الإعلام والتقنية في قلب المعركة
- فهد شاكر أبو راس الأربعاء , 24 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 9:38:50 PM
- 0 تعليقات

فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
أصبحت ساحتا الإعلام والتقنية قلب المعركة المصيرية لليمن، إذ تتحول الشاشات والفضاء الإلكتروني إلى جبهات قتال لا تقل شراسة عن جبهات الميدان. في حرب شاملة تهدف إلى كسر الإرادة اليمنية، بعد أن أثبتت الصواريخ والطائرات المسيّرة عدم قدرتها على حسم المواجهة، جاءت المعركة الجديدة لاستهداف العقل والروح والذاكرة الجماعية. إنها حملة ممنهجة لتشويه الحقائق وطمس الرواية اليمنية الأصيلة، واختراق المناعة المعنوية التي صنعت الانتصارات، ما يجعل الهجوم على الإعلام اليمني هجوماً على السيادة نفسها.
إذ تسعى قوى العدوان إلى فرض روايتها الوحيدة، وإسكات الصوت الحر الذي نقل صورة الصمود إلى العالم، عبر استراتيجية عنيفة تجمع بين القصف المادي والاختناق الرقمي والقمع القانوني المزوّر. لقد شهدت صنعاء جريمة واضحة بضرب مكاتب صحفية واستهداف الصحفيين بشكل مباشر، ما أسفر عنه شهداء وجرحى بين من كانوا يحملون كاميرات وأقلاماً لا أسلحة؛ في رسالة ترهيب همجية تهدف إلى إفراغ الساحة من الشهود والرواة، وإلى خلق ظلام إعلامي يمكن من خلاله اختلاق الوقائع وترويج الأكاذيب.
ولم يتوقف العدوان عند القنابل، بل امتد إلى حصار رقمي متعمد يعرقل عمل المنصات الإعلامية المستقلة، عبر قطع الاتصالات وحجب المواقع، في محاولة يائسة لعزل اليمن عن العالم، ومنع وصول حقيقة الصمود والانتصارات. كما يتم توظيف قوانين قمعية ذات عبارات مطاطة، لسحق حرية التعبير وملاحقة أي صوت ناقد أو مختلف، محولةً القانون من درع للحقوق إلى سيف مصلت على رقاب أبناء اليمن، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية. وفي الوقت نفسه، تتحول التقنية إلى ساحة حرب خفية وخطيرة، إذ يُستخدم التقدم الرقمي كسلاح للتجسس على البيانات الحساسة ومراقبة الحركات الشخصية والمؤسسية، وكميدان لتضليل الرأي العام عبر آليات معقدة.
ويواجه اليمن تحدي الذكاء الاصطناعي المزدوج، إذ بدأت المؤسسات الإعلامية الوطنية في تبني أدواته لتعزيز الكفاءة في التلخيص والترجمة وتوليد الأصوات؛ لكن العدو يسعى لتحويل هذه التقنية إلى أداة تدمير، عبر إنتاج محتوى مزيّف عالي الجودة من أخبار كاذبة وصور وفيديوهات عميقة التزوير يصعب تمييزه، بهدف نشر الشائعات وتلوين الحقائق وزعزعة الثقة الداخلية.
وهذا التضليل العميق لا يهدف فقط إلى تشويه الأحداث الجارية، بل إلى تآكل أساس الثقة بين الجمهور والإعلام الموثوق. فحين يختلط الحقيقي بالمصنوع آلياً، يفقد الناس القدرة على التمييز، ما يهيئ الأرضية لقبول الروايات المغلوطة ويهدد التماسك الاجتماعي. لذلك فإن المعركة القادمة هي معركة وعي وحذر وتحصين تقني لا تقل أهمية عن تحصين الحدود، فالفضاء الإلكتروني أصبح ساحة للمناورة يجب السيطرة عليها.
ويتطلب الدفاع عن الرواية اليمنية يقظة استباقية وعملاً منضبطاً، بدءاً بتعزيز الأمن الرقمي كأولوية قومية عليا، إذ يجب حماية أنظمة الاتصالات والبيانات الحيوية من الاختراق بالجدية نفسها التي تُحمى بها المنشآت الاستراتيجية؛ لأن اختراق البيانات قد يكشف أسراراً تمس الأمن الوطني. ويجب تدريب الصحفيين والإعلاميين اليمنيين تدريباً متقدماً ومستمراً على أمن المعلومات وأدوات كشف المحتوى المزيف والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، بحيث يتحولون إلى جنود مسلحين بالمعرفة في مواجهة هذه الهجمات المعقدة، دون أن يتنازلوا عن دقة الخبر ومصداقيته التي هي سلاحهم الأقوى.
كما أن التوثيق الدقيق المحترف لكل انتهاك، سواء كان استهدافاً أو اعتقالاً أو حجباً، هو سلاح قانوني وأخلاقي فعال، يسجل أدلة الجريمة للتاريخ ويسلط الضوء على همجية الخصم في المحافل الدولية. والأهم من ذلك كله هو الوحدة الإعلامية والتكتل خلف الإعلام الوطني الموثوق، ورفض الانجرار وراء الشائعات أو المحتوى غير المؤكد الذي يزرع الشك والفُرقة ويفكك الجبهة الداخلية، فالقوة تكمن في الرسالة الواحدة الموحدة.
إن اليمن، الذي دحر أعتى الحملات العسكرية وأقوى التحالفات، قادر على الصمود والفوز في معركة الإعلام والتقنية؛ لكن النصر يحتاج إلى إدراك أن هذه الجبهة هي جزء لا يتجزأ من حرب الوجود، وأن الهزيمة فيها قد تهدم ما بني في ساحات القتال. لذا يجب أن تتحول كل مؤسسة إعلامية إلى حصن، وكل حساب موثوق إلى منصة صدق، وكل مواطن إلى حارس للرواية؛ لأن المعركة القادمة تُحسم في عقول الناس وقلوبهم، وفي قدرة اليمنيين على حماية سرديتهم وهويتهم وحقيقتهم في فضاء مفتوح تحاول قوى الشر أن تجعله سجناً من التضليل.
فكما انتصرت الإرادة اليمنية بالصبر والتضحيات في الميدان، ستنتصر في معركة الوعي والإعلام، بشرط أن نتعامل مع الخطر الرقمي بالجدية والاستعداد نفسيهما، وأن نرفض أن نكون ضحايا لتقنية نوجهها لخدمة قضيتنا العادلة.
إن المستقبل لليمن حراً أبياً، وسيبقى صوته عالياً وحقيقته ساطعة لا تغطيها غيوم التضليل. فهذه المعركة ليست مجرد صراع على المعلومات، بل هي صراع على الوجود والهوية وعلى الحق في رواية الحقيقة بكل شفافية وإصرار.
إن قوة اليمن تكمن في إرادته التي لا تنكسر، وحكمته التي تعرف كيف تحول التحديات إلى فرص، والأزمات إلى منصات للانطلاق نحو آفاق جديدة من الصمود والثبات. وستظل الرواية اليمنية حية في ضمير الشعب، تنتقل من جيل إلى جيل، حاملةً في طياتها قيم الحق والعدالة والحرية، التي لا يمكن لأي قوة في العالم أن تمحوها أو تشوهها.










المصدر فهد شاكر أبو راس
زيارة جميع مقالات: فهد شاكر أبو راس