شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لم يكن جديداً ما تطرق إليه المتحدث العسكري اليمني، العميد يحيى سريع، في مؤتمره الصحافي الأخير، والذي شرح فيه المعطيات الكاملة عن عملية "ربيع النصر"، لناحية ما حققته العملية أو لناحية ما يمكن أن تكون تأثيراتها على المشهدين الميداني والسياسي في الحرب على اليمن، فهو كان دائماً يواكب عمليات التحرير التي تخوضها وحدات الجيش اليمني واللجان وأنصار الله، بمؤتمراته الصحافية الدقيقة والتفصيلية. ولكن الجديد في الموضوع أن ما شرحه وأضاء عليه لناحية الإنجازات التي تحققت في "ربيع النصر"، يشكّل نقطة مفصلية في ما وصلت إليه الأمور الميدانية اليوم، من حساسية وأهمية في الجغرافيا أو في التكتيك أو في المناورة القتالية، وذلك في معركة التحرير الكبرى التي تخوضها القوى الوطنية التابعة لحكومة صنعاء بمواجهة تحالف العدوان السعودي.
بالعودة إلى مضمون المؤتمر الصحافي المذكور للمتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، فقد لفت إلى النتائج التي حققتها عملية "ربيع النصر" العسكرية في محافظتي شبوة ومأرب، والتي انتهت بتحرير مساحة تُقدّر بأكثر من 3200 كم مربع. كما كشف عن دور سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية والدفاعات الجوية في تنفيذ العملية. وأوضح أيضاً أنّ "قواتنا المسلحة واصلت تحقيق الإنجازات الميدانية، وهي بصدد تحرير البلاد بدحر قوى العدوان والعملاء والمرتزقة..."، مضيفاً أنّ هذه العمليات أدّت إلى تحرير مناطق واسعة من عدة محافظات ناهيك عن تكبيد العدو خسائر كبيرة.
من هنا، وانطلاقاً من المعطيات الميدانية والعسكرية التي تضمنها المؤتمر الصحافي، من المفيد الإضاءة على أهميتها وعلى ما يمكن أن تشكله للمعركة الكبرى بشكل عام، وذلك على الشكل التالي:
في الجغرافيا، لقد تم تحرير مساحة تقدر بحوالي 3200 كم مربع، أغلبها في مناطق ومديريات جنوبية وجنوبية غربية أو جنوبية شرقية لمدينة مأرب. نتكلم هنا عن مديريات الجوبة والعبدية وعسيلان وحريب والعين وبيحان، الأمر الذي يشكّل حزاماً ميدانياً حيوياً جداً على أبواب مأرب، في الدفاع عنها لو بقي تحت سيطرة العدوان، أو في الضغط عليها والمساهمة في الدخول إليها، بعد تحرير حزام المديريات المذكور.
البعد الميداني لهذه المديريات المحررة، يكمن أيضاً في أنها كانت تشكل الرابط الجغرافي بين مأرب والجنوب، وبعد تحريرها، يمكن القول أنه قد تم قطع التواصل الأساسي والأهم والأسرع لمأرب مع الجنوب والجنوب الشرقي، بما يحمله ذلك من تأثيرات سلبية على خطوط وطرق إمداد ودعم وحدات العدوان في معركتها الحالية للدفاع عن المدينة.
أهمية ما حققته عملية "ربيع النصر"، لا يكمن فقط في الجغرافيا التي خسرها العدوان، والتي تآكلت بشكل كبير، بل تكمن أيضاً هذه الأهمية بما خسره العدوان من جهود قتالية، في العتاد والأسلحة التي دُمّرت أو التي غنمتها وحدات الجيش واللجان الشعبية، أو من جهود المقاتلين، نتيجة التآكل في العديد الذي يتناقص تباعا، عبر الأسر أو عبر المصابين أو عبر القتلى، الذين سقطوا في هذه العملية أو في ما سبقها أيضاً من عمليات، والمرتبطة بعملية "ربيع النصر" بشكل كبير نتكلم عن عمليتي "فجر الانتصار" و"البأس الشديد".
