شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
صحيح أن الاعتداء «الإسرائيلي» الجوي الأخير على مناطق محددة في جنوب لبنان كان لافتاً مفاجئاً، وهو جاء حسب الادعاء الصهيوني رداً على استهداف بعض المناطق المحتلة في شمال فلسطين، لأنه جاء ليكسر المسار الطويل من الارتداع عن مثل تلك الاعتداءات الجوية، والذي ناهز الـ15 عاماً منذ صدور القرار رقم (1701) عام 2006.
لكن المفاجئ أكثر، كان رد حزب الله الصاروخي على خلفية تلك الاعتداءات، وعلى مناطق محتلة من مزارع شبعا والجليل الأعلى المحتل، فكيف يمكن مقاربة الموضوع؟ وهل يمكن القول إن الطرفين اختارا، أو أحدهما اختار تغيير قواعد الاشتباك المعمول بها منذ ما بعد عدوان يوليو/ تموز 2006؟ وكيف يمكن توصيف الوضع؟! وإلى أي حد من الممكن أن يتطور؟
رد حزب الله الصاروخي المحدود، والذي استهدف مناطق مفتوحة في محيط مواقع عسكرية عدوة، بحيث لم يستهدف تلك المواقع بشكل دقيق فعال، هذا الرد يحمل عدة رسائل، وهي:
1 ـ المقاومة غير معنية بتوتير الوضع وبفتح مواجهة واسعة.
2 ـ المقاومة غير معنية بكسر قواعد الاشتباك المعمول بها منذ القرار (1701) عام 2006.
3 ـ المقاومة أيضاً غير خائفة من الرد، ولا تخشى تداعياته، في حال أخذ رد العدو الصهيوني أحد أشكال الاعتداء، والتي هي غير بعيدة عن مفاهيم الاعتداء التي تقيدها أو تضبطها قواعد الاشتباك السارية المفعول حتى الساعة.
4 ـ المقاومة أيضاً جاهزة للتعامل مع أي تغيير يذهب إليه كيان العدو الصهيوني في قواعد الاشتباك أو في القيود المضبوطة للصراع أو للنزاع.
5 ـ المقاومة أيضاً، وهذا هو المهم، غير معنية بما يحاول العدو الصهيوني استغلاله فيما يحصل في لبنان لناحية الانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأنها (أي المقاومة) تفصل الصراع والاشتباك والمواجهة مع العدو عن الأزمة الداخلية في لبنان، والتي كان العدو الصهيوني المساهم الأساسي فيها، حين اعتبرها (الأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية) بديلاً عن المواجهة العسكرية التي يخشاها ويبتعد عنها.
من ناحية أخرى، ما أراده العدو الصهيوني من وراء التصعيد الأخير الذي لجأ إليه (الغارات الجوية على أراض لبنانية) يحمل أهدافاً عسكرية تكتيكية، وأهدافاً سياسية.
عسكرياً: العدو الصهيوني يبحث منذ فترة طويلة عن عدة نقاط غامضة، نجح حزب الله في إبقائها غامضة، أهمها:
ـ ماذا يملك حزب الله من قدرات وأسلحة جديدة؟
ـ ماذا يحضر الحزب من تكتيكات جديدة، في الدفاع أو في الهجوم؟
ـ ما هي نوايا الحزب تجاهه، في حال نفذ اعتداء أو في حال لم ينفذ اعتداء؟
وهذه النقاط الغامضة التي يبحث عنها العدو الصهيوني، يريد الحصول عليها دون الذهاب إلى مغامرة المواجهة الواسعة، فاختار جس النبض بعملية اعتداء جوي ومدفعي محدود، وكان حريصا على إظهارها في مناطق مفتوحة دون إحداث خسائر.
العدو الصهيوني أيضاً برهن، وبسرعة سبقت الانتهاء الكامل للتبادل الصاروخي والمدفعي مع لبنان، أنه غير معني بمواجهة واسعة، وأنه لا يريد الذهاب نحو توسيع الاشتباك أو العمليات القتالية.
انطلاقاً مما أظهره حزب الله، ومن إشاراته بدقة إلى مكان ومستوى ما يريده بالتحديد في هذه المواجهة، وما هي القيود التي يلتزم بها، وفي الوقت نفسه، ما هي النقاط أو الأعمال التي لا يقبل بها، والتي يعتبرها تغييراً أو تطويراً لقواعد الاشتباك لا يوافق عليه، وانطلاقاً من المسار المضبوط الذي أظهر العدو الصهيوني التزامه به، وعدم استعداده لتجاوزه، وانطلاقا من اعترافه بعدم وجود نية لديه لخلق قواعد اشتباك جديدة، لا يوافق عليها حزب الله؛ نستطيع أن نستنتج أن الجولة الأخيرة من التصعيد جنوباً قد ذهبت إلى مربع الهدوء الحذر، بعد أن لمس العدو الصهيوني أن أية مغامرة غير محسوبة لن تكون آمنة، في الوقت الذي لا يبدو فيه مستعدا لتحمل تداعياتها.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات