شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
صحيح أن أمين عام حزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، أشار قبل أيام إلى أن إنجاز تعيين الحدود البحرية لم يتحقق نهائياً حتى الآن، وأن هناك مراحل لم تكتمل، ومن الضروري أن يمر بها لكي نستطيع القول إنه أنجز، وأنه كان يتكلم من باب الحرص الشديد على أن يكون هذا الإنجاز قد مرّ بكافة المطبات، وخاصة السياسية المعني بها العدو الصهيوني، والذي لا يمكن أن نأمن له إلا بعد أن يتم التصديق النهائي على الاتفاق من قبل كل مؤسساته السياسية والدستورية؛ ولكن سماحته أيضاً تكلم وبكل فخر وبكل ثقة عن هذا الإنجاز.
هذه الثقة مردّها إلى أن القدرات والإمكانيات التي أوصلت إلى فرض هذا الاتفاق على العدو ما زالت موجودة وثابتة، وربما تكون أوسع وأكبر فيما لو تملص العدو في الساعة الأخيرة من توقيعه على الاتفاق.
هذه الثقة لمسها كل المتابعين الجديين في المرحلة الأخيرة التي سبقت إعلان موافقة الطرفين، الحكومة اللبنانية وحكومة العدو، وذلك عندما لم يعطِ لبنان اهتماماً كبيراً لرفض العدو آخر صيغة تعديل طلبها، معتبراً أن العدو سيعود ويلتزم ويسهل الطلبات اللبنانية حكماً؛ لأن المعطيات التي دفعته أساساً للسير بخطوط هذا الاتفاق ما زالت هي نفسها، والتي يمكن تحديدها بثلاثة عناوين رئيسية، هي:
- الضغط الغربي وخاصة الأمريكي لإنجاز "الاتفاق"، بسبب الحاجة العالمية الغربية اليوم لمصدر ولو بنسبة غير كبيرة، كبديل للغاز وللطاقة الروسية، وشرق المتوسط يمكن أن يؤمّن هذه النسبة إذا تسهل العمل والاستخراج من سواحل فلسطين المحتلة ولاحقاً من سواحل لبنان.
- حاجة "إسرائيل" إلى مصدر تمويل بمليارات الدولارات، يمكن أن يؤمّنها لها هذا الاتفاق بعد البدء بالاستخراج، وحاجة لبنان القصوى والماسة أيضاً إلى مصدر تمويل بالدولار، حتى ولو لم يكن فورياً؛ ولكن الاتفاق سيؤمّن له مستوى معيناً من الثقة المالية أمام صندوق النقد الدولي وأمام بعض الدول التي أعلنت استعدادها لإقراض أو مساعدة لبنان مالياً، وربما قد يؤمّن له مبالغ مسبقة من الشركات المعنية وخاصة "توتال".
- الردع اللبناني، وهنا بيت القصيد في إلزام العدو على السير بالاتفاق والابتعاد عن تداعيات عدم السير به، أي عن المواجهة الواسعة التي كانت حتماً ستندلع فيما لو لم يلتزم وبكل بساطة بـ"معادلة كاريش وما بعد بعد كاريش"، أو إذا ذهب نحو استخراج الغاز من أي نقطة بحرية على سواحل فلسطين المحتلة دون أن يتمكن لبنان من استخراج الطاقة من مياهه البحرية.
ما حققناه اليوم كلبنانيين جميعاً -فيما لو اعتبرنا أن الاتفاق أنجز نهائياً ورسمياً- يمكن أيضا الإشارة إليه بالتالي:
- الموضوع المالي والاقتصادي، وتمت الإشارة إليه أعلاه، وحاجتنا لعائدات الاستخراج أو التعاقد مع شركات عالمية موثوقة ومحترفة، يعطي لبنان فرصة للخروج من أزمته الحالية، وتأثيرات ذلك الإيجابية قد تمتد إلى الوضعين الاجتماعي والسياسي في أكثر من ناحية. والأهم في الموضوع أيضاً، أن الاتفاق يسمح للبنان بالسير في مشاريع الاستخراج من كامل بلوكاته البحرية، الأمر الذي كان ممنوعاً برعاية وتوجيه من واشنطن، بعد أن كانت قد ربطته بوجوب إنهاء الترسيم مع العدو.
- الإنجاز السياسي المزدوج: أولاً: في إدارة المفاوضات بروحية مسؤولة وبمعنويات مرتفعة وثقة غير مسبوقة، في ظل شبه انهيار مالي وسياسي داخلي، وثانياً: في إظهار وحدة غير متوقعة بين أركان السلطة السياسية، نظراً لاختلاف مواقفهم في أكثر من ناحية سياسية داخلية أو خارجية، الأمر الذي أعطى لبنان بارقة أمل بأن الاتفاق السياسي الجامع والذي سيكون دائماً لمصلحة لبنان -كل لبنان- هو وارد وممكن وغير مستحيل مستقبلاً، وخاصة في الملفات المصيرية التي تؤثر على الأمن الاقتصادي والاجتماعي والقومي في لبنان، مثل ملف الثروة المائية.
- الإنجاز الاستراتيجي: تمثل وبكل موضوعية في تمكن لبنان -عبر قدرات الردع لدى المقاومة- من مقاربة ملف تفاوضي غير مباشر مع العدو المدعوم أمريكياً بشكل كامل، مع استبعاد دوره كوسيط بتاتاً، حيث استطاع لبنان أن يفرض مطالبه وبشكل شبه كامل من الند للند، على عدو لم يتعود أن يقف هذا الموقف المتوازن إذا لم نقل الضعيف.
فريق التفاوض، والسلطة السياسية التي رعته، وخاصة فخامة رئيس الجمهورية، توصلا لفرض صياغة بنود ونقاط متينة وواضحة وقوية لمصلحة حماية حقوق لبنان والتزاماته الثابتة في الصراع ضد العدو، خاصة في النقاط التي حاول العدو مراراً -أثناء التفاوض- إبقاءها مغلّفة بثغرة يمكن له الدخول منها لاحقاً في محاولات إدخال شبهة التطبيع: الاقتصادي لناحية محاولته خلق رابط مالي مباشر في عائدات حقل قانا، الأمر الذي رفضه لبنان ونجح، وفي محاولاته الفاشلة أيضاً لخلق ما يشبه التطبيع الأمني لاحقا، عبر طلبه تثبيت خط الطفافات الفاصل بين مناطق الاستخراج والتواجد الاقتصادي حتى البر، واعتباره رسمياً، الأمر الذي رفضه لبنان ونجح أيضاً، وفشل العدو أيضاً في محاولة خلق منطقة أمنية على الحدود تجمع البر مع مدخل المياه الإقليمية اللبنانية باتجاه الغرب، وذلك انطلاقا من منطقة الناقورة وبالتحديد من نقطة التحفظ البرية (النقطة: ب1) والتي هي نقطة خلاف رئيسية مع العدو.
ويبقى الأهم في الموضوع أن هذا الإنجاز ليس بمثابة صفقة مالية وتنتهي، بل هو مسار طويل من العمل الدقيق والحساس، يتطلب جهوداً إدارية وسياسية لمواكبته، وجهوداً أمنية وعسكرية لحمايته، خاصة أن لبنان ما زال وبقوة منخرطاً في الصراع ضد العدو وبالمواجهة الأساسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبالأراضي التي يحتلها العدو في لبنان وسورية وفلسطين، وهذا الصراع يبقى حساساً ودقيقاً وحاملاً كل أنواع المفاجآت العسكرية والميدانية، والتي تتطلب جهوزية متواصلة واستنفاراً بأعلى مستوى ممكن.

أترك تعليقاً

التعليقات