شارل أبي نادر

شـارل أبي نادر / لا ميديا -
من غير المستبعد القول: "كما بدأ العدوان على اليمن عام 2015 باستهداف المطارات اليمنية وإخراجها من الخدمة، قد يشكّل الرد اليمني المرتقب على استهداف وتدمير مطار صنعاء، تداعيات وأحداثاً غير محسوبة من السعودية، لا في المكان ولا في التوقيت ولا في مستوى القوة والتأثير، وقد تكون نقطة مفصلية نحو فرض نهاية الحرب على اليمن".
لم يأت قصف العدوان السعودي لمطار صنعاء، مؤخراً، خارج سياق مسلسل الاعتداءات الإجرامية المتواصلة على اليمن وشعبه وعلى كافة منشآته، والتي طبعت مسار هذه الحرب طيلة السنوات السبع الماضية ونيف، فهو اعتداء (تقليدي) أصبح عادياً وروتينياً من ضمن هذه الاعتداءات. وقصف مطار صنعاء ليس أول اعتداء مخالف للقوانين الدولية ولقانوني الحرب والدولي الإنساني، فهذه القوانين في اليمن أصبحت منسيّة أو بالأحرى غير موجودة في قاموس المجتمع الدولي، حيث الأخير أيضاً اعتاد عليها في اليمن. وربما يتعجب مسؤولو الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية إذا مر يوم واحد على اليمن من دون اعتداء سعودي، يخالف هذه القوانين الأممية، مع أن من المفترض أن تكون هذه المؤسسات مؤتمنة على احترامها والالتزام بها.
الجديد في الموضوع والذي يمكن التوقف عنده، هو أن قصف مطار صنعاء وإخراجه عمداً من الخدمة الجوية، أخرج فعاليات منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المرتبطة بها من نطاق العمل الإنساني، لناحية الحاجات الطبية أو الإغاثية الأكثر إلحاحاً، والتي كانت تؤمن ولو بشكل جزئي الحد الأدنى من هذه الحاجات الضرورية. فلماذا تم استهداف الدور الأخير والوحيد الذي كانت تلعبه الأمم المتحدة في اليمن؟ ولماذا سارعت السعودية إلى إخراج المطار من الخدمة في هذا الوقت بالذات؟
ربما أشار مستشار المجلس السياسي الأعلى في اليمن، الشيخ محمد مفتاح، إلى بعض هذه الأسباب التي دفعت السعودية إلى تدمير مطار صنعاء، بعد أن اعتبر أن "النظام السعودي يتوج جرائمه البشعة وحربه الشاملة بجريمة إخراج مطار صنعاء من الجاهزية، وأن تهديد العدوان للمنظمات الإنسانية من التواجد في المطار هو بغرض تضييق الحصار على شعبنا"، مضيفاً أن "استهداف المطار يأتي لتضييق كل وسائل الأمل لدى المرضى والجرحى من اليمنيين لتلقي العلاج في الخارج"، لافتاً إلى أن "النظام السعودي بهذه الجريمة يتحدى كل الأعراف والقوانين الدولية ويعلن وفاة ما يسمى القانون الدولي والأمم المتحدة". ولكن تبقى هناك أسباب أخرى، يمكن وضعها ضمن العناوين التالية:
في الواقع، لا يوجد أية صدقية أو صحة للسبب الذي وضعته السعودية لتبرير استهداف مطار صنعاء، حين اعتبرت أن أنصار الله يستعملونه لنشر وتجهيز قواعد لإطلاق الصورايخ الباليستية والطائرات المسيّرة نحو العمق السعودي، فمن الناحية العسكرية والجغرافية، مطار صنعاء يبعد عن الحدود السعودية حوالى 450 كم، ومن غير المنطقي أن تخسر وحدات الجيش واللجان الشعبية 450 كم لتقصف صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه العمق السعودي، وبإمكانها أن تستخدم هذه الصواريخ وغيرها من مناطق قريبة من الحدود