عملية السابع من أيلول ونقلة الردع
 

فهد شاكر أبو راس

فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
أرسلت عملية السابع من أيلول/ سبتمبر العسكرية، التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في عمق الكيان الصهيوني، رسائل متعددة المستويات؛ فمحلياً تؤكد القوات المسلحة أنها لن تتراجع عن موقفها المساند لغزة مهما كانت التبعات والعواقب، وأنها تواصل تطوير أداء أسلحتها ليكون أكثر تأثيراً وفاعلية، وهو ما يعزز الثقة الداخلية ويرسخ الشرعية الشعبية للقيادة في سياق الحرب المستمرة منذ سنوات.
إقليمياً، هدفت العمليات إلى توسيع دائرة المواجهة خارج نطاق الجغرافيا الفلسطينية، ما يضع «إسرائيل» أمام جبهات متعددة، ويعزز مبدأ «الردع بالتكلفة»، حيث تستهدف العمليات البنية التحتية الاقتصادية والعسكرية للاقتصاد «الإسرائيلي»، ما يرفع تكلفة الاستمرار في العدوان على غزة.
دولياً، وجهت تحذيراً واضحاً لجميع شركات الملاحة الجوية الدولية بعدم أمان المطارات داخل فلسطين المحتلة، وأنها ستكون هدفاً مستمراً للعمليات اليمنية، ما يضع هذه الشركات أمام خيارات صعبة: إما الامتثال للتحذيرات اليمنية وإما مواجهة مخاطر مادية وتشغيلية جسيمة.
تعكس هذه العمليات تحولاً جوهرياً في مفهوم الردع الإقليمي، إذ انتقل اليمن من موقع الدفاع إلى موقع الفعل الاستراتيجي الفاعل، مستخدماً أدوات غير متماثلة لمواجهة تحالف عسكري تقليدي متفوق، وذلك من خلال توظيف التكنولوجيا المتقدمة مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي تمكنت من اختراق أنظمة الدفاع الأمريكية و»الإسرائيلية» المتطورة.
ويشكل هذا التحول نقلة نوعية في الفلسفة العسكرية اليمنية، التي لم تعد تعتمد على المواجهة المباشرة فقط، بل على استهداف المصالح الاقتصادية واللوجستية للعدو، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار الاستراتيجي للعدو ويجبره على إعادة حساباته وتبعات استمرار عدوانه.
جاءت هذه العمليات في توقيت بالغ الدقة، إذ تتزامن مع ضغوط داخلية «إسرائيلية» متصاعدة بسبب أزمة الأسرى، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإنهاء الحرب، كما ظهر في فيديو الجندي «الإسرائيلي» الأسير متان أنجليست الذي حمّل الحكومة «الإسرائيلية» مسؤولية معاناة الأسرى، ما يزيد تعقيد الموقف الداخلي لنتنياهو ويضعف قدرته على اتخاذ قرارات تصعيدية.
تكشف هذه العمليات حقيقة التحول في موازين القوى الإقليمية، إذ لم تعد الهيمنة الأمريكية و»الإسرائيلية» المطلقة على المشهد العسكري حقيقة مسلماً بها، بل أصبحت تواجه فاعلين جدداً يمتلكون إرادة استراتيجية وقدرات تكنولوجية متطورة قادرة على اختراق أنظمة الدفاع والردع التقليدية.
لقد فشلت المنظومات الاعتراضية «الإسرائيلية» والأمريكية، بما في ذلك أنظمة «القبة الحديدية» و»ثاد» وغيرهما، في التعامل مع التهديدات اليمنية، ما يشير إلى أزمة في القدرات الدفاعية التقليدية ويعكس تفوقاً نوعياً في الأداء العسكري اليمني الذي يعتمد على الابتكار والتكتيكات غير التقليدية.
القوات المسلحة اليمنية أكدت، في بيانها، أنها ستواصل تصعيد عملياتها الإسنادية حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها، ما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية التحرك العاجل لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة. كما أن التصعيد اليمني يحدث في سياق جهود دبلوماسية دولية لإنهاء الحرب، إذ اختتم وفد حماس زيارته إلى مصر للبحث عن حلول؛ لكن استمرار العمليات العسكرية اليمنية يؤكد أن المسار العسكري لا يزال قائماً بالتوازي مع المسار السياسي.
العمليات العسكرية اليمنية المُعلنة في 7 أيلول/ سبتمبر 2025 تمثل نقلة نوعية في استراتيجية الردع الإقليمي، إذ تجسد تحول القوات اليمنية وانتقالها من الدفاع إلى الهجوم، ومن الردع التقليدي إلى الردع المتصاعد القادر على إعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية. كما أنها ترسل رسائل واضحة إلى جميع الأطراف بأن اليمن أصبح لاعباً رئيسياً في المعادلة الإقليمية لا يمكن تجاهله، وأنه قادر على فرض تكاليف باهظة على الخصوم الذين يستمرون في العدوان على غزة.

أترك تعليقاً

التعليقات