شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -

بسبب اغتيال الحاج قاسم سليماني تتزايد يوماً بعد يوم إمكانية استهداف الوحدات الأمريكية في المنطقة والضغط الجدي لإخراجها، ومن خلال ذلك، سيتحقق الاستهداف الجدي للأمن القومي الأمريكي.
عندما اتّخذ الأمريكيون، وتحديداً الرئيس دونالد ترامب شخصياً، منذ عام تقريباً، بدفع ومتابعة مباشرة من بنيامين نتنياهو، قرار اغتيال الحاج قاسم سليماني ورفيق دربه الحاج أبو مهدي المهندس، كان الهدف المعلن (الادعاء الكاذب) هو منع مناورة استباقية يخطّط لها الحاج قاسم لاستهداف الوحدات الأمريكية، وحماية الأمن القومي الأمريكي (التبرير الجاهز دائماً لتغطية مروحة الاعتداءات الأمريكيّة عبر العالم).
عملياً، كان الهدف الفعلي لهذا الاغتيال هو وقف مسار تصاعد قوة محور المقاومة وقدراته، عبر إزاحة قائد قوة القدس والمدير العملاني لمناورة المحور المذكور في مواجهة الأمريكيين والصهاينة والإرهاب المنبثق من الطرفين (داعش وملحقاته).
اليوم، وبعد مرور عام على الاغتيال، وبسببه إجمالاً، تتزايد يوماً بعد يوم فرص وإمكانية تحقيق الهدف الأول (المعلن) من جهة، وهو استهداف الوحدات الأمريكية في المنطقة والضغط الجدي لإخراجها، ومن خلال ذلك، سيتحقق عبر هذا الانسحاب بعد اكتماله الاستهداف الجدي للأمن القومي الأمريكي، عبر إخراجها بالقوة وتوجيه صفعة لاستراتيجيتها، والتي هدفت إلى تفتيت دول محور المقاومة ودفعها نحو الاستسلام أمام حركة التطبيع مع «إسرائيل».
من جهة ثانية، كان كلام مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عن أن إيران أصبحت أقوى بعد اغتيال سليماني، كافياً لتبيان فشل عملية الاغتيال في وقف تصاعد قدرات محور المقاومة، ما تضمنه مؤخراً التقدير الاستراتيجي السنوي الصادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي»، والذي احتوى خلاصات وتوصيات بشأن السياسات التي يجب اتباعها خلال العام 2021، وتحذيرات من استمرار ما حصل العام الماضي من «تدهور في ميزان الأمن القومي الإسرائيلي»، وذلك على عدة مستويات، أهمها «استمرار التآكل في التفوق النوعي الإسرائيلي مقابل إيران التي تتقدم بمشروع دقة الصواريخ وتحررها من حظر الأسلحة المتطورة».
بعد هذا الاغتيال، لا يمكن لأي متابع موضوعي إلا أن يكتشف أن مسار تطوّر قوة وقدرات محور المقاومة تصاعدت أكثر وأكثر، وأن نقاط قوة أطرافه وفصائله تزايدت بشكل لم يعد الأمريكيون والصهاينة يملكون معه القدرة على اللحاق بهذا المسار وضبط حركة تصاعده، وذلك على الشكل التالي:
1- في اليمن، تتزايد -وبشكل واضح ولافت- المناطق التي تحررها وحدات الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله، وتتضاعف أكثر قدراتهم النوعية، وبشكل صادم لتحالف العدوان ولداعميه، من صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيّرة ومنظومات دفاع جوي، والتي بدأت تصيب مقتلاً في أحدث الطائرات الصينية والأمريكية. وأصبح اليمن اليوم يشكل أرضية مناسبة وفعالة كنقطة ارتكاز استراتيجية على البحر الأحمر لاستهداف عمق الأراضي المحتلة في فلسطين أو لاستهداف حركة العدو البحرية نحو الشرق والخليج.
2- في فلسطين المحتلة -وتحديداً في غزة- اشتركت أغلب فصائل المقاومة في مناورة جامعة فاجأت «إسرائيل» واعتبرتها استثنائية ومثيرة للاهتمام والمتابعة الجدية، حيث ظهرت فيها نماذج جديدة من القدرات النوعية الصاروخية والمسيّرات، ومن تكتيكات المواجهة والقتال المتقارب. هذه الفصائل، كما يبدو، على الطريق إلى التوحد في التوجه والرؤية الوطنية السياسية أيضاً.
3- في لبنان، «إسرائيل» ثابتة في استراتيجية الوقوف «على إجر ونص»، وصواريخ المقاومة، باعتراف «الإسرائيليين» قبل غيرهم، تضاعفت في مستوى الدقة والفاعلية والعدد، بشكل لم يعد هناك إمكانية لاحتوائها أو ضبطها، والتقرير الاستراتيجي للعدو المشار إليه أعلاه تطرق بكل جدية وحساسية إلى هذه القدرات.
4- أما العراق، الذي ضغطوا عليه واعتبروه نقطة الضعف بين دول محور المقاومة، فقد قال كلمته الشعبية والنيابية، حيث تتراكم المطالبات والضغوط لفرض الانسحاب الأمريكي، ولم يعد هناك إمكانية بعد اليوم، كما يبدو، لأن تعود الوحدات العسكرية الأمريكية إلى سابق حركتها العادية، وهي تعيش في توتر واستنفار متواصل منذ عملية الاغتيال حتى اليوم على صعيد انتقال وحداتها داخل العراق أو فيما يتعلق بأمن السفارة الهش والمعرض دائماً للاستهدافات الخطيرة.
5- إيران اليوم، وبعد عام على الاغتيال، ثابتة على مواقفها أكثر وأكثر. وبعد أن أعادت الكرة إلى ملعب أغلب الدول الموقعة على الاتفاق النووي معها، عبر رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وإعادة إطلاق برنامجها النووي تبعاً لمصلحتها الاستراتيجية، كما تنفذ اليوم، وعلى صعيد الأسلحة الأربعة التي لديها، في البر والجو والبحر والدفاع الجوي، مناورة واسعة وغير مسبوقة في الطائرات المسيرة، تشمل جميع أنواع ونماذج هذا السلاح الأكثر فاعلية في الحروب الحديثة، من مسيرات قاذفة أو مقاتلة أو انتحارية أو مسيرات خاصة بالحرب الإلكترونية والسيبرانية.
في النّهاية، يكفي ما يجري في الداخل الأمريكي لناحية الهجوم «الترامبي» على مبنى الكونغرس، والتصرّف البلطجي من الرئيس ترامب ومؤيديه، والذي أغاظ الجمهوريين قبل الديمقراطيين، وجَلَب الخزي والعار والهزء لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ولديمقراطيتها من قِبَل أغلب دول العالم.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ من اتخذ قرار عملية الاغتيال هو الرئيس نفسه الذي انسحب بشكل اعتباطي من الاتفاق النووي، وهو نفسه أيضاً الذي جلب اليوم هذا العار إلى الداخل الأمريكي، وهو نفسه، وفي سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، الرئيس الذي يجري البحث في إقالته بشكل جدي على صعيد الإدارة الأمريكية، إذ قالت شبكة «سي بي إس» إنّ عدداً من أعضاء هذه الحكومة يبحث إمكانية استخدام التعديل رقم (25) في الدستور لعزل الرئيس دونالد ترامب من السلطة قبل العشرين من الشهر الجاري، وهو موعد تنصيب الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن.

أترك تعليقاً

التعليقات