السعودية، وأساساً، جاءت القيمة العسكرية لفعالية مناورة الاستهداف الاستراتيجي لوحدات الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله" للعمق السعودي، من أنها تُنَفَّذ انطلاقاً من قواعد عسكرية منتشرة في مناطق بعيدة شمالاً، مخبأة في مغاور وهي متحركة غير ثابتة، وتتمتع هذه القواعد بميزة المرونة، حيث تفشل أحدث القاذفات والمسيرات الغربية التي تستعملها الوحدات الجوية لتحالف العدوان في كشفها وملاحقتها واستهدافها.
من هنا، لا يركن هذا التبرير إلى أي منطق عسكري أو إلى أي منطق علمي، مثله مثل كل التبريرات التي طالما ساقتها السعودية في اعتداءاتها على اليمن. إنما حقيقة الموضوع هي أن الأمر مرتبط بالضغط الميداني، وبمحاولة خلق نقطة ضغط على الجيش واللجان الشعبية اليمنية، بحيث اعتبر العدوان (مخطئاً طبعاً) أنها قد تؤثر في تخفيف اندفاعة الهجوم على مأرب، خاصة بعد أن فقد العدوان ومرتزقته أية وسيلة لتخفيف هذه الاندفاعة، والتي هي عملياً ربما أصبحت قاب قوسين من نهايتها، حيث لا تعطي قيادة عمليات الجيش واللجان أية معطيات دقيقة حول التطورات الميدانية إلّا بعد اكتمالها، واستهداف مطار صنعاء بهذه الوحشية، في محاولة لإفقاد "حكومة صنعاء" الوطنية المعبر الإنساني الأخير، قد يكون مؤشراً دقيقاً إلى قرب اكتمال هذه الاندفاعة نحو مأرب.
ما يمكن ربطه أيضاً مع قصف المطار بهدف الضغط لتخفيف الاندفاعة نحو مأرب، يتعلق بمحاولة دبلوماسية دولية، طُرح خلالها مؤخراً اقتراح لوقف إطلاق النار في مأرب، عبر بيان صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والسعودية، وكأن الأطراف المذكورة هي أطراف محايدة وغير منخرطة في العدوان على اليمن، وتطرح مبادرة سلمية بكل "روح إنسانية"، في الوقت الذي تشكل فيه هذه الأطراف مثلث العدوان على اليمن بامتياز، بين المنفذ وهو التحالف السعودي، والداعم بالأسلحة والقدرات والتجهيزات، وهو الطرف الأمريكي، والأمم المتحدة الساكت الأكبر عن العدوان والمتواطئ معه.
انطلاقاً من هذه المعطيات، وخاصة الميدانية، حول الإحراج الذي تسببه معركة مأرب للتحالف ولداعميه، أصبح واضحاً أن الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله" لن يتأثروا بتاتاً بأي اعتداء وحشي، مثل عملية تدمير مطار صنعاء أو غيرها، بغية تخفيف ضغوطهم في الميدان بشكل عام أو في معركة تحرير مأرب بشكل خاص، وكما عودونا في معركة الدفاع والصمود ضد العدوان منذ بداياته، بأن كل المحاولات الخسيسة من العدوان، في استهداف المنشآت والأعيان المدنية اليمنية، وكل عمليات تشديد الحصار، كانوا دائماً يواجهونها بإصرار أكبر وبعزيمة أوسع في الميدان، وكانت دائماً تأتي نتائجها تقدماً وانتصارات وتحريرا، ومن غير المستبعد القول: "كما بدأ العدوان على اليمن عام 2015 ـوالذي سماه الأخير "عاصفة الحزم"ـ باستهداف المطارات اليمنية وإخراجها من الخدمة، قد يشكّل الرد اليمني المرتقب على استهداف وتدمير مطار صنعاء، تداعيات وأحداثاً غير محسوبة من السعودية، لا في المكان ولا في التوقيت ولا في مستوى القوة والتأثير، وقد تكون نقطة مفصلية نحو فرض نهاية الحرب على اليمن".

أترك تعليقاً

التعليقات