شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
إن نجاح المقاومة الفلسطينية، المحاصرة والمحدودة الإمكانيات، والمقيدة من الناحية الجغرافية أو من ناحية تداخل قطاع عملها بشكل كامل مع المناطق والأحياء السكنية، هو نموذج مصغر لما ينتظر كيان الاحتلال في مواجهة أبعد وأوسع، في الجغرافيا وفي القدرات وفي الإمكانيات، والأسلحة النوعية التي تمتلكها وتبرع في استعمالها أطراف أخرى من محور المقاومة.
جولة استثنائية أخرى من الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني انتهت (مبدئيا) بعد سريان وقف إطلاق النار، وبعد سلوك التهدئة حيز التنفيذ، مشروطاً بالتزام الكيان الغاصب بوقف الاغتيالات ووقف استهداف المنازل.
حصيلة هذه المواجهة كانت لناحية الفلسطينيين تدمير عدد كبير من المنازل السكنية في غزة، وارتقاء عدد غير بسيط من الشهداء المدنيين ومن المقاومين، على رأسهم ستة قادة من الجهاد الإسلامي، من خيرة القادة العسكريين الميدانيين أصحاب الخبرات الواسعة في إدارة وتخطيط وتنفيذ عمليات المقاومة بمختلف أشكالها ومستوياتها.
لناحية العدو، سقط له عدة قتلى وعشرات الإصابات بين "المستوطنين" وبين الجنود (الرقابة العسكرية تمنع نشر أي خبر له علاقة بعدد القتلى أو الجرحى من الجنود)، مع تدمير غير بسيط في أغلب "المستوطنات"، وصل مستواه (التدمير) إلى درجة غير مسبوقة وغير متوقعة. 
أيضا، لم يستطع العدو تحقيق أي هدف أساسي من اعتدائه الواسع الممهور بعمليات الاغتيال الغادرة، حيث فشل في ضرب بنية المقاومة، وفشل في زعزعة تماسكها، وفي تفتيت وحدة عملها وترابط مكوناتها وساحاتها، وفشل في تكبيل قراراتها وفي تشتيت قياداتها، وفي إضعاف إدارتها لعملياتها، وتحديدا الصاروخية، كما وفشل أيضا في خلق شرخ بين المقاومة وبين أبناء الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، التي كانت مستهدفة مباشرة.
لناحية المقاومة، يمكن القول إنها حققت عدة إنجازات استثنائية، ظهرت وسوف تظهر نتائجها تباعا، وذلك على الشكل التالي:
- على صعيد المعركة، استطاعت تحقيق إنجاز عسكري تقني من خلال نجاحها في استهداف "مستوطنات" ومناطق داخل الكيان، بصواريخ تقليدية أو جديدة، تجاوزت القبة الحديدية ومنظومات الدفاع الجوي للعدو بنسبة لامست الخمسين في المئة، ضاربة بذلك نواة الدفاع الجوي لدى العدو، والذي يعتمد عليه كسلاح أساسي ووحيد لمواجهة صواريخ ومقذوفات المقاومة.
- على صعيد إدارة المعركة وتنسيق عملياتها، حققت المقاومة أيضا إنجازا لافتا، من خلال العمل بظروف صعبة وحساسة، والثبات على مستوى مقبول في إدارة وتنسيق العمليات، تحت ضغط الاستهدافات الجوية للعدو، بالقاذفات أو بالمسيرات، والتي أدارتها منظومة حديثة من الاستعلام الواسع، المبني على تقنيات متطورة وعلى إدخال قدرات مستحدثة لوسائل الذكاء الاصطناعي، كسلاح تقني فاعل لتحديد الأهداف.
وليبقى الإنجاز الأكبر للمقاومة الفلسطينية، وتحديدا لحركة الجهاد الإسلامي، هو في انتزاع التزام العدو بوقف الاغتيالات وبوقف استهداف وتدمير المنازل، ليكون (العدو "الإسرائيلي") بذلك، قد خسر السلاح الأقوى والأكثر استعمالا لديه ضد المقاومة، وليكون بذلك قد اعترف، ورغما عنه، وبطريقة ضمنية، أنه فشل في كل أهدافه البعيدة التي أراد تحقيقها عبر الاغتيالات الغادرة، وليفتح بعد هذه المواجهة الخاسرة له، الباب واسعا على سؤالين أساسيين:
- هل لدى حكومة نتنياهو القدرة على الاستمرار في الحكم بعد خسارتها ورقة العنف المتشدد عبر الاغتيالات والتصفيات؟ 
- كيف يمكن لـ"إسرائيل" أن تواجه معركة أوسع بكثير من المعركة مع حركة الجهاد الإسلامي، بساحاتها، أو بالأسلحة النوعية التي تمتلكها وتبرع في استعمالها أطراف أخرى من محور المقاومة؟
وأخيرا، تبقى العبرة الأساسية في نجاح رد المقاومة الفلسطينية على عملية الاغتيال الغادرة في غزة أبعد من الساحة الفلسطينية، لتصل إلى المسرح الإقليمي الواسع، والذي يحضن هذا الصراع بين الكيان وبين محور المقاومة.
فأن تنجح المقاومة الفلسطينية المحاصرة والمحدودة الإمكانيات، والمقيدة من الناحية الجغرافية أو من ناحية تداخل قطاع عملها بشكل كامل مع المناطق والأحياء السكنية، هذا يعني أن هذا النجاح هو نموذج مصغر لما ينتظر الكيان في مواجهة أبعد وأوسع، في الجغرافيا وفي القدرات وفي الإمكانيات.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات