فهد شاكر أبو راس

فهد شاكر أبو رأس / لا ميديا -
تعود المشاريع الاستعمارية الرامية إلى تمزيق الجغرافيا الفلسطينية وتفتيت إرادة شعبها إلى الواجهة مرة أخرى تحت شعارات «إعادة الإعمار» و»قوى الاستقرار»، حيث تظهر مخططات تقسيم قطاع غزة كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء حالة المقاومة.
هذه المخططات التي تقودها قوى الاحتلال بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية وتواطؤ صريح من أنظمة التطبيع العربية والإسلامية، تشكل حلقة جديدة في مسلسل طويل من المحاولات لتحقيق ما فشلت فيه الجيوش والغزوات عبر عقود من الزمن.
فتركيا التي ترفع شعارات دعم فلسطين تخفي خلفها تعاوناً اقتصادياً وأمنياً مع الكيان المحتل، حيث تكشف التقارير أن الأسواق الفلسطينية استخدمت كقناة للالتفاف على الحظر التركي الشكلي للتبادل التجاري مع «إسرائيل»، مما يفضح التناقض بين الخطاب السياسي البراق والممارسات العملية الخائنة.
أما قطر فتلعب دور الوسيط المريب الذي يخدم في النهاية مصالح المشروع الصهيوني تحت غطاء الوساطات واتفاقيات وقف إطلاق النار التي تهدف إلى نزع سلاح المقاومة، بينما يتسابق النظامان المصري والسعودي إلى التطبيع العلني مع الاحتلال في صفقة تاريخية لخيانة القضية الفلسطينية.
لا تختلف هذه الأنظمة في جوهرها عن بعضها البعض فهي تشارك في مؤامرة كبرى تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت مسميات مختلفة، حيث تسعى الخطط الأمريكية -»الإسرائيلية» إلى تقسيم القطاع إلى كيانات منفصلة تحت السيطرة العسكرية المباشرة للاحتلال، بدعم من قوى دولية تتحرك لتشكيل «قوة استقرار دولية مؤقتة» في غزة تحت القيادة الأمريكية، وهي قوة تظهر بمظهر المحايد لكن دورها الحقيقي يتجه نحو تنفيذ الأجندة «الإسرائيلية» تحت غطاء دولي من خلال تدريب قوات شرطة فلسطينية موافق عليها وحماية بنى تحتية تخدم في النهاية إعادة ترتيب الوضع لصالح الاحتلال.
وهذا المشروع التقسيمي يهدف إلى خنق المقاومة عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث تحتفظ قوات الاحتلال بمناطق واسعة تحت سيطرتها المباشرة بينما تحرم المناطق الأخرى من أبسط مقومات الحياة تحت حجة وجود المقاومة.
وفي مواجهة هذه المشاريع والتحديات، تثبت المقاومة الفلسطينية قدرة مستمرة على الصمود رغم كل محاولات الإخضاع، فهي تعلن بوضوح أنها تنوي الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة ولا تستطيع الالتزام بنزع السلاح، وهو موقف يشكل ركيزة أساسية في إفشال أي مخطط يهدف إلى نزع سلاح المقاومة وتسليم الأمن للاحتلال.
إن صمود غزة في وجه آلة الدمار الصهيونية والأنظمة المتواطئة معاً يشكل رسالة واضحة بأن إرادة الشعوب أقوى من كل مشاريع التقسيم والتطبيع، فالمقاومة التي قدمت آلاف الشهداء لن تسمح بتحويل غزة إلى مقبرة لمشاريع التطبيع والخيانة، وهي القادرة وحدها على حماية الحقوق الفلسطينية وفرض معادلات جديدة على الأرض.
لقد أصبح جلياً أن هذه الأنظمة تتشارك مع الاحتلال في هدف واحد هو القضاء على المقاومة، لكن تاريخ النضال الفلسطيني يعلمنا أن المشاريع التصفوية تتحطم دوماً على صخرة إرادة الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسام.
فالمستقبل هو لمقاومة تعرف طريقها، وتعلم أن الحق لا يُنتزع إلا بالثبات والكفاح، وأن طريق التحرير لا يمر عبر عواصم التطبيع وإنما عبر استمرار الكفاح حتى التحرير الكامل.
إن المقاومة ستظل الشعلة المتقدة التي تنير طريق التحرير حتى عودة الحقوق إلى أصحابها، وهي الدرع الذي يحمي القضية والحصن الذي يحبط المخططات، وهي القوة الوحيدة التي تستطيع أن تفرض واقعاً جديداً يليق بتضحيات الشعب وتاريخه النضالي الطويل.
المستقبل سيكون حتماً للمقاومة التي ترفض المساومة على الحقوق، وتعلم أن طريق التحرير لا يمر عبر عواصم التطبيع ولا عبر صفقات الخيانة، بل عبر البندقية والإصرار والثبات.
لقد أثبتت المقاومة عبر مسيرتها النضالية أنها القوة الوحيدة القادرة على حماية هوية الشعب الفلسطيني وصون كرامته، وهي الرقم الصعب في كل المعادلات الإقليمية والدولية، وهي الأمل الوحيد لعودة اللاجئين إلى ديارهم.
إن دماء الشهداء التي روت أرض غزة ستظل شعلة تنير الدرب للأجيال القادمة، وستبقى القضية الفلسطينية حية في ضمائر الأحرار في كل مكان، إلى أن تتحرر كل فلسطين من النهر إلى البحر.

أترك تعليقاً

التعليقات