شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -

قد يكون لافتا الموقف السعودي مؤخرا تجاه باكستان، والقاضي بطلب المملكة من إسلام أباد تسديد ما عليها من قروض بشكل فوري، دون تأخير ودون منحها فترة سماح كما كان يجري عادة. وحيث يبلغ إجمالي المستحقات للسعودية 2 مليار دولار من أصل 3 مليارات، فإن الأخيرة تعرف جيدا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه باكستان، الأمر الذي دفع الأخيرة للتوجه نحو الصين لمساعدتها على التسديد.
ما هو لافت في الموقف السعودي المتشدد تجاه إسلام أباد، أن الرياض طالما اعتبرت باكستان نقطة ارتكازها الاستراتيجية في شرق آسيا، لما للموقع الجغرافي أو للموقف الديمغرافي لباكستان من قدرة تأثير على الدول المحيطة بها، وبالأخص على إيران، وحيث لم تكن تسأل الرياض سابقا في الموضوع المالي مع باكستان، والتي طالما استفادت من قروض ميسرة ومن هبات ضخمة سعودية، فما هي الأسباب التي ساهمت بتغيير الموقف السعودي اليوم؟ وهل يمكن القول بأن العلاقة بين الدولتين نحو التازم؟
لا يخفى على أحد، وخاصة على الحكومة الباكستانية، أن الرياض تعاني حاليا وضعا ماليا مأزوما، والأسباب كثيرة وأهمها الحرب التي تخوضها منذ حوالي ست سنوات على اليمن، وما لتلك الحرب من تكلفة مالية ضخمة، مباشرة كتكلفة للمجهود العسكري الضخم، أو غير مباشرة من تأثر الاقتصاد السعودي بتلك الحرب، وخاصة من جراء الاستهدافات اليمنية الاستراتيجية لمنشآت اقتصادية ونفطية حيوية داخل المملكة.
ولكن يبقى هذا السبب (الوضع المالي) على واقعيته وصحته، غير كاف لاتخاذ الرياض موقفا متشددا وحساسا، سيكلفها حتما خسارة علاقة استراتيجية مع باكستان، كانت تعتمد عليها في سياستها الخارجية، وبالتحديد في شرق ووسط آسيا، خاصة أن المبلغ المستحق لها يعتبر غير ذي قيمة كبيرة، ويمكن للرياض الاستغناء عنه وعلى الأقل تأخير الحصول عليه بعض الوقت.
من جهة أخرى، يأخذ الخلاف بين الهند وباكستان حول ملف كشمير حيزا واسعا من الصراع في شرق آسيا، وطالما اعتبرت باكستان أنه على الدول الإسلامية الإقليمية، وخاصة القادرة منها، ماليا أو سياسيا، مثل السعودية وبعض الدول الخليجية الأخرى التي تدور في فلك الرياض، أن تقف إلى جانبها في ملف تاريخي فيه بعد إسلامي أكثر من بعد باكستاني، وحيث لم تجد مؤخرا باكستان أية فاعلية جدية في الموقف السعودي معها ضد الهند، اختارت إسلام أباد الابتعاد قليلا عن التوجهات السياسية السعودية، الأمر الذي قد يكون سببا في تشدد الأخيرة، خاصة أن الرياض مشهورة دائما بمحاولة شراء التوجهات السياسية للدول الأخرى المحتاجة بمالها الوفير.
هذه التوجهات السياسية السعودية، والتي تحاول رهن الدول الأخرى بها، يمكن التماسها من العلاقة مع مصر مثلا، والتي استطاعت إلى حد ما جرّ القاهرة بالحد الأدنى الذي اقتنع به المصريون، إلى دعم عدوانها على اليمن، ولو بقي هذا الدعم بعيدا عن التدخل العسكري في اليمن مثلما فعلت السودان وما زالت، وربما ستزيد الخرطوم في المستقبل القريب من هذا التورط العسكري في اليمن أكثر بعد العلاقة الجديدة مع "إسرائيل" وواشنطن.
أيضا وتحت عنوان التوجهات السياسية السعودية، تأتي العلاقة بين باكستان وبين إيران، والتي طالما أرادتها الرياض مقطوعة أو بالحد الأدنى مأزومة ومتوترة، حيث تعتبر أن إسلام أباد تملك الكثير من عناصر التأثير على إيران، حيث الحدود الواسعة المشتركة (زاهدان وبلوشستان) وإمكانية التأثير الباكستاني الأمني أو الديني واردة، وحيث السواحل المتجاورة والمرافئ القادرة على المنافسة الاقتصادية، بين كراتشي وغوادر في باكستان وجابهار وبندر عباس في إيران.
من ضمن التوجهات السياسية السعودية أيضا، كان للعلاقة الباكستانية التركية المقبولة تحفظ سعودي غير بسيط، حيث تعتبر الرياض دائما أنها مستهدفة من أي دخول أو تقارب تركي مع أية دولة إسلامية أخرى، مهما كانت عناوين هذا التقارب، سياسية أو اقتصادية، بحيث تعتبر السعودية نفسها "قائدة للعالم الإسلامي"، وهذا لا يمكن أن يهضم علاقة جيدة بين باكستان وتركيا، فالأخيرة (دولة "العدالة والتنمية") تنافس الرياض في سعيها لـ"قيادة العالم الإسلامي".
وهكذا، يبدو أن باكستان قد تنبهت أن مصلحتها القومية والسياسية، والاقتصادية بشكل خاص، تكمن في علاقة جيدة مع إيران وتركيا وأغلب الدول الجارة لها، الإسلامية وغير الإسلامية، وأي موقف عكس ذلك سوف تخسر من ورائه الكثير مما لا يمكن تعويضه بالقروض السعودية الهزيلة، خاصة أن موقع باكستان الجغرافي، بالإضافة لعلاقة جيدة مع طهران، سيؤهلها للعب دور محوري في خطين اقتصاديين استراتيجيين لهما مستقبل واعد، وهما: الأول: خط شرق غرب أو الطريق والحزام أو طريق الحرير الصيني، والثاني: خط جنوب شمال، أو خط بومباي - سان بطرسبيرغ في شمال روسيا.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات