شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
«السير على البوصلة»، هي عبارة جغرافية علمية في الأساس. هذه الأداة يستعملها من يحتاج لتحديد اتجاه سيره ليلاً أو في الصحارى أو في المحيطات الواسعة، لتكون المرجع الذي يتم الاعتماد عليه أولاً، والالتزام بما يحدده ثانياً. ولكن أن نقول إن المنطقة (والمقصود منطقة الشرق الأوسط - منطقتنا) تسير على بوصلة محور المقاومة، فكيف يمكن تفسير ذلك؟ وما هي أوجه الشبه العملية في التشبيه بما يوحيه؟
بوصلة محور المقاومة فعلياً هي قضية فلسطين المقدّسة. هي دينياً قبلة المسلمين الأولى ومسرى الرسول (المسجد الأقصى)، وهي سياسياً وعسكرياً وتاريخياً ووطنياً وقومياً قضيَّة مقاومة «إسرائيل» ومحاربتها حتى زوالها من الوجود، أو على الأقل، حتى زوالها من المنطقة، فيما لو عاد المجتمع الدولي واتفق على انتزاع أرض ما من شعب ما في بقعة أخرى من العالم ومنحها للكيان الصهيوني، من خلال زرعه عنوةً فيها وتشريد شعبها، تماماً كما حصل في فلسطين. فأن تسير المنطقة اليوم على بوصلة محور المقاومة، فهذا يعني عملياً أنَّ مشروع مواجهة «إسرائيل» وهزيمتها يتقدم وتزداد إمكانية تحققه يوماً بعد يوم، وذلك يمكن استنتاجه بكلِّ سهولة وموضوعية من خلال متابعة دقيقة لمعطيات المواجهة التي تخوضها أطراف محور المقاومة - اليوم وبالأمس. وعليه، يمكن مقاربة كلّ معركة أو مواجهة خاصّة بكل طرف وما وصلت إليه اليوم لناحية القضيّة الأم (قضية فلسطين) بحسب التالي:

لناحية إيران:
الحصار غير المسبوق تاريخياً، والضّغوط الضّخمة التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية في إيران منذ نشأة الثورة وانطلاقها، يرتبطان بشكل وثيق بموقف المرجعية الدينية والقيادات العسكرية والسياسية في إيران من القضية الفلسطينية، وأي تراجع أو تراخٍ أو تساهل في هذا الموقف، سيكون حتماً مدخلاً لوقف الحصار والضغوط الغربية والأمريكية -«الإسرائيلية» بالتحديد عنها.
أمّا في ما وصلت إليه اليوم معركة الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية، الخاصّة بها كدولة أو الخاصة بها كقائدة لمحور المقاومة، فيمكن القول إنّها انتصرت وأثبتت موقعها وموقفها بمواجهة محور كبير من الدول الغربية و»إسرائيل»، بقيادة الدولة الأقوى عالمياً (الولايات المتحدة الأمريكية). وفي مسار هذه المواجهة التي تخلّلها حصار وضغوط غير مسبوقة، تفرض إيران اليوم على الجميع احترام موقعها وحقوقها، إذ تتخبّط أغلب تلك الدول التي استهدفتها، وفي مقدمتها أمريكا، لإيجاد مخرج أو وسيلة للتراجع عن مواقفها من الاتفاق النووي أو من إلغاء العقوبات والحصار. والأهم أنَّ إيران ثَبُتت أكثر وأكثر على رؤيتها وعلى موقفها من بوصلة المحور: القضية الفلسطينية.

لناحية سورية:
إنّ الحرب الكونية التي شُنَّت على سورية قامت في أساسها لارتباط موقف الدّولة والجيش والقيادة في سورية بالقرار المساند والداعم بشراسة وقوة للقضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، إذ أفهمتها الأطراف المعتدية أن مفتاح وقف العدوان عليها يتمثل فقط، وبكلِّ سهولة، بتغيير موقفها القومي والوطني من تلك القضية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وها هي اليوم الدول المعتدية (الغربية والإقليمية) تهرع إليها متجاوزة كلّ قوانين محاصرتها (قيصر وغيره)، بعد أن رضخت لموقعها الأساسي في المنطقة والجامعة العربية. وما يشهده عملياً الملف السوري اليوم من تسوية سياسية وأمنية في الجنوب جاءت كما أرادتها الدولة السورية، وما يشهده ملفا الشمال والشرق، حيث الاحتلالات الأمريكية والتركية والإرهابية، من حراك دولي إقليمي، يوحي بأنّ سيادة الدولة السورية على الطريق لأن تكتمل على نطاق جغرافيتها التاريخية.
والأهم أيضاً في كلّ ذلك أنّ سورية تثبت وتتعمّق أكثر في التزامها التاريخي بقضية فلسطين، وبدعم من أطراف محور المقاومة في التزامهم وصراعهم في سبيل «القضية/ البوصلة» فلسطين والأقصى.

