالإضافة لعدد غير محدد من القواعد الأمريكية والبريطانية، الأمر الذي يفتح باب التكهنات واسعاً عن جدوى وفاعلية هذه المنظومات الصاروخية الدفاعية في حماية الإمارات أو غيرها.
من جهة أخرى، نجحت «أنصار الله» في اختيار أهداف حساسة، تحمل قيمة استراتيجية واقتصادية من دون أن تتسبب بمقتل مدنيين، باستثناء عدد بسيط جداً، حيث الكثافة السكانية في الإمارات مرتفعة جداً وتتوزع المساكن والمنشآت التجارية ومؤسسات الأعمال بين الأهداف الاستراتيجية الحساسة، الأمر الذي يعطي فكرة عن مستوى غير بسيط لدى القوة الجوية والصاروخية اليمينة في تحديد وتكوين بنك أهداف عسكري استراتيجي بامتياز.
النقطة الأهم من الناحية العسكرية، والتي يمكن استنتاجها انطلاقاً من نجاح العملية، أن العمق الإماراتي هشّ وغير محصن بمواجهة هكذا نوع من العمليات النوعية، فهو جغرافياً متواضع مقارنة مع جغرافيا وعمق السعودية، والتي عانت الأمرّين أمام هكذا نوع من العمليات، وفشلت في مواجهة أغلبها، فكيف إذا كنا نتحدث عن الإمارات بعمقها الضعيف جغرافياً، وبعجزها عن تنفيذ مناورة نشر وتجهيز منظومة متماسكة وقوية من بطاريات الدفاع الجوي، حيث تداخُل هذه المنظومات العسكرية مع المناطق التجارية والسكنية والسياحية مفروضٌ وشبه إجباري ولا يمكن معالجته.
ـ بين مأرب وعملية تأديب الإمارات: لناحية الرابط بين العملية وبين المواجهات الميدانية داخل اليمن، وخاصة الأخيرة منها في شبوة وجنوب مأرب، فهذه العملية، بفاعليتها وبتوقيتها وبشكلها، تعتبر بمثابة إنذار وتهديد جدي للإمارات، لكي تعيد النظر في دورها الميداني واللوجستي والعسكري في معركة شبوة عبر دعمها الواسع لما يسمى «قوات العمالقة»، والذين عملت على نقلهم بطائراتها وبآلياتها من الساحل الغربي إلى أبين وشبوة. وفي حال استيعابها لجدية التهديد، سوف يدفعها الإنذار للابتعاد عن الانخراط المباشر في المعركة، وبالتالي سوف تتأثر سلباً قدرات المرتزقة في معركتي شبوة ومأرب.
انطلاقاً من هذه المعطيات العسكرية، أثبت اليمنيون -عبر هذه العملية- أنهم قادرون على نقل المعركة بكامل تداعياتها، إلى عمق الإمارات وبفاعلية وبقدرة تصعب مواجهتها، وهذا الأمر فرضه النجاح في استهداف تلك المواقع الحساسة، دون أن تظهر في الجهة المقابلة أي قدرة على منع استهدافها، انطلاقاً من جميع التجارب السابقة في المواجهات مع الجيش واللجان و«أنصار الله»، والتي برهنوا فيها على جديتهم وصدقهم في تهديداتهم، وأنهم متى قالوا فعلوا.
الإمارات مدعوّة اليوم إلى إعادة النظر في استراتيجيتها بالكامل، ليس فقط في مساهمتها المباشرة في الحرب على اليمن، وهذا مهم طبعاً وأساسي، ولكن أيضاً هي مدعوة لإعادة النظر في موقعها وفي كل ما تُكلَّف بِه عبر دورها الإقليمي (المنفوخ)، والذي اعتقدت يوماً -مخدوعة- أنها جاهزة أو قادرة على أن تلعبه، وأن عليها أن تكون واقعية وتعلم أن من يدفعها لأن تكون بمواجهة أطراف فاعلة ولها تاريخها وموقعها في المنطقة، خدمة لمشاريع أمريكية و»إسرائيلية»، هو عاجز عن حماية نفسه عملياً بمواجهة هذه الأطراف القادرة والصامدة، وأنه سوف يرميها ويتخلى عنها في وقت لا تنتظره، تماماً كما لم تنتظر عملية الأمس النوعية في عمقها الحيوي.

أترك تعليقاً

التعليقات