شارل أبي نادر

شارل أبي نادر  / لا ميديا - 

لا يبحث أحد من المتابعين الجديين أو الصادقين، في مشروعية قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بتصنيف أنصار الله منظمة إرهابية، فالأمر خارج دائرة النقاش، وهو لا يحمل أي بعد أو مصداقية، لا قانونية ولا شرعية ولا إنسانية ولا حتى منطقية.
في الواقع، يمكن إدراج القرار من ضمن مسار فاشل وخاطئ اتبعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة حكمه، وهو من القرارات المثيرة للجدل أو المرفوضة والمستهجنة دوليا قبل أن تكون مرفوضة يمنيا، لناحية فرض العقوبات يمينا ويسارا بطريقة غير شرعية، أو لناحية عمليات الاغتيال الإجرامية، والأهم على الصعيد الدولي لناحية الانسحاب من عشرات الاتفاقات والمعاهدات الدولية دون أي مسوغ شرعي أو قانوني.
عمليا، بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة (إدارة الرئيس بايدن) العودة إلى بعض المعاهدات والاتفاقيات التي انسحب منها الرئيس ترامب، كما وأشارت إلى إمكانية إعادة النظر ببعضها الآخر، ومن ضمنها الاتفاق النووي مع إيران وقرار وضع أنصار الله على لائحة الإرهاب، وذلك مباشرة قبل وصول ترامب إلى منتجعه السياحي في فلوريدا، ولكن كيف يمكن فهم أبعاد التغريدة الأخيرة لعضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن محمد علي الحوثي بقوله تحديدا: «إن المجلس يدرس إخطار الحكومة بدراسة الاستفادة من المَمرّات البحرية كأرض تابعة للجمهورية اليمنية ويجب الاستفادة منها»؟ وهل يمكن اعتبار أن مضمون التغريدة يحمل مناورة للرد على التصنيف المذكور؟ وما هي أبعاد هذه التغريدة في معركة الدفاع ضد تحالف العدوان على اليمن؟
أولاً: البعد الوطني: لا شك أن إشارة الحوثي في تغريدته إلى الطلب من الحكومة دراسة الاستفادة من الممرات البحرية كمرافق حيوية يمنية، يحمل البعد الوطني، والمرتبط بمفهوم السيادة والحق والواجب الوطني، حسب القوانين والأعراف والأنظمة والاتفاقات الدولية.
ثانياً: البعد القانوني: حق الاستفادة من كل المرافق الوطنية التي تتبع أي دولة هو حق سيادي، تتمتع به كل الدول دون استثناء، وهو حق محمي ومصان تاريخيا، استنادا لشرعة حقوق الإنسان وللمفاهيم والمبادئ الدولية، وخاصة استنادا لشرعة الأمم المتحدة وحقوق الدول في استثمار ثرواتها ومرافقها كافة.
ثالثاً: البعد الإنساني: وكأن الحوثي في تغريدته يشير أيضا إلى الناحية الإنسانية، إذا بقي لدى الدول المعتدية على اليمن أو المتواطئة أو الصامتة عن هذا العدوان الذي تجاوز الستة أعوام ذرة من إنسانية، حيث الشعب اليمني محاصر وممنوع عليه أبسط الحاجات الصحية والإنسانية، وأمام ناظره، في بحره وموانئه وممراته المائية، تزدهر حركة النقل والمواصلات البحرية وتجارة الدول المحيطة والمعتدية عليه، والعالم بأسره يستفيد من هذه التجارة، والشعب اليمني يصرخ جائعا مريضا محاصرا.
في الواقع، هذه الأبعاد المذكورة أعلاه: الوطني والقانوني والإنساني، هي ثابتة ومشروعة ولا غبار عليها، ولكن المعركة ضد اليمن والعدوان على شعبه تخطت أساسا هذه الأبعاد، وتجاوزت الدول المعتدية مضامين هذه العناوين القانونية أو الإنسانية، وحربها على اليمن مليئة بالاعتداءات والجرائم التي تجاوزت هذه العناوين بأشواط. ومن غير المنطقي أو الواقعي تذكير دول العدوان وداعميه والعالم بأكمله أيضا عن لا مشروعية الحرب على اليمن، بل المنطقي والواقعي والقانوني هو أن يكون البعد الحقيقي والصحيح لهذه التغريدة هو بعداً عسكرياً استراتيجياً وردعياً، وذلك على الشكل التالي:
أولا: رسالة إلى المجتمع الدولي بأن ما كان الشعب اليمني ينتظره من هذا المجتمع ليس التفرج على وضع أنصار الله أو المكون اليمني الأساسي -الذي دافع عن كل اليمن وعن وحدته وعن ثرواته بأقصى ما يملك من إمكانيات، وضحى بخيرة شبابه في سبيل كل ذلك- على لائحة الإرهاب، بل ما كان ينتظره الشعب اليمني من المجتمع الدولي أن يأخذ موقفا حاسما وفاصلا، أو على الأقل مساعدا، للضغط نحو وقف الحرب والحصار والقتل والتدمير في اليمن. وحيث يعتبر هذا المجتمع الدولي، والممثل بمؤسساته المعروفة (الأمم المتحدة ومجلس الأمن)، مسؤولا عن إحقاق الحق وسيادة القانون الدولي، فإنه يتحمل مسؤولية إمكانية لجوء أنصار الله والجيش واللجان الشعبية اليمنية إلى إقفال المعابر المائية اليمنية، والتي وضعت -ونتيجة الأمر الواقع المعروف- في خدمة التجارة الإقليمية والدولية رغما عن سلطة وسيادة ومصلحة أبناء اليمن المحاصرين. 
ثانيا: رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته كتهديد جدي بإمكانية إقفال الممرات الدولية اليمنية، (باب المندب ومداخل البحر الأحمر الجنوبية)، للتسريع، ليس فقط بإعادة النظر في قرار ترامب الجائر بوضع أنصار الله على لائحة الإرهاب، بل باتخاذ ما يمكن لإدارته ولحكومته اتخاذه من إمكانية مؤثرة لوقف العدوان على اليمن، ولإجبار الأطراف المعتدية على الامتثال للقوانين الدولية والضغط للسير بتسوية عادلة للمشكلة اليمنية، دون الأخذ بعين الاعتبار أطماع الدول المحيطة باليمن.
ثالثاً، وهي الأهم: رسالة إلى دول العدوان مباشرة، والتي تُعتبر هي المستفيد الأكبر من الممرات المائية اليمنية، وخاصة السعودية، بأن هذه الممرات، التي تُستغل وتُستثمر عنوة أمام أعين الشعب اليمني المحاصر، سوف يتم إقفالها بالطريقة المناسبة ـ العسكرية وغير العسكرية، وأن الحق والعدالة يفترضان أن المستفيد الأول من هذه المرافق يجب أن يكون الشعب اليمني، صاحب الحق الشرعي الأول بذلك، قبل أي دولة أو شعب آخر، وأن على العدوان أن يأخذ هذا الإخطار للحكومة اليمنية، بالاستفادة من هذه الممرات، كتهديد ردعي جدي، لا يختلف كثيرا في أبعاده العسكرية والاستراتيجية عن استهداف المرافق والمنشآت الحيوية داخل دول العدوان، وخاصة داخل السعودية، كإجراء أساسي من ضمن معادلة الردع، والذي ثبت أنه الوسيلة الأنجع للدفاع عن اليمن بمواجهة عدوان «دولي» ناهز الـ6 أعوام حتى الآن.

عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات