شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
إن تنفيذ هذا العمل الاستثنائي الخاص، في بقعة بحرية حيوية للتحالف وللأمريكيين ولـ«الإسرائيليين»، يعتبر تطوراً غير بسيط في قدرات اليمنيين البحرية، يضاف إلى ما أثبتوه عملياً وبقوة، من قدرات استراتيجية صاروخية في البر، ومن قدرات جوية (مسيرات بعيدة المدى، أو دفاع جوي «مناسب»)، وكل ذلك يحصل بعد سبع سنوات من الحرب على اليمن، ومن الحصار المشدد والقاتل، بحراً وبراً وجواً.
لم يكن مفاجئاً التصريح الكاذب لتحالف العدوان على اليمن بأن السفينة المحتجزة من قبل أنصار الله في البحر الأحمر، قبالة مرفأ الحديدة، وداخل المياه الإقليمية اليمنية، تحمل معدات طبية وإنسانية، ليتبين بسرعة، وبالصور والأفلام والوثائق، أنها سفينة حربية بكل ما في الكلمة من معنى، لناحية حمولتها وطريقة ترتيب المعدات والتجهيزات عليها. وهذا أمرٌ عادي بالنسبة لتحالف العدوان، وقد أصبح أمراً روتينياً (الكذب وتشويه الحقائق)، ومسار هذا العدوان مشبع بالكثير من مثل هذه الادعاءات الكاذبة، التي عوَّدنا عليها هذا التحالف.
المفاجىء في الموضوع، والذي يحمل الكثير من الأبعاد، ويستدعي التركيز في دراسته، هو الحدث بحد ذاته: احتجاز سفينة عسكرية لتحالف العدوان في البحر الأحمر من قبل الوحدات البحرية اليمنية، وليس من قبل أنصار الله كما يدعي تحالف العدوان، أو من قبل وحدات خاصة برمائية تابعة للجيش واللجان الشعبية اليمنية، وذلك بعد سبع سنوات من الحصار والضغط والتدمير الممنهج لليمن ولمقدراته، من قبل مجموعة كبيرة من القوى الإقليمية والغربية، والتي من المفترض أن تكون صاحبة إمكانيات وقدرات غير بسيطة.
كيف يمكن فهم الموضوع من كافة النواحي المؤثرة في الحرب الاستثنائية، والتي تخاض في منطقة هي من أكثر المناطق حساسية في العالم؟ وما هي الأبعاد التي يحملها الحدث (احتجاز السفينة العسكرية الإماراتية)؟
بداية، نتكلم من الناحية العسكرية، حيث بدا لافتاً هذا الدخول إلى عمق المياه الإقليمية اليمنية، إذ من المفترض مبدئياً أن تكون مسافة الدخول هي الحد الأقصى للمياه الإقليمية، على أساس ابتعاد السفينة المسافة القصوى عن الساحل اليمني في الحديدة، نتكلم هنا عن مسافة بحدود 22 كم (12 ميلاً بحرياً)، وذلك من قبل وحدة خاصة يمنية، استطاعت تنفيذ إغارة بحرية وإيقاف السفينة، تحت ساتر قوي من المراقبة والرصد المباشر الخاص بالسفينة العسكرية، وأن تنجح تلك الوحدة في مهمتها بسلاسة وبمستوى غير بسيط مـــن السيطرة ظهــــــر بوضوح، فهذه نقطة تسجـل للوحــــدات اليمنية البحرية، على الأقل لناحية المستوى المرتفع من القدرة والتنسيق والفعالية.
من جهة أخرى، ليس سهلاً تنفيذ هذه الإغارة والانتقال البحري، غير الواضح حتى الآن ما إذا كان فوق المياه أم تحت المياه، مع ترجيحي أنه تحت المياه، في ظل منظومة أو شبكة قوية من الرصد الواسع المرتبط بغرف عمليات التحالف البحرية، والتي تنفذ حصاراً واسعاً ومشدداً على السواحل والمياه الإقليمية اليمنية، وخاصة لجهة الحديدة، والتي تنفذ أيضاً مسكاً جوياً وبحرياً (تحت المياه وعلى سطحها مباشرة)، من المفترض أن يكون فاعلاً ومفعلاً بشكل متواصل، لمواجهة خطر الزوارق والمسيرات الانتحارية والألغام أو العبوات الناسفة البحرية اليمنية.
من الناحية الاستراتيجية، أن يتم تنفيذ هذا العمل الاستثنائي الخاص في بقعة بحرية حيوية للتحالف وللأمريكيين ولـ«الإسرائيليين»، فهذا يعتبر تطوراً غير بسيط في قدرات اليمنيين البحرية، وخاصة في البحر الأحمر، يضاف إلى ما أثبتوه عملياً وبقوة، من قدرات استراتيجية صاروخية في البر، ومن قدرات جوية (مسيرات بعيدة المدى، أو دفاع جوي مناسب، كما يسميه دائماً العميد سريع)، وكل ذلك يحصل بعد سبع سنوات من الحرب على اليمن، ومن الحصار المتشدد والقاتل، بحراً وبراً وجواً.
من هنا، تأتي الأهمية الحساســـة لهذا العمل، ولمــا قدمه في مسار الحرب على اليمن، وذلك عبر الاتجاهات التالية:
أولاً: بعد اليوم، أو بعد عملية احتجاز السفينة العسكريـــة الإماراتيـــة، ستكون المياه الإقليمية اليمنية والحيّز البحري المتاخم لها، نتكلم عن 22 كم يضاف إليها مسافة توازيها أيضاً، أي حوالى 44 كم، منطقة غير آمنة لسفن وبوارج التحالف وداعميه وخاصة لـ«الإسرائيليين»، وهذا الأمر يعني عملياً أغلب مسافة عرض جنوب البحر الأحمر في محيط باب المندب، مقابل سواحل جيبوتي أو مقابل مدينة عصب الساحلية في إريتريا، حيث يوجد الكثير من القواعد العسكرية الغربية والإقليمية، ومنها «الإسرائيلية» والإماراتية، وعملياً أيضاً أكثر من نصف مسافة عرض وسط البحر الأحمر بمواجهة سواحل اليمن الغربية، بين الحديدة ووسط ساحل إريتريا على البحر الأحمر.
ثانياً: بعد هذه العملية أيضاً، سوف يبدأ داعمو تحالف العدوان على اليمن، وخاصة الأمريكيين و«الإسرائيليين»، التفكير في وضع وتنفيذ مناورة بحرية مختلفة، تأخذ بعين الاعتبار القدرات البحرية المستجدة للجيش واللجان الشعبية اليمنية، وتاخذ بعين الاعتبار أيضاً أن مناورة الجيش اليمني واللجان سوف تتطور لتتواكب بين المعركة البرية في الوسط الشرقي بين مأرب والجوف وصولاً إلى نجران، وبين المناورة البحرية في البحر الأحمر وباتجاه الساحل الغربي، والتي ستكون حتماً فاعلة، إذا أخذنا بعين الاعتبار القدرات الجوية المتقدمة لليمنيين، من مسيّرات أصبحت معروفة بدقتها، ومن صواريخ كروز مجنحة (رأينا حتى الآن أكثر من عملية استهداف للتحالف عبرها) يمكن أيضاً أن نضيف إليها مناورة منتظرة وحتماً هي جاهزة ومخطط لها، وهي مناورة الزوارق الانتحارية.
وأخيراً وليس آخراً: يثبت اليمنيون اليوم معادلة جديدة، لم ينتبه لها ربما تحالف العدوان أو داعموه، وهم (أي التحالف وداعموه) مثلما أخطؤوا بتقدير قدرات أبناء اليمن يوم قرروا شن الحرب والعدوان، فقد أخطؤوا أيضاً في تقديرها وقد تكون قاتلة لهم، إذا أضيفت إلى الخطأ الأول في التقدير (عند شن العدوان)، وهي أن حماة وأسياد البحر الأحمر الأصليين والحقيقيين، وبالحد الأدنى مقابل السواحل اليمنية، هم أبناء اليمن فقط وفقط لا غير. إنها معادلة الجغرافيا والتاريخ والسيادة الطبيعية، والقانون الدولي مبدئياً، إذا بقي هناك ما يسمى قانوناً دولياً.

أترك تعليقاً

التعليقات