شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
مع بدئها عدواناً عسكرياً مباشراً ضدّ اليمن، أولاً باستهداف عدد من رجال البحرية اليمنيين، ومؤخراً بتنفيذ عدوان واسع بالغارات على عدة مدن ومناطق يمنية، تكون واشنطن اختارت الانخراط في مواجهة حساسة وغير محسوبة، ربما تعرف كيف بدأتها، ولكنها حتماً لن تعرف كيف يمكن أن تنتهي منها.
لم تتأخر واشنطن كثيراً بعد استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يرعى عدوانها على اليمن، فاستهدفت بصواريخ "كروز" و"توماهوك" وغيرها، وبطائرات حربية قاذفة ومسيّرة قاذفة، وبمشاركة عسكرية بريطانية مباشرة، عدداً من المواقع اليمنية موزعة بين صعدة وحجة وصنعاء والحديدة، ادّعت أنها قواعد لإطلاق وتخزين الصواريخ والمسيرات اليمنية التي تتدخل في مياه البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عُمان وشمال المحيط الهندي، ضدّ الملاحة البحرية الدولية (كما ادعت واشنطن).
وبتجاوزها للهدف الرئيسي لحراك القوات المسلحة اليمنية، والذي هو لوقف العدوان الظالم الذي يمارسه الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وبرعاية غربية، تكون واشنطن اختارت الانخراط في مواجهة حساسة وغير محسوبة، ربما تعرف كيف بدأتها، ولكنها حتماً لن تعرف كيف يمكن أن تنتهي منها.
فما هي أبعاد هذا الانخراط المعادي لليمن؟ وكيف يمكن أن يُقرأ في حسابات ومسارات الحرب التي تشن اليوم على الشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة الغربية؟
في متابعة لمسار تطوّر الاشتباك بين واشنطن وصنعاء والمستوى الذي وصل إليه اليوم، يمكن القول إن المناورة اليمنية أخذت المنحى التحذيري التصاعدي التالي:
بدأ تدخل صنعاء أولاً إعلامياً.. سياسياً.. تحذيرياً للكيان الصهيوني، وطبعاً إلى من وراءه، بوجوب وقف العدوان الظالم على غزّة، وبوجوب وقف كلّ أنواع المجازر والجرائم الصهيونية على القطاع، تحت طائلة تحرك اليمن نصرة لفلسطين، عسكرياً عبر استهدافات نوعية للكيان المحتلّ بمسيّرات وبصواريخ بعيدة المدى، وفي باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب، من خلال عرقلة حركة التجارة البحرية للسفن الصهيونية بداية، كوسيلة ضغط أخرى لوقف العدوان على غزّة.
مع إصرار الكيان الصهيوني وواشنطن على متابعة العدوان، عمد أبناء اليمن إلى تنفيذ وعودهم وتدخلوا تماماً وفق ما أصدروه من تهديدات، عسكرياً وفي البحار.
في المقابل، واصل الكيان الصهيوني عدوانه مع تعميق جرائمه أكثر وأكثر، الأمر الذي دفع بصنعاء إلى تطوير تدخلها البحري ضدّ كلّ السفن المرتبطة بالكيان والسفن الأخرى التي تتعامل معه.
ثبات اليمنيين على هذه المناورة البحرية، أخرج الأمريكيين عن طورهم وبدأوا عدواناً عسكرياً مباشراً ضدّ اليمنيين، أولاً باستهداف عدد من رجال البحرية اليمنيين، ومؤخراً بتنفيذ عدوان واسع بالغارات على عدة مدن ومناطق يمنية.
بالنسبة لواشنطن، فقد تبلور موقفها أيضاً تصاعدياً للوصول إلى قرارها هذا بتنفيذ العدوان المباشر على اليمن بعد أن لمست الإصرار اليمني، خاصة أن لديها تجارب مريرة مع عناد أبناء اليمن بمواجهة الظلم والتجني والاستبداد، والأهم، أن واشنطن اكتشفت أن مناورة اليمنيين ستكون قاتلة لاقتصاد الكيان الصهيوني، وربما تكون فاصلة لإجبار الأخير على وقف عدوانه، الأمر الذي اعتبرته واشنطن غير مقبول ويمس بموقعها معنوياً وسياسياً وعسكرياً، وأن عدم التدخل العسكري ضدّ اليمن ومحاولة وقف مناورته البحرية الضاغطة، سيكون باباً فاصلاً لهزيمة استراتيجيتها في حماية تسلط الكيان الصهيوني واحتلاله وإجرامه المتمادي بحق الشعب الفلسطيني.
في الواقع، هناك عدة سقطات وقعت فيها واشنطن عبر لجوئها إلى هذا العدوان الفاشل وغير المحسوب، وهي:
كان من المفترض أن تكون واشنطن أكثر من يعرف مستوى الضغط الذي مارسته دول إقليمية وغربية على اليمن وبرعايتها، وهي تعلم جيداً المستوى الذي وصل إليه العدوان على اليمن من فشل وعجز، وخلال ما يقارب التسع سنوات، وكيف استطاع اليمنيون الصمود والثبات على مواقفهم، وإلى أين وصلت قدراتهم العسكرية والاستراتيجية اليوم مع حصار واسع، وكيف أصبحوا يقارعون من الند للند كلّ قوى الاستعمار والهيمنة الغربية، في منطقة بحرية هي الأكثر أهمية وحساسية في العالم.
لذلك، ومع هذا العدوان الأمريكي -البريطاني الفاشل على اليمن، والذي من الواضح أن لا أفق لنجاح أهدافه مع أبناء اليمن، المعروفين جيداً بثباتهم وبصلابتهم مع الحق، هناك مسار آخر من الفشل والهزيمة ينتظر الكيان الصهيوني، المُربك أيضاً على أكثر من جبهة مساندة لغزّة، من العراق ومن لبنان، حيث بدأت تتوضح خطوط هزيمة وتراجع كيان الاحتلال، وربما على واشنطن، قبل البحث عن مواقع يمنية لاستهدافها، أن تبحث عن مخارج لورطة الكيان الصهيوني ولورطتها هي أيضاً في غزّة.

أترك تعليقاً

التعليقات