لناحية اليمن:
لقد تبيَّن، بعد مخاض ناهز 7 سنوات، أن السبب الرئيس للحرب على اليمن يتجاوز الصراعات السياسية الداخلية على السلطة والمصالح، فالعدوان جاء بسبب الموقف الوطني، وبالتحديد موقف الجيش واللجان الشعبية وحركة «أنصار الله» الداعم للقضية الفلسطينية. هذا الأمر يرتبط مباشرة بموقع اليمن الاستراتيجي والحيوي، والذي تمتلك «السلطة اليمنية» من خلاله قدرة التأثير الرئيسية في المواجهة الإقليمية.
وانطلاقاً من هذا الموقع المميز المسيطر على الموقف الاستراتيجي في أكثر منطقة حيوية من العالم، منطقة مثلث المعابر الحيوية: باب المندب - مضيق هرمز - البحر الأحمر وقناة السويس، يمكن لهذه «السلطة اليمنية» أن تؤدي دوراً مهماً في الصراع الواسع ضد «إسرائيل»، أو بمعنى آخر، عملياً، تمتلك «السلطة اليمنية» مجموعة من العناصر الأكثر أهمية في المواجهة بين محور المقاومة و»إسرائيل» وداعميها في الإقليم أو الغرب.
ولكن اليوم، وبفضل الصمود والدفاع الأسطوري لأبناء اليمن، ضاعت أهداف العدوان الذي يبحث جدياً عن مخرج مناسب من هذا المستنقع الذي أوقع نفسه فيه. والأهم أيضاً أنَّ اليمن بقواه الوطنية يثبت أنه أصبح رقماً صعباً في معادلة الصراع ضد «إسرائيل» وداعميها، وأصبحت قدراته العسكرية (النوعية والتكتيكية) يُحسب حسابها في موازين القوى الإقليمية، وبالتالي في معركة محور المقاومة على طريق بوصلته: فلسطين والأقصى.
لبنان، البلد المحاصر والمضغوط عليه سياسياً واقتصادياً بهدف إرضاخه للتطبيع والسير في مسار التسويات الموسمية مع العدو «الإسرائيلي»، وبهدف انتزاع قوته الرادعة ضد «إسرائيل» (سلاح حزب الله)، ودفعه إلى التنازل عن الموقف الداعم للقضية الفلسطينية، يستطيع اليوم، وبثباته والتزامه بموقفه وموقعه ضد العدو، أن يفرمل قطار الضغوط الدولية والإقليمية عليه. وكما يبدو، يتّجه إلى الاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي، من دون أن يتراجع قيد أنملة عن موقعه ودوره في الصراع ضد «إسرائيل»، كطرف أساسي من أطراف محور المقاومة وبوصلته: فلسطين.
المقاومة الفلسطينية في غزة أو خارجها وداخل فلسطين المحتلة تعيش ضغوطاً ضخمة في كلِّ المجالات، إضافةً إلى الظلم والتنكيل الذي يلحق بأبنائها في السجون وخارجها، وفي كلِّ البلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية، بسبب الموقف الصامد غير المتنازل عن حقوقه وقضيته المقدسة.
وعلى الرغم من كلِّ ذلك، أثبتت هذه المقاومة بقدرتها العسكرية وثباتها السياسي والوطني، وبموقعها كطرف رئيس من أطراف محور المقاومة، أنَّها عقدة العقد بمواجهة مشروع التنازل عن القضية المقدسة (فلسطين والأقصى).
وهكذا، تفرض بوصلة محور المقاومة، بأطرافه ومكوّناته وقدراته في المنطقة، مساراً ثابتاً قوياً ومؤكداً، مسار العدالة والحق والتاريخ، مسار تحرير فلسطين واستعادة الحقوق المغتصبة.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات