شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -

من الملاحظ مؤخرا أن الإنجازات الميدانية والصاروخية للجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات أنصار الله، تتسابق وتنافس بعضها بعضا في معركة الدفاع ضد العدوان، وحيث تأخذ أغلبها أبعادا استراتيجية، لِما لنتائجها من تأثيرات أساسية ومهمة في المعركة، فيما خص ما يتحقق منها داخل اليمن (تحرير معسكر ماس والاستهداف الأخير لمعسكر تداوين) أو ما يتحقق منها خارج اليمن شمالا (استهداف أرامكو جدة بقدس 2 المجنح). ويأتي الإنجاز الأخير والمتمثل باستهداف غرفة العمليات المشتركة لتحالف العدوان في معسكر تداوين شمال مأرب، ليؤسس لمرحلة ميدانية حاسمة، ستكون حتما: المرحلة الأخيرة لمهاجمة مدينة مأرب.
في الواقع، تأتي الإشارة إلى عبارة "المرحلة الأخيرة من تحرير مدينة مأرب" لتؤكد أن ما تم تحقيقه حتى الآن من إنجازات ميدانية في الوسط الشرقي من اليمن، وتحديدا بين مدينة مأرب ومفرق الجوف وشرق نهم، يأتي بأغلبه من ضمن التحضير الأساسي والضروري لتنفيذ عملية تحرير مدينة مأرب، ويمكن القول عسكريا وميدانيا، إن جميع تلك الإنجازات، والتي تحققت في معركتي "البنيان المرصوص" و"فأمكن منهم"، تشكل مراحل أساسية من عملية تحرير المدينة الاستراتيجية في وسط اليمن الشرقي (مدينة مأرب)، بالإضافة طبعا لما حققته على صعيد تحرير محافظة الجوف ونهم وقسم كبير من مأرب، أو لما حققته على صعيد تثبيت الدفاع النهائي الناجح عن مدينة صنعاء.
اليوم، ومع استهداف غرفة العمليات المشتركة لتحالف العدوان في تداوين، يمكن القول إن إشارة انطلاق المهاجمة النهائية للمدينة قد صدرت، وذلك للأسباب التالية:
1 ـ يقع معسكر تداوين في المنطقة الشمالية لمدينة مأرب وعلى بعد حوالي عشرة كيلومترات كحد أقصى، وحيث الامتداد العمراني والسكاني واضح ومتواصل بينه وبين المدينة، يمكن اعتباره عمليا، بوابة مأرب الشمالية.
2 ـ بعد سقوط معسكر ماس، والذي يشكل جغرافيا امتدادا ميدانيا لتداوين من الجهة الشمالية الغربية، أو بوابة تداوين باتجاه مفرق الجوف وطريق مأرب - صنعاء الدولية، يمكن القول إن خط الدفاع النهائي عن تداوين قد سقط، وأصبح الأخير على تماس مباشر مع وحدات الجيش واللجان وأنصار الله المنتشرة في معسكر ماس.
3 ـ أن يتم استهداف غرفة العمليات المشتركة في تداوين بشكل مباشر بصاروخ باليستي، وسقوط ضباط وجنود سعوديين، بالإضافة لبعض مرتزقة العدوان من اليمنيين أو من غيرهم، فهذا يعني عمليا أن الوحدات اليمنية (الجيش واللجان وأنصار الله) أصبحت تتحكم تحكماً كاملاً بمفاصل الدفاع الأخيرة عن مدينة مأرب، حيث استهداف غرفة العمليات الميدانية المشتركة يُفقد العدوان إمكانية القيادة والسيطرة، وأصبح من المستحيل على تحالف العدوان تنظيم دفاع فعال أو ناجح.
4 ـ الأهم في الموضوع أيضا، واستنادا لما قاله العميد يحيى سريع (المتحدث العسكري اليمني في تعليقه الأخير حول استهداف تداوين): "كل تحركات الأعداء مرصودة وستطالها قواتنا أينما كانت وحيثما وجدت بقوة الله وعونه".
إن الاقتراب من مأرب ومداخلها، والذي تحقق بعد تحرير معسكر ماس، أعطى وحدات الجيش واللجان وأنصار الله ميزة المراقبة المباشرة لمدينة مأرب، وبالتالي تصبح جميع تحركات التحالف داخل المدينة أو على مداخلها الشرقية باتجاه مفرق العبر غرب حضرموت، والجنوبية الشرقية باتجاه شبوة، مرصودة ومسيطرا عليها بنار الصواريخ الباليستية، والتي أثبتت مؤخرا فاعلية غير مسبوقة، في التوجيه وفي تركيز الإصابة المباشرة لأي هدف تختاره.
من هنا، وبعد فقدان التحالف غرفة عملياته المشتركة في تداوين، ومع تصاعد ضغط المهاجمين واقترابهم من المدينة، أصبح من الصعوبة على تحالف العدوان تأمين بديل مناسب لغرفة عمليات أخرى، لتأمين التنسيق والقيادة والسيطرة في عملية المدافعة الأخيرة عن المدينة، الأمر الذي يحرم وحداته المنتشرة على خط الدفاع الأخير عن مأرب، من الإمرة والقيادة الضرورية لإدارة القتال والدعم والمساندة.
ومن جهة أخرى، ومع التقدم الناجح والثابت لوحدات الجيش واللجان وأنصار الله نحو مداخل المدينة، من الشمال والشمال الغربي، من اتجاه وادي الميل أو من اتجاه طريق "صنعاء ـ مأرب" الرئيسة، ومع إمكانية قيام الوحدات المهاجمة (وحدات صنعاء) بفتح محور مهاجمة إضافي غرب مدينة مأرب مباشرة، أي على امتداد طريق صنعاء ـ صرواح ـ مأرب، فإن هذا يزيد ويضاعف الضغوط على تحالف العدوان ومرتزقته في الدفاع عن المدينة.
مع كل ذلك، يمكن القول إن مرحلة المهاجمة الأخيرة لتحرير مدينة مأرب قد أنجزت بشكل نهائي، وأن وحدات الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله أصبحت قاب قوسين من انتزاع المدينة الأهم من يد تحالف العدوان على اليمن، وبالتالي سيفقد الأخير في ذلك آخر فرصة كان يمكن أن تؤمن له إمكانية استمراره في العدوان.
*   محلل عسكري واستراتيجي لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات