شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لم يكن مفاجئاً ما أُعلِنَ عنه لناحية توقيع اتفاق سعودي - إيراني لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قريباً، برعاية مباشرة من الصين وفي عاصمتها بكين؛ لأن مسار التفاوض بين الطرفين كان قد انطلق منذ حوالى السنتين، وفي عدة جولات منفصلة في كل من العراق أو سلطنة عُمان، وتحت عناوين «أمنية» على الأقل.
أمور كثيرة ستتغير في مستوى العلاقات الإقليمية كافة في المنطقة، فيما لو تطور أكثر مسار هذه العودة للعلاقات الإيرانية - السعودية، ولو اكتمل إلى نهايته الطبيعية المتوازنة. ويبقى لهذا الإعلان -بالإضافة طبعاً لتأثيراته في أغلب ملفات المنطقة الحساسة حالياً- أثرٌ استثنائيٌ في اتجاهين: الأول هو: أن الاتفاق تم برعاية صينية، وما لذلك من تأثيرات في الموقف الأمريكي، والثاني: في انعكاساته على الكيان الصهيوني وموقف «إسرائيل» منه.
وحيث يبقى لعامل الرعاية الصينية أهميته وتأثيراته على الأمريكيين، فإننا هنا سنحاول الإضاءة تحديداً على البعد «الإسرائيلي».
فما هي بداية نقاط التقارب التي أمّنت هذه العودة؟ وما هي الملفات التي تجاوزها الطرفان أو أحدهما؟
في الواقع، هناك الكثير من الملفات الخلافية بين الدولتين الإقليميتين الأكثر حضوراً وتأثيراً في المنطقة (إيران والسعودية)، والتي من المفترض أنها قد حُلّت أو لقيت طريقها نحو التفاهم والتفهم، وقد يكون أهمها: التزام كل طرف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.
غير ذلك، هناك ملفات أخرى ربما قد تكون لقيت طريقها نحو الحل أيضاً، والتي كان من المفترض أن تكون أساساً خارج نقاط الخلاف بين الطرفين، وهي السماح لمواطني كل طرف بممارسة الشعائر الدينية، عبر تسهيل زيارتهم الأماكن الدينية الموجودة في كلا البلدين بكل حرية وأمان، حيث أماكن المقدسات والعبادة مشتركة ومتداخلة بين البلدين.