شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لأجل إنهاء الحرب على اليمن فليس أمام "أنصار الله" إلا القيام بمبادرة ميدانية وعسكرية جريئة -ليست بعيدة عن قدراتهم وإمكانياتهم- تقوم على تنفيذ عملية برية واسعة داخل العمق السعودي، والسيطرة على أكثر من مدينة أو بلدة سعودية، أو على منطقة مدنية واسعة، فذلك من شأنه إجبار تحالف العدوان على فك الحصار عن اليمن ووقف عدوانه وانسحاب جميع الوحدات الغريبة، الغربية أو الإقليمية.
بعد 6 سنوات من المعارك والمواجهات العنيفة دفاعاً وهجوماً، وبعد مسار متواصل من الضغط الجوي الاستثنائي الذي نفذه على أهداف مدنية وعسكرية، والذي لم يوفر فيه حجراً ولا بشراً، يبحث تحالف العدوان على اليمن اليوم جاهداً عن مخرج من الورطة التي أدخل نفسه فيها في تلك الحرب.
وفيما يفشل التحالف حتى الآن، وبمساعدة أغلب الذين دعموه في العدوان، في الخروج من مستنقع الهزيمة، هل يمكن أن تمتد هذه الحرب إلى ما لا نهاية؟ وحيث لا يمكن الاستمرار في هذا الستاتيكو (الوضع) غير الطبيعي، كيف يمكن أن تُحسم الأمور في النهاية؟
طبعاً، ليس من باب الصدفة بتاتاً أن يصمد اليمنيون (الجيش واللجان وأنصار الله) بهذا المستوى من الثبات والتماسك، من دون خطة محكمة ومدروسة، عملوا على وضعها والالتزام بها، رغم الضغوط الضخمة التي تعرضوا لها، من كافة النواحي العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهذه الخطة التي بدأت على شكل "ردة فعل" بديهية وطبيعية يلجأ إليها كل مكوّن يتعرض للعدوان وللاستهداف، تطورت مع الوقت ومع امتداد مسار الحرب، إلى "مناورة استثنائية" طارئة، فرضتها وحددتها تطورات المعركة الميدانية والعسكرية، ووصلت إلى أن تكون "استراتيجية صادمة"، تقارع بها اليوم "حكومةُ صنعاء" وحركة "أنصار الله" دول العدوان من الإقليم والداعمة لها من الغرب، من منطلق "الند للند"، وذلك على الشكل التالي:
لناحية ردة الفعل الطبيعية الأولية، دافع بداية أبناء اليمن عن أرضهم وجبهاتهم دفاع الغريزة التي يملكها كل مكون يتعرض للخطر والاعتداء، وباللحم الحي قاتلوا تحالف عدوان مدججاً بالأسلحة والقدرات العسكرية المتطورة، وحيث كان الأخير يعتبر أن حربه لن تتجاوز بضعة أسابيع ويستسلم اليمنيون رافعين الراية ومقدمين الطاعة، لكن الحرب امتدت وتوسعت، وبدأ اليمنيون يفرضون إيقاعاً قتالياً غير عادي، بنوه بإرادة القتال والدفاع، وبقرار ثابت بالصمود والقتال حتى الرمق الأخير، وبذخيرة من تاريخ مُشرِّف في الدفاع عن الأرض والعرض والوطن.
مع تطور العمليات الميدانية، انتقل اليمنيون من الدفاع عن الجبهات الحيوية، والتي كانت أهدافاً أساسية للعدوان، مثل صنعاء والحديدة وميدي وحرض والمعابر نحو عمق صعدة والجوف، إلى التقدم نحو مواقع العدوان ومرتزقته. وبالتزامن مع هذه الحركة الهجومية التي بدأت تميز معركتهم، عملوا على خطة تطوير وتصنيع للقدرات الصاروخية والنوعية، فامتلكوا بداية ما يحتاجونه منها لدعم عملياتهم القتالية التكتيكية على الجبهات، واستفادوا منها في تحقيق بعض التوازن بمواجهة الفارق الجوي الذي يمتلكه العدوان.
اليوم، أصبحت معركة الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله" في مكان آخر، مختلف بالكامل عما كانوا عليه في بداية العدوان، إذ أصبحوا يمتلكون المبادرة، في الداخل اليمني أو في العمق السعودي، وذلك بعد أن امتلكوا منظومة مميزة من القدرات النوعية، من صواريخ باليستية ومجنحة ومن مسيرات فعالة، تمكنهم من التأثير على مسار المعركة والحرب بشكل واضح، وبالتالي فإنهم انتقلوا من موقع المتلقي المدافع الذي كان يلاحق تخفيف الضغط عليه عسكرياً وميدانياً، إلى موقع القادر على فرض اتجاه المعركة الاستراتيجية داخل دول العدوان، والتأثير على حركة وتجارة النفط العالمي وليس السعودي فقط، وذلك بعد استهدافه الدقيق والناجح لأغلب المرافق النفطية الحيوية في شرق أو غرب أو شمال المملكة السعودية. 
النقطة الفاصلة اليوم كما يبدو في المعركة، والتي سوف تحسم الحرب بعد أن تنتهي، هي معركة مأرب، والتي يحمل تحريرها أهمية كبرى، على كافة الأصعدة العسكرية والشعبية والاقتصادية والاستراتيجية.
ففي الوقت الذي تحمل فيه معركة تحرير محافظة مأرب (المدينة والمديريات التابعة لها) لـ"حكومةُ صنعاء" ولـ"أنصار الله" أهمية كبرى، فإنها في الوقت نفسه أيضاً تعتبر بالنسبة لتحالف العدوان ولداعميه مسألة حياة أو موت، فهؤلاء كما يبدو يدافعون عن مأرب بشراسة منقطعة النظير، ليس فقط على الصعيد العسكري حيث ينفذون قصفاً جوياً عنيفاً على حدود مأرب وفي عمق مناطق سيطرة "حكومةُ صنعاء" و"أنصار الله"، بل وعلى الصعيد السياسي، إقليمياً ودولياً، وأيضاً على صعيد تدخل الأمم المتحدة متذرعة بالجانب الإنساني لمنع تحرير مأرب.
أمام هذا الموقف المعقد اليوم، ميدانياً وعسكرياً وسياسياً، وأمام موقف المجتمع الدولي المعارض لتحرير مأرب، ولأجل إنهاء الحرب على اليمن، فإنه لم يعد أمام "أنصار الله" إلا القيام بمبادرة ميدانية وعسكرية جريئة، ليست بعيدة عن قدرتهم وإمكانياتهم، حيث خاضوا وبنجاح الكثير من العمليات اللافتة بجرأتها وحساسيتها وخطورتها، في الداخل اليمني وفي داخل أو على الحدود الشمالية مع السعودية، وهذه المبادرة تقوم على التالي:
تنفيذ عملية برية واسعة داخل العمق السعودي، في واحدة أو أكثر من مناطق جيزان أو عسير أو نجران، والسيطرة على أكثر من مدينة أو بلدة سعودية، أو على منطقة مدنية واسعة، وفرض الحل العادل والمنطقي والمناسب، لناحية فك الحصار عن اليمن ووقف العدوان وانسحاب جميع الوحدات الغريبة، الغربية أو الإقليمية، وإرغام كل الأطراف على الجلوس إلى طاولة مفاوضات والعمل على إيجاد تسوية سياسية تحفظ حقوق جميع المكونات اليمنية بشكل عادل.


محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات