شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لاعتباراتٍ أمنية وبسبب خشيتها من تسريب معلومات تكنولوجية، لن تسمح وزارة الحرب الأمريكية والأجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة لطياري سلاح الجو "الإسرائيلي" التابع لجيش الاحتلال الذين يحملون جواز سفر أجنبيا بالتحليق بطائرات "إف 35".
في الظاهر، كان الأمر ليبدو عادياً وشبه طبيعي لو أن واشنطن تشددت في منع الطيارين "الإسرائيليين" من قيادة القاذفة "إف 35" لنفس الأسباب التي تتحفظ اليوم أغلب الدول التي تملك هذه القاذفة المشهورة عالمياً وعلى تنفيذ طلعات جوية بها، وهي وجود ثغرات جدية في بنيتها التقنية، حيث سقط منها حتى الآن ولأسباب تقنية أكثر من 12 قاذفة (بحسب العدد المعلن فقط)، مع وحدات الجو الأمريكية أو مع حلفائها من الدول الأخرى، مثل اليابان وبريطانيا وغيرهما.
من جهة أخرى، كان الأمر أيضاً سيبدو عادياً لو أن هذا المنع حصل على خلفية تقنية أخرى ذكرها مؤخراً موقع "ديفنس نيوز"، في تقرير خاص بأنّ "18 طائرة حربية أمريكية من طراز إف 35، تم تصنيعها في الصيف الماضي، رُكنت في مصنع القوة الجوية رقم 4 التابع لشركة لوكهيد مارتن، بدلاً من إرسالها إلى القواعد العسكرية".
وأشار الموقع في تقريره إلى أنّ "البنتاغون أوقف تسليم الطائرة، في شهر آب/ أغسطس تحديداً، بعد أن أخبرت شركة هونيويل المصنعة لمكون المحرك الرئيسي في الطائرة، شركة لوكهيد، أنّ لديها مخاوف جديدة بشأن مصدر قطعة واحدة من الطائرة"، وهو أنّ مغناطيساً يُستخدم في صنع مكونات الطائرة قد تم تصنيعه باستخدام مواد خام مصدرها الصين، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً لقواعد الصادرات الفيدرالية.
ولكن هذا كله لم يكن فعلاً وراء هذا المنع الأمريكي "الغريب"، ليتبين أن السبب الحقيقي في التدخل الأمريكي مع قيادات الكيان الصهيوني هو "أمني مخابراتي"، إذ تخشى واشنطن تسريب معلومات تكنولوجية عن القاذفة المذكورة من قبل الطيارين "الإسرائيليين" أصحاب جواز السفر الأجنبي.
في الواقع، نتكلم هنا عن أمر حساس يتجاوز موضوع تسريب المعلومات التكنولوجية رغم أهميته، إنه موضوع اهتزاز الثقة بين واشنطن و"تل أبيب" الذي بدأ مؤخراً، وعلى خلفيات متعددة منها العلاقة "الإسرائيلية" مع الصين وخاصة الاقتصادية، ومنها أيضاً الموقف "الإسرائيلي" الغامض (بالنسبة لواشنطن) من الحرب في أوكرانيا، وتحديداً في عدم اتخاذ "تل أبيب" موقفاً صريحاً وواضحاً ضد موسكو.
طبعاً، أزمة الثقة هذه يمكن أن تتصاعد أكثر فأكثر على خلفية علاقة "إسرائيل" مع الصين ومع روسيا، حيث الاشتباك الاستراتيجي وصل مؤخراً إلى نسبة مرتفعة جدا من التوتر والخطورة بين واشنطن وكل من موسكو وبكين، ولكن تبقى الخطورة والحساسية بالنسبة لعلاقة "إسرائيل" التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية في مكان آخر، وهي أن تفقد واشنطن ثقتها في أمرين:
أولاً: ألا تكون الأجهزة الأمنية والمخابراتية الصهيونية قادرة على اختيار طيارين "إسرائيليين آمنين"، بالمعنى المخابراتي، بحيث لا يكونون موضع شكوك لناحية التزامهم بمهمتهم العسكرية أو لناحية وجود ارتباط ما بينهم وبين أجهزة مخابرات دول جنسيتهم الأولى، وخاصة الطيارين الذين يقودون قاذفة استراتيجية من الجيل الخامس مثل "إف 35"، تملك إمكانيات متفوقة وقدرات مدمرة ومؤثرة جدا، وبالأخص تملك ميزة تتفوق فيها على كل القاذفات العالمية من الجيل الخامس وهي خوذة الطيار، حيث لا تجد مثيلها في الطائرات الأخرى وال تي يصل سعرها إلى 400 ألف دولار!
وتمكن هذه الخوذة باهظة الثمن الطيار من رؤية الأرض من الأسفل، بل رؤية كل الاتجاهات دون أن يعوق رؤيته أي جزء من الطائرة.
ثانياً: من ضمن أسباب فقدان ثقة واشنطن بـ"إسرائيل" أيضاً، أن فلسفة نشوء الكيان تقوم على يهودية "إسرائيل" وهجرة اليهود والاستيطان في فلسطين المحتلة، فكيف يمكن -وبحسب النظرة الأمريكية المفترضة- أن يستمر هذا الكيان ويصمد على احتلاله لفلسطين المحتلة بوجود شكوك جدية في التزام بعض هؤلاء اليهود بـ"دولة إسرائيل" وبحماية استراتيجيتها العسكرية؟
من هنا يمكن الإضاءة على عنصر آخر من بين عناصر "بدء تزعزع الكيان الصهيوني"، حيث الانقسامات السياسية المتعاظمة، وحيث الفساد المستشري داخل الجيش الذي يبقى خط الدفاع الأول والأخير عن استمرار الاحتلال، وحيث أيضاً يعاني الكيان جدياً من تطور وتزايد إمكانيات وقدرات أطراف محور المقاومة وخاصة داخل فلسطين المحتلة، وهذا العنصر الذي ربما يكون الأكثر تأثيراً على إمكانية استمرار الكيان، وهو فقدان الثقة بينه وبين الراعي والحامي والداعم الأول لهذا الكيان: الولايات المتحدة الأمريكية.

أترك تعليقاً

التعليقات