«الناتو» لتعزيز الردع النووي مقابل روسيا.. هل اقتربت الحرب النووية؟
- شارل أبي نادر الأثنين , 2 أكـتـوبـر , 2023 الساعة 9:25:48 PM
- 0 تعليقات
شارل أبي نادر / لا ميديا -
حتى ما قبل الأمس، لم يكن الناتو يشير علانية إلى قدراته النووية وإلى إمكانية استعمالها، بالقدر الذي كانت روسيا تشير إلى ذلك، وحيث دأبت الأخيرة على إظهار قدراتها الاستراتيجية في كل مناسبة، ومن مبدأ الردع طبعاً، فإن الغرب الأطلسي بدأ ينحو باتجاه التشبه بالاستراتيجية الروسية في التلويح بالردع النووي، ومن باب الرد على موسكو، بإشارته وفي موقع الحلف المذكور ضمن مقال تحليلي أعدَّه غيرغوري ويفر، أحد كبار موظفي الحلف السابقين، وذلك بقوله: "إن روسيا ستبادر إلى استخدام الأسلحة النووية في حال نشوب حرب مع الناتو، وأنّ هناك ضرورة لأن يعزز حلف الأطلسي ردعه النووي، وألا يعتمد فقط على التفوق في الأسلحة التقليدية".
في الواقع، ليست المرة الأولى التي يخادع فيها الغرب، أو أحد أطرافه الأساسيين، الأمريكيين تحديدا أو حلف شمال الأطلس ي بالخصوص، حول حقيقة الموقف الدولي الذي يعيشه العالم حالياً، وحول عدم مسؤوليتهم عن التوتر غير المسبوق الذي وصل إليه العالم اليوم، وفي الوقت الذي يدعي فيه الغرب الأطلسي أنه بحاجة لتعزيز قدراته النووية ومستواه في الردع النووي، بسبب معلومات لديه بأن روسيا ستبادر إلى استخدام الأسلحة النووية، فإن كل المعطيات الاستراتيجية التي طبعت الساحة الدولية مؤخرا، والتي كان أهمها تلك التي دفعت روسيا إلى إطلاق عمليتها الخاصة الاستباقية في أوكرانيا، تشير وبقوة إلى أن الغرب الأطلسي استفز موسكو واستدرجها إلى هذه المواقف الردعية، بعد أن شعرت ولمست أن الناتو يراكم عناصر الخناق والحصار عليها يوما بعد يوم وواقعة بعد أخرى، وخاصة بعد أن تجاهل (الناتو) كل مطالب الروس بضمانات أمنية ضرورية وواقعية كان مفترضا بالحلف أخذها بعين الاعتبار ومعالجتها.
ولتبيان هذا الخداع الغربي حول حقيقة من هو مسؤول عما وصل إليه المسرح الدولي اليوم، وحيث قد لا يكفي ما قاله المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، في أكثر من مناسبة، بأنّ "المزيد من توسع الحلف شرقاً لن يجلب مزيداً من الأمن إلى أوروبا"، مشيراً إلى "الطبيعة العدوانية للناتو"، ربما يجيب عن حقيقة هذه المسؤولية، بالإضافة إلى الكثير من الأصوات في الغرب، والتي تقول إنّ سياسات واشنطن وحلف شمال الأطلسي هي التي تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، ما أشار إليه وبكل وضوح، المرشح الرئاسي الأمريكي السابق، والسياسي المعروف في ولاية هاواي، تولسي غابارد، متهماً الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتحريض على حرب نووية.
فمع هذا التوتر والتشنج والاتهامات المتبادلة والتنصل من مسؤولية الوصول إلى هذه الوضعية الدولية الخطيرة، ومع صعوبة تراجع كل طرف أساسي في هذه المواجهة الشرسة، والتي هي ظاهريا بين موسكو وكييف ولكنها فعلياً بين روسيا وبين الغرب الأطلسي، هل يمكن القول بأن احتمالات اندلاع حرب نووية بدأت فعلياً ترتفع مؤخراً، وأن العالم على الطريق نحو هذه الحرب المدمرة؟
في الحقيقة، وانطلاقاً أولاً من الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، وبمعزل عما أشرنا إليه أعلاه عن مسؤولية الناتو باستفزاز الروس واستدراجهم وإجبارهم على خوضها، فإن المعطيات والوقائع الميدانية أثبتت حتى الآن أن الغرب، وبقيادة أمريكية، لا يريد لهذه الحرب أن تتوقف، وهو يقفل كل إمكانيات التفاوض والتسويات، وفي الوقت الذي كانت قد انطلقت فيه هذه المفاوضات بين موسكو وكييف في صيف العام السابق (2022) برعاية أنقرة، فقد أجبرت واشنطن الرئيس الأوكراني زيلنسكي على وقفها، ودفعته نحو تسعير المواجهة العسكرية بعد أن رعت أكبر حملة دعم وتسليح عسكرية لوحداته، ووجهته لتنفيذ هجوم مضاد لاسترجاع الأراضي التي سيطرت عليه روسيا في شرق وجنوب أوكرانيا، ورغم الخسائر الضخمة التي دفعتها أوكرانيا وما زالت تدفعها بغزارة، ما زال الغرب الأطلسي يدعمه ويجره إلى متابعة الهجومات العقيمة المتتالية حتى آخر جندي أوكراني.
من هنا، وحيث يمكن القول بأن الغرب الأطلسي يسيّر الوضع في أوكرانيا ويوجِّهه نحو مواجهة غير تقليدية، ومع تصاعد التوتر الحساس دولياً، ومع استسهال أغلب الأطراف الدولية النووية الكلام عن حرب نووية أو التهديد بها، واستناداً إلى حتمية التدمير الشامل لأغلب هذه الأطراف، كيف يمكن تحديد مستوى القدرات النووية لكل من الأطراف الدولية المعنية بأية مواجهة نووية مقارنة بين بعضها؟ وما هي نقاط ضعف كل من الناتو وحلفائه من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى في مجال القدرات غير التقليدية؟ وهل يمكن تخيل سيناريو معين لهذه المواجهة المفترضة؟
في الحقيقة، وحيث لا يمكن التمييز بين قدرات كل طرف من هذه الأطراف الدولية المتواجهة حالياً (روسيا وحلفائها مقابل الغرب الأطلسي وحلفائه)، أولاً: لأن كل الأطراف غير شفافة في تبيان حقيقة مستوى امتلاكها للرؤوس النووية (لا وجود للثقة بين هذه الأطراف)، خاصة بعد أن توقف العمل بـ"معاهدة ستارت الجديدة" التي تضبط وتخفّض عدد الرؤوس النووية، وثانياً: لأننا هنا نتكلم عن أن أي عدد معين من الرؤوس النووية -ولو بالحد الأدنى- هو كافٍ لإحداث الدمار الشامل، رغم الفارق الكبير في عدد هذه الرؤوس بين طرف وآخر، وحيث وصل مستوى ما تملك كل جهة من القدرات النووية إلى درجة كافية لتدمير الجهة الأخرى، وحيث وصلت إمكانية كل جهة إلى النجاح في إطلاق ونقل القدرات الكافية لإلحاق التدمير بالجهة الأخرى، رغم كل ما يتم الحديث عنه من أنظمة دفاع جوي ودروع صاروخية وما شابه.
انطلاقاً من كل ذلك، يمكن القول بأن الحاجة للعودة إلى ضبط "التنافس النووي الدولي" أصبحت حاجة ملحة وجد ضرورية لكل الأطراف. وبمعنى آخر: من الطبيعي أن يؤدي رفع السقف الخطير بهذا المستوى وهذا التهديد الواسع والشامل ومن كافة الأطراف، إلى التعقل وإلى تبريد الرؤوس الحامية وفتح باب التفاوض على مصراعيه وفي كافة الملفات الخلافية دوليا، وبالتالي، وبتقديرنا، مع كل كلام عن الحرب النووية، ومع كل إظهار وكشف للقدرات غير التقليدية، ومع كل رفع لمستوى الردع من طرف أو من كل الأطراف، يكون هناك عملياً ابتعاد عن القرار بالجنوح نحو استعمال السلاح النووي، ومن كافة الأطراف.
المصدر شارل أبي نادر
زيارة جميع مقالات: شارل أبي نادر