شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
بكل هدوء وتركيز ورباطة جأش نفذ الشهيد خيري علقم عملية جريئة وصادمة في القدس المحتلة، مُسقطاً ما لا يقل عن سبعة قتلى وأكثر من عشرين مصاباً في صفوف المستوطنين الصهاينة، ليستشهد لاحقاً بعد نفاد ذخيرة مسدّسه خلال اشتباك قارب نصف ساعة مع أجهزة أمن العدو.
خضّة قوية واستثنائية أحدثتها العملية داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وفيما كان العدو لا يزال في حالة صدمة وذهول على كافة مستوياته العسكرية والأمنية والسياسية والمدنية نتيجة قسوة ما حصل، وقعت عملية ثانية في سلوان بالقدس المحتلة على يد فتى فلسطيني آخر، قبل مرور 24 ساعة على العملية الأولى.
إن أصدق تعبير عما حققته العملية الكبيرة للشهيد علقم جاء في إشارة "القناة 13" الى أنّ "الهجوم تمّ تنفيذه من تحت أنف الشاباك في القدس"، ومن ملخص ما أكده المراسل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت" بأنّ "فظاعة وخطورة العملية تأتي من كون المؤسسة الأمنية كانت على علم بأن إطلاق الصواريخ من غزة هو مجرّد ردّ رمزي؛ لأنّ التركيز كان بأن الفصائل الفلسطينية تريد إشعال الأوضاع في الضفة والقدس"، وأن "الأنظار في الحقيقة كانت متجهة إلى القدس وإسرائيل (الأراضي المحتلّة عام 1948)، ومع هذا كله فشلت أجهزة الشاباك وباقي أجهزة المؤسستين الأمنية والعسكرية في متابعة العملية ومنع حصولها".
لا نتكلم اليوم عن عملية غير مسبوقة أو عن عمل محترف جريء وصادم يحصل لأول في الأراضي المحتلة، بل نحن عملياً ضمن مسار مستمر من المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وبين الصهاينة، ما يميزه مؤخراً (مسار المواجهة) بأنه يتوسع في النمط أو في طريقة تنفيذ العمليات، وفي الجغرافيا حيث لم تعد هناك أي ساحة محتلة محصنة أو محمية، وزمنياً حيث توقيتات تنفيذ العمليات تداخلت مع بعضها ولم تعد محصورة ليلاً أو نهاراً أو كردّ على اعتداءات معينة، بل خرجت هذه العمليات بشكل كامل عن النمط المألوف لها؛ ولكن اللافت والاستثنائي في عملية الشهيد خيري علقم أنها تحمل في مضمونها وفي شكلها أبعاداً جديدة ومختلفة، يمكن أن تكون نقطة مفصلية في هذا الصراع الوجودي مع العدو، وذلك على الشكل التالي:
أن يكون العدو متوقعاً حصول عملية ضد وحداته أو ضد المستوطنين، وعلى خلفية اعتداء دموي ضخم في مخيم جنين نتج عنه عشرة شهداء وعشرات المصابين من الفلسطينيين ويفشل أمنياً وميدانياً في منع عملية كالتي نفذها البطل خيري علقم، فإن الأمر لم يمر فقط من تحت أنف "الشاباك" كما أشارت "القناة 13" العبرية، أو من تحت أنف باقي الأجهزة الأمنية العسكرية الصهيونية، بل مرّ الأمر على رقبة كل منظومة كيان العدو التي ترعى وتحمي وتدير احتلاله.
فبعد هذه العملية، وفي الظروف والمعطيات التي حصلت فيها، لم تعد تملك منظومة رعاية وإدارة كيان العدو القدرة على تحقيق الحد الأدنى من حماية أمن أي صهيوني يعيش على الأراضي المحتلة في فلسطين. ماذا ينفع وجود أجهزة أمنية ومخابراتية واستعلامية هي من الأفضل عالمياً من حيث تجهيزاتها وإمكانياتها، بمواجهة الفكر المقاوم المزروع في وجدان الشباب الفلسطيني، الذي تجري دماء المقاومة ومواجهة الاحتلال في عروقه منذ أن يبصر النور؟!
صحيح أن عملية الشهيد خيري علقم جاءت كرد فوري ومباشر على جريمة جنين الأخيرة، وصحيح أيضاً أنه يمكن ربطها بالرد التلقائي والطبيعي على المستوى غير المسبوق من التشدد الأعمى الذي يميز أعضاء حكومة نتنياهو، أو رداً استباقياً على المرتقب من مخططاتها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، والتي أعلنتها أساساً بكل وقاحة؛ ولكن جاءت هذه العملية الاستثنائية لتبرهن للشعب الفلسطيني وللصهاينة وللعالم كله أن قوة وقدرة ما تملكه المقاومة الفلسطينية من التزام وإيمان متجذر وراسخ وثابت في وجدان كل مقاوم، يتجاوز كل الإجراءات الأمنية والعسكرية مهما كانت فاعلة واستثنائية، ويتجاوز أيضاً كل الإمكانات التقنية والاستعلامية لأقوى الأجهزة الأمنية وأكثرها تطوراً في العالم.
من هنا، وبانتظار إجراءات رد العدو على هذه العملية التي هزت كيانه، يبقى الكثير من التساؤلات الأساسية التي لا بد من طرحها ومتابعتها؛ وهي:
1- أي تأثيرات جذرية يمكن أن تفرضها العملية على مستوى المواجهة المباشرة بعد اليوم؟
2- بين إثبات المقاومة القدرة على الرد المباشر والفوري على مجزرة جنين الأخيرة، وبين مسار التطور الواضح لمستوى عمل المقاومة الفلسطينية في المرحلة الأخيرة، هل تملك حكومة نتنياهو (أو أي حكومة أخرى متشددة) بعد اليوم إمكانية الاستمرار في الحكم؟
يفرض الشهيد البطل خيري علقم بجهوده وجرأته وإيمانه ودمائه الطاهرة مع الكثير من رفاقه السابقين واللاحقين، معادلة لا بد أن تتحقق، وهي: "فلسطين لا بد سوف تتحرر، والكيان الصهيوني الغاصب لا بد سوف يُزال من الوجود".


محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات