فهد شاكر أبو راس

فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
زيارة المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، إلى غزة، لم تكن ضرورية أبداً حتى يدرك ترامب أن ما يحدث هناك أمرٌ مروّع ومقلق. فالحقيقة التي يعرفها الجميع أن ترامب والإدارة الأمريكية هم قادة هذه المأساة بدعمهم الكامل للأيدي الصهيونية.
السؤال الأهم الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا سيفعل ترامب لوقف هذه المجاعة المتعمدة، التي تحولت إلى حرب إبادة جماعية، يُغطيها سياسيّاً بدفاعه المُستمرّ عن «إسرائيل» في المحافل الدولية، ويُغذيها دبلوماسيّاً بعلاقاته المشبوهة معها، ويدعمها عسكريّاً بالسلاح، ويموِّلُها اقتصاديّاً بمساعداته المليارية؟!
ما قيمة زيارة ويتكوف لقطاع غزة، والتجول بين أنقاض منازلها كما لو أنه يستكشف أمراً جديداً؟! ألم تكن الصور التي تصلهم من غزة كافية لترى الإدارة الأمريكية جثث الأطفال تحت الركام؟! ألم تسمع صرخات الأُمهات الثكالى؟!
إن زيارة ويتكوف لقطاع غزة مجرد ديكور لإخفاء التواطؤ الأمريكي الصارخ. فلو أراد ترامب حقاً إنقاذ غزة لأمر بفتح المعابر، وأوقف تمويل المجزرة. لكنه يختار أن يكون شريكاً في الدم والتجويع الممنهج لأكثر من مليونَي إنسان في القطاع وتدمير المستشفيات وكل مقومات الحياة فيها.
هذه هي الحقيقة التي يعيشها أهل غزة كُلّ يوم، على مرأى ومسمع العالم. فكيف يجرؤ ترامب على التحدث عن «قلقه» إزاء ما يجري هناك، وبالوقت نفسه يوقّع صفقات السلاح الجديدة مع الكيان!
إن مهزلة «الجهود الدبلوماسية» لا تخدع أحداً من أهل غزة، الذين باتوا يعرفون جيِّداً أن واشنطن هي رأس الأفعى، وأن المساعدات الهزيلة التي تصل بالقطّارة ليست حلّاً، بل إهانة جديدة. ولسان حالهم يقول: ما قيمة شاحنتين أَو ثلاث تدخل بينما آلاف الشاحنات محتجزة بموافقة أمريكية؟! وما فائدة أكياس الأرز التي تُلقى من الجو على الجوعى كالقنابل؟! فهل سيشبع كيس أرز واحد أسرة جائعة أياماً؟!
النتائج المرعبة التي نراها اليوم في قطاع غزة، من موت وجوع وأمراض، هي بالضبط ما خطط له الأمريكي، ومعه الصهيوني. إنها حرب إبادة مكتملة الأركان، حرب تستهدف وجود الشعب الفلسطيني، حرب تذكّرنا بكل مجازر التاريخ بشاعة، ولكن بآلات قتل أكثر تطوراً، وبدعم دولي صارخ.
إن المجتمع الدولي الصامت شريك في الجريمة، وصمته صفقة مع أمريكا والكيان الصهيوني. فلو أرادوا وقف المجزرة لفعلوا؛ لكنهم يختارون الرهان على موت الضحايا، ويختارون مراقبة الكارثة الإنسانية وكأنها تجربة معملية. فأين الضمير الإنساني؟! وأين المواثيق الدولية؟! وأين حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب؟! كلها ذابت أمام المصالح السياسية والمالية.
فشركات السلاح الأمريكية تربح المليارات، واللوبي الصهيوني يتحكم في القرارات، وترامب يضمن أصوات الناخبين، وكل هذا على حساب دماء أطفال غزة، وأنقاض بيوت دُمّرت بقنابل أمريكية. فكيف لنا أن نصدق بعد هذا كله أن زيارة ويتكوف ستغير شيئاً من مأساة غزة؟!
التاريخ لن ينسى أن أمريكا هي التي أعطت الضوء الأخضر للمجرم الصهيوني في عدوانه على غزة، ولن ينسى أنها التي زودت طائراته بالقنابل، وعطلت قرارات الأمم المتحدة، ومولت المجزرة، ووفرت الحماية للمجرمين الصهاينة من المحاسبة.
لا جديد على أرض الواقع، سوى المزيد من الجثث والجوع والدمار والدموع. وزيارة ويتكوف لم توقف طائرة واحدة عن القصف، ولم تفتح معبراً واحداً، ولم تنقذ طفلاً واحداً من الموت، وكل ما فعلته هو تقديم عرض مسرحي بائس لتبرئة ساحة الإدارة الأمريكية مما يحصل في غزة.
ما يحدث في غزة ليس صراعاً سياسيّاً، بل جريمة إبادة جماعية بقيادة أمريكية وتنفيذ صهيوني. والضحايا فيها ليسوا أرقاماً، بل أطفال ونساء وشيوخ ورجال تحوّلوا إلى جثث تُدفن في مقابر جماعية بلا أسماء... هذه هي الحقيقة التي لا تحتاج إلى مبعوثين لمعاينتها، الحقيقة التي يعيشها الغزيون كُلّ يوم، وكل ساعة، وكل ثانية.
وستظل غزة شاهداً أبديّاً على وحشية أمريكا والصهاينة، وستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية.

أترك تعليقاً

التعليقات