البعد الآخر أيضاً، والذي خسره العدوان بعد عملية "ربيع النصر"، يمكن وضعه في إطار المعنويات الأساسية في معركة صعبة كالتي شهدناها، خاصة أن الخناق يضيق على مأرب، وأن إمكانيات أو احتمالات النجاح في منع سقوطها أصبحت مستحيلة، ولم يعد لدى العدوان بعد انخفاض عديد وحداته القتالية، أية إمكانية للمناورة عبر الاحتياط أو عبر المجموعات التي يمكن نقلها لأي جبهة قد يفتحها الجيش اليمني واللجان فجأة، وذلك بعد أن أصبحت وحدات هؤلاء مؤخراً (الجيش اليمني واللجان وأنصار الله) بارعة في تغيير تكتيك ومكان الاستهداف أو العملية، مستغلة عنصر المفاجأة في سرعة التقدم أو في اختيار محور أو هدف غير منتظر (لصعوبته) ومهاجمته.
أهمية العملية أيضاً، أن المديريات التي تحررت هي من الأصعب في التحصين والتجهيز، لأنها المعتصمات الدفاعية الاستباقية لحماية مأرب، خاصة أن المدينة لا يمكن أن تكون مناسبة للدفاع كما تلك المديريات، لأسباب انتشار المدنيين فيها بكثافة، ولكونها منطقة مكشوفة، على عكس مواقع المرتزقة والعدوان في جبال ووديان تلك المديريات التي تحررت.
ومن الملاحظ أيضاً في عملية "ربيع النصر" أو في ما سبقها من عمليات، القدرة اللافتة التي أصبحت تميز مناورة الجيش واللجان في الاستعمال المركَّز والفعال لأسلحة دعم القتال النوعية، من مسيرات وصواريخ باليستية وصورايخ دفاع جوي، ليس فقط داخل الميدان اليمني، بل عبر استعمالها خارج اليمن وبالتحديد في الجنوب والجنوب الغربي السعودي، حيث مطارات العدوان تطلق القاذفات، والمسيرات التي تدعم وحداته في معركة دفاعه المستميتة عن مأرب.
من نتائج "ربيع النصر" أيضاً، والتي سوف يكون لها تأثيرات كبيرة على معركة العدوان، ما حصل من انهيار شبه كامل ونهائي للمجموعات المتشددة (داعش والقاعدة)، بعد أن ضُربت في معاقلها الأخيرة في تلك المديريات، والتي كانت قد انتقلت إليها هربا من معارك محافظة البيضاء الأخيرة، في مديريتي الصومعة والزاهر وغيرهما.
وليبقى أخيراً، البعد الوطني للعملية هو البعد الأكثر أهمية، والذي يتمثل في مشاركة عدد كبير من أبناء قبائل تلك المديريات للجيش واللجان في عملية التحرير، أو على الأقل فإن الذي لم يشارك من تلك القبائل في عملية "ربيع النصر"، فقد اعتكف عن مساعدة العدوان والمرتزقة، وهذه النقطة كانت من الأسباب الرئيسة لتأمين الانتصار في العملية، وليتوَّج هذا البعد الوطني بما قاله العميد سريع في نهاية مؤتمره الصحافي في رسالته الوجدانية لأبناء الشعب اليمني في المناطق المحتلة وعلى رأسها مدينة مأرب، قائلاً: "وكما أوفت قواتنا المسلحة بعهدها وهي تؤدي مسؤولياتها وتنفذ واجباتها تجاه المواطنين في المناطق التي تحررت بفضل الله، فستكون على العهد ذاته وهي بصدد تأدية واجباتها تجاه المواطنين في المناطق التي سيجري تحريرها بعون الله". وختم: "سنواصل مشوارنا في التصدي للعدوان على بلدنا وفي نصرة أمتنا في قضاياها الكبرى، وسيكون شعبنا حراً كريماً عزيزاً بإذن الله تعالى".

* محلل عسكري واستراتيجي لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات