شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
في كلمة له في ذكرى القادة الشهداء، توجّه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الى الأمريكيين بالقول: «إذا دفعتم لبنان إلى الفوضى ‏ستخسرون في لبنان وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة. عندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي ‏تؤلمنا وهي ناسنا سنمد أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل.. من يُريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منّا ما لا يخطر له في ‏بالٍ أو وهم، وإن غداً لناظره قريب». وبذلك، فإن السيّد قد أرسى معادلة جديدة وصادمة بوجه من يضع في رأس سلّم مخططاته تعميم الفوضى في لبنان لتنفيذ أجندته السياسية المشبوهة والتي عجز عن تنفيذها أمنياً وعسكرياً، فعلى ماذا تقوم هذه المعادلة الجديدة؟
استراتيجية الفوضى هي استراتيجية أمريكية غير جديدة، بل هي استراتيجية الحروب المركّبة، من الحرب الناعمة إلى الحرب النفسية والاقتصادية والحرب الهجينة، هدفها زرع الفوضى في أغلب مناطق العالم، التي تكون سلطاتها في موقع غير الخاضع لأمريكا، لكي تصبح خاضعة لها. وتمارس هذه الاستراتيجية على مراحل متوالية ومتواصلة، مستغلّة نقاط الضعف في المناطق أو الدول المستهدفة بها، وهي نقاط موجودة أساساً في هذه الدول، إضافة الى نقاط أخرى تخلقها واشنطن من ضمن ممارسة هذه الاستراتيجية، وتقوم بممارستها بشكل واسع جغرافيا من إيران إلى لبنان والعراق وسوريا إلى أغلب مناطق ودول شرق آسيا، وإلى دول شرق أوروبا ودول أمريكا الوسطى والجنوبية وخاصة في كوبا وفنزويلا وغيرهما.
بالنسبة للبنان، حيث تمحورت معادلة السيد الجديدة، فقد جاءت هذه المعادلة في توقيت حساس اختارته واشنطن لرفع منسوب ضغوطها على لبنان، بالتزامن مع عدة نقاط حساسة وهي:
- هناك استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، والمتعثر بدفع وضغط وتحريض من واشنطن طبعاً بهدف الإتيان برئيس معاد للمقاومة. وهذا الاستحقاق المهم لإعادة إطلاق عجلة تكوين السلطة والإدارة والقضاء في لبنان، يتزامن مع فوضى اقتصادية وحالة من عدم التوازن المالي والسياسي والاجتماعي، وصل إليه البلد على خلفية حصار خانق وضغوط اقتصادية ضخمة قادتها واشنطن بامتياز.
- أيضاً بالمقابل، في «إسرائيل» هناك مشكلة داخلية تتصاعد وتتأزم يوماً بعد يوم، بمعزل عن أسبابها إذا كانت داخلية أو خارجية، وهي بدأت تؤثر سلباً على استراتيجية واشنطن في حماية الكيان ورعايته، وتترافق هذه الحالة من عدم التوازن السياسي الداخلي في «إسرائيل»، مع خوف متنامٍ من قدرات الردع التي يملكها حزب الله، ومع خوف صهيوني متصاعد من مستوى استراتيجي متقدم، تتجه نحوه إيران بخطوات متسارعة بين مستوى تخصيب يورانيوم بدرجة مرتفعة بدأت تلامس درجة القدرة (بمعزل عن عدم الرغبة) على تصنيع قنبلة نووية، وبين مستوى من الأسلحة التقليدية النوعية تفرض نفسها وفعاليتها على الصعيد العالمي، وخاصة في الحرب في أوكرانيا وتحديداً المسيّرات الهجومية والانتحارية.
كل ذلك خلق توقيتاً حساساً وخطيراً، دفع الأمريكيين للعمل سريعاً لرفع مستوى الفوضى في لبنان إلى ما يشبه الانفجار، وبتصويب واضح لتركيز الأنظار محلياً وإقليمياً ودولياً إلى مسؤولية حزب الله عن هذا الانفجار الاجتماعي -الاقتصادي المدروس والمخطط له أمريكياً.
مشروعيّة التهديد الذي ضمَّنه السيد في معادلته هذه تقوم على أن استهداف «إسرائيل» عسكرياً، أو بأي طريقة أمنية أخرى، يأتي من باب الرد المشروع أو الدفاع ضد الهجوم الذي يتعرض له لبنان عبر حرب اقتصادية مالية اجتماعية، أهدافها بالكامل لخدمة «إسرائيل»، حيث لبّ هذه الاستراتيجية لإخضاع لبنان وفرض انسحابه من مواجهة الكيان المحتل ودفعه نحو تسوية سياسية مذلّة غير بعيدة عن التطبيع الذي وصلت إليه «إسرائيل» مع بعض الدول العربية. تقوم هذه المعادلة على الخطوط التالية:
سلاح الضغط والحصار يقابله سلاح الردع، والسلاح الغادر المخفي تحت أقنعة مختلفة اقتصادية ومالية وسياسية، يقابله سلاح واضح وحاسم وصادق وصارم، وهو سلاح الردع الذي قد يتحول إلى سلاح هجوم استباقي دفاعاً عن لبنان ولحمايته من الانهيار.
وليكون الرابط أيضاً بين معادلة السيد وبين الغاز الذي بدأت «إسرائيل» تستفيد منه، بعد تسوية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان باختيار نقطتين حسّاستين، وهما:
- أنه لا أمان اقتصاديّاً واجتماعيّاً لـ«إسرائيل»، بوجود الفوضى التي يعمل الأمريكيون لأن تكون قاتلة وفاصلة في لبنان، ولتكون إشارة السيد إلى كاريش تحديداً، حيث قد تكون باكورة تنفيذ هذه المعادلة، لمنع «إسرائيل» من الاستفادة في الوقت الذي يتعرض لبنان لاستهداف مالي واقتصادي خدمة لـ«إسرائيل»، بقصد إزاحة الطرف الممانع والمقاوم، وهنا يظهر الهدف الرئيسي من هذه المعادلة لمنع الوصول إلى هذه المرحلة.
- أهمية تصدير الغاز من مياه فلسطين المحتلة اليوم تتجاوز الاستفادة «الإسرائيلية» لتكون مهمة جداً للغرب في توقيت حساس مرتبط بالحرب في أوكرانيا، ولأنه كان من أهداف الضغط الغربي على «إسرائيل»، ولكي تسير بتسوية الترسيم البحري، حيث حصل لبنان على كل ما طلبه، هو زيادة مصادر طاقة بديلة عن الطاقة الروسية للغرب، وخاصة للدول الأوروبية المنخرطة بالكامل في مواجهة روسيا.
وليكون أخيراً، الرابط الوجداني الأساسي لطرح السيد معادلته هذه بمواجهة الفوضى الأمريكية في لبنان، في مناسبة ذكرى الشهداء القادة هو أن أهداف هذه الشهادة أو أثمانها الغالية كانت تحرير لبنان وحمايته من الاحتلال الصهيوني، وحمايته من كل خطر خارجي وخاصة من الإرهاب، وضمان عيش كريم وآمن للبنان ضماناً لحمايته من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية والانهيار القاتل، والذي لن تكون تداعياته أقل تأثيراً لو حصلت من الحروب والاعتداءات المختلفة التي شنتها «إسرائيل» عليه.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات