شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
كل المعطيات والوقائع والتحليلات كانت توحي بأن «إسرائيل» على وشك استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وبدعم أمريكي مباشر ظهرت خطوطه واضحة عبر موجات جرارة من حاملات الطائرات والمدمرات والطرادات والغواصات، والتي تحشّدت في المياه الدولية القريبة من إيران أو في تلك البعيدة عنها نسبياً، وخاصة في البحر المتوسط وفي شمال المحيط الهندي وفي عمقه وتحديداً في قاعدة «دييغو غارسيا» الجوية الأمريكية. وفي الوقت الذي انتظر فيه الجميع هذا العدوان، وحتى إيران التي تحضرت لمواجهته والرد عليه، تبدل الموقف الأمريكي فجأة، وانطلقت المفاوضات بين واشنطن وبين طهران، بطريقة مباشرة كما سماها الأمريكيون، أو بطريقة غير مباشرة كما سماها الإيرانيون.
عملياً، كان للرئيس ترامب الدور الأساس في منع هذه الضربة «الإسرائيلية» لإيران. وقد عبر نتنياهو عن ذلك ممتعضاً، وبعد أن حاول كثيراً انتزاع موافقة ترامب على استهداف منشآت إيران النووية دون جدوى، يبدو أنه قد اقتنع حالياً بأن العدوان على إيران، والذي راهن عليه دائماً، قد ابتعد كثيراً، إن لم يكن قد أصبح مستحيلاً.
فما الأسباب التي وضعت استهداف منشآت إيران النووية في خبر كان؟ ولماذا استبعد ترامب العمل العسكري من خياراته؟
بداية، لا يمكن لأي مراقب (جِدِّي) إلا استنتاج أن أية عملية عسكرية جوية أمريكية - «إسرائيلية» مشتركة ضد إيران ستكون ناجحة بنسبة كبيرة (بمعزل طبعاً عن الرد الإيراني والذي سوف تتم الإشارة إليه تالياً)؛ إذ نتكلم عن مستوى مرتفع جداً من القدرة الجوية والصاروخية والتقنية الأمريكية - «الإسرائيلية»، يضاف إليها قدرة استعلامية كاسحة، تعززها -وبمستوى غير مسبوق ولافت وصادم- إمكانيات سلاح الذكاء الاصطناعي لكل من الولايات المتحدة و»إسرائيل».
هنا، يجب البحث إذن عن سبب آخر بعيد عن الجانب العسكري، ولا يمكن إلّا ربطه بالوضعين الإقليمي والدولي، حيث هناك عدة اتجاهات يجب الإضاءة عليها، وهي:
أولاً: حاجة واشنطن لاتفاق يكون نتيجة تسوية سلمية، وليس نتيجة عملية عسكرية، وذلك بعد أن تعثّرت جهودها وفشلت بشكل واضح في ضبط الحربين الأقسى حالياً في العالم، في أوكرانيا وفي غزة، الأمر الذي سيكون أفظع فيما لو سلك الخيار العسكري ضد إيران.
ثانياً: أن يكون هناك دور روسي ولو غير مباشر في مواكبة المفاوضات الأمريكية - الإيرانية، وهذا ما تؤكده بقوة حركة التواصل المباشر بين القادة والمسؤولين الروس والإيرانيين مؤخراً، ما يعني أن موسكو معنية بدرجة كبيرة بنقطتين: الأولى: حماية الموقع الإيراني القوي كلاعب مؤثر ضد الأمريكيين في «الشرق الأوسط». والثانية: أن موسكو، وفي مكان ما، تعتبر أن ما تملكه إيران من قدرات نووية حالياً، وخاصة الكميات الكبيرة من «اليورانيوم»، والمخصب بنسبة عالية أيضاً، يشكل نقطة قوة لمصلحة قدرة الردع الروسية التي تراكمها بمواجهة الأمريكيين، الأمر الذي يجعل استهداف القدرات النووية الإيرانية، وفي مكان ما، استهدافاً لنقطة قوة طالما رأتها موسكو معها وإلى جانبها، تماماً كما رأت في القدرات النووية لكوريا الشمالية، والتي ابتعدت واشنطن عن استهدافها، رغم الموقف السلبي العنيف الذي اتخذته منها.
ثالثاً: أن تُستهدف المنشآت النووية الإيرانية فهذا يعني حتماً استهدافا للقدرات النووية السلمية؛ لأن منشآت القدرات النووية العسكرية، والتي تكون نواتها كميات «اليورانيوم» المخصب بدرجة عالية، هي نفسها منشآت النووي السلمي، حيث التخصيب لأغراض سلمية يحصل داخل المنشآت نفسها التي يحصل فيها التخصيب لأغراض تصنيع سلاح نووي.
وليكون -في هذا المجال- الاتفاق الأمريكي - السعودي للسير في تحضير وتطوير مشروع نووي سلمي سعودي، يجعلنا نستبعد -ولو بنسبة جزئية- استهداف المشروع النووي الإيراني السلمي، حيث لن يكون منطقياً وطبيعياً وسهلاً أن يُسمح للسعودية بامتلاك مفاعل نووي سلمي، وأن تُحرم منه إيران، وبعدوان عسكري أمريكي - «إسرائيلي».
ولنعد أخيراً إلى حتمية الرد الإيراني على أي عدوان «إسرائيلي» - أمريكي عليها، حيث من الضروري الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي:
صحيح أن العدوان على إيران سوف ينجح في تدمير النسبة الأكبر من المنشآت النووية، وصحيح أن قدرة طهران في الدفاع الجوي ستكون متواضعة ومحدودة أمام القدرات الجوية والصاروخية الأمريكية و»الإسرائيلية» المتفوقة؛ ولكن عندما يعطي الأمريكيون و»الإسرائيليون» لملف الصواريخ الباليستية والمسيرات الإيرانية أهمية أعلى وأكثر حساسية من الملف النووي الإيراني، فهذا مؤشر إلى أنهم يعلمون جيداً إمكانيات وقدرات إيران على مستوى هذين السلاحين، وأنهم يعلمون جيداً أن أية مناورة رد إيرانية، والتي ستجمع استغلال العمق الجغرافي الهش للكيان، مع استهداف الأخير بعدد ضخم جداً من الصواريخ والمسيّرات، والتي سينجح حتماً عدد كافٍ منها بالوصول إلى أهدافها، ستكون مناورة قاتلة، لن يستطيع الكيان، ولا الأمريكيون، تحمّل تداعياتها.

أترك تعليقاً

التعليقات