مناورات أمريكية ـ «إسرائيلية» جوية..لزوم ما لا يلزم
- شارل أبي نادر الجمعة , 9 ديـسـمـبـر , 2022 الساعة 6:54:27 PM
- 0 تعليقات
شارل أبي نادر / لا ميديا -
المناورة الجوية المشتركة الأمريكية ـ "الإسرائيلية" الأخيرة فوق البحر الأبيض المتوسط، لمحاكاة تنفيذ عمل جوي ـ صاروخي "مرتقب" يستهدف المواقع النووية الإيرانية، إنما تأتي ضمن التهويل الإعلامي المرتبط بالحرب النفسية التي دأبت الإدارة الأمريكية على تنفيذها ضد إيران، مباشرة أو بواسطة حليفتها "إسرائيل"، لدفعها إلى التنازل والرضوخ في مفاوضات العودة الأمريكية للاتفاق النووي، بعد أن فشلت كل محاولاتها السابقة.
تهدف المناورات والتدريبات العسكرية التي تقوم بها الجيوش بشكل عام إلى دراسة طريقة تنفيذ عملية عسكرية معيّنة، بحيث تتدرب الوحدات المعنية بالتنفيذ على تفاصيل ومراحل المناورة، وعلى تنسيق الجهود وتوزيع المهام، والأهم: تتدرب على تلافي الثغرات الممكنة وتجاوز الصعوبات المفترضة أثناء التنفيذ.
انطلاقاً من هذه المعطيات، جاءت المناورة الجوية المشتركة الأمريكية ـ "الإسرائيلية" الأخيرة فوق البحر الأبيض المتوسط، لمحاكاة تنفيذ عمل جوي ـ صاروخي "مرتقب" يستهدف المواقع النووية الإيرانية، ولتنسيق الجهود المطلوبة لتجاوز صعوبة انتقال قاذفات "إسرائيلية" من قواعدها الجوية داخل فلسطين المحتلة، وتنفيذ ضربات مركّزة داخل إيران، وعلى مسافات لا تتجاوز 1800 كم من تلك القواعد، وهي المسافة القصوى لأغلب المنشآت النووية الإيرانية، والتي تقع جنوب طهران التي تبعد عن "تل أبيب" حوالى 1900 كم.
من الناحية التقنية ـ العسكرية، هناك عدّة معطيات تتحكم بهذه العملية المرتقبة، أو التي يخطط لها الصهاينة، إذا كانوا جديين في قرار تنفيذها، ويمكن تلخيصها بالتالي:
لتنفيذ العملية باستهداف موقع أو أكثر أو كل المواقع النووية الإيرانية، هناك اتجاهان:
ـ الاتجاه الأول: استهداف تلك المواقع من فوق الأجواء الإيرانية بصواريخ موجّهة من قاذفات استراتيجية من الجيل الخامس، الأرجح أن تكون (F35)، ومدى عملها كحد أقصى للطيران 2000 كم، وبحمولة مناسبة من الصواريخ والقنابل الموجهة.
ـ الاتجاه الثاني: يمكن استهداف المواقع النووية الإيرانية من أجواء دولة مجاورة، وبصواريخ جو ـ أرض بعيدة المدى، تملك "إسرائيل" بعضاً منها بمدى فعال لا يتجاوز 300 كيلومتر، مثل "دليلة" أو "جبرائيل".
عملياً، هناك شبه استحالة لاستهداف المواقع النووية الإيرانية عبر الاتجاه الثاني أعلاه، أي من فوق أجواء دولة مجاورة لإيران؛ أولاً: بسبب تعقيدات الأمر وخطورته على هذه الدولة المعنيّة (المجاورة لإيران)، وثانياً، وهذا هو الأهم تقنياً: لا يمكن تنفيذ هذا الاستهداف لأغلب المواقع النووية الإيرانية، والتي تتركز في مناطق داخلية تبعد على الأقل 500 كيلومتر عن حدود أي دولة مجاورة، باستثناء موقع بوشهر النووي على الخليج، والذي -حسب المعطيات- تم إخلاؤه سابقاً من أية نشاطات أو تجهيزات ذات طابع نووي.
لناحية استهداف المواقع النووية الإيرانية (أراك أو نطنز أو فوردو) عبر الاتجاه الأول، أي من فوق الأجواء الإيرانية، فإن القاذفات "الإسرائيلية" ــ الأمريكية الصنع، والتي ستكون (F35) مبدئياً، قادرة –نظرياً- على تنفيذ الغارة الجوية دون الحاجة للتزود بالوقود قبل التنفيذ، الأمر الذي يمكن لها القيام به عند عودتها، ومن طائرة أمريكية، فوق كردستان العراق أو فوق الشرق السوري المحتل، حيث هناك حركة متواصلة للطيران الأمريكي.
انطلاقاً مما ذكر، وبمعزل عن وجود إمكانية كبيرة لنجاح منظومات الدفاع الجوي الإيرانية المتطورة -المعلن عنها أو التي هي غامضة حتى الآن- في إفشال الاعتداء الجوي "الإسرائيلي" المرتقب على المواقع النووية الإيرانية، لن يكون هناك أي معنى جدي بتاتاً لأي تدريب على تزويد القاذفات "الإسرائيلية" بالوقود جواً، وإعطائه بعداً مهمّاً كعنوان لمناورة جوية مشتركة؛ لأنه ممكن ميدانياً وتقنياً بسهولة؛ كونه من بديهيات وأسس إمكانيات وقدرات ومميزات قاذفات الجيل الخامس وطائرات التزود بالوقود الأمريكية.
يبقى الأمر من ضمن التهويل الإعلامي المرتبط بالحرب النفسية التي دأبت الإدارة الأمريكية على تنفيذها ضد إيران، مباشرة أو بواسطة حليفتها "إسرائيل"، وبهدف الضغط المتواصل على طهران لدفعها إلى التنازل والرضوخ في مفاوضات العودة الأمريكية للاتفاق النووي، وحيث فشلت حتى الآن كل محاولات واشنطن المباشرة وغير المباشرة في لي ذراع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحاول اليوم عبر الإيحاء الخادع بأنها تخلت عن تحفظها ومعارضتها العملية الجوية "الإسرائيلية" لاستهداف المواقع النووية الإيرانية، وأنها مستعدة اليوم لمشاركة "تل أبيب" في هذا العدوان.
أخيراً، وبمطلق الأحوال المتعلقة بصعوبة تنفيذ استهداف ناجح لمواقع إيران النووية مهما كانت الأسباب، تبقى تداعيات هكذا عدوان على الكيان برمته، وعلى كل القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، وعلى أي دولة مجاورة تتواطأ لتقديم دعم مناسب لهذه العملية، تبقى هذه التداعيات ضخمة ومهولة وخطيرة، لدرجة تُبعد القيمين على هذا القرار عن اتخاذه في اللحظات الأخيرة.
المصدر شارل أبي نادر
زيارة جميع مقالات: شارل أبي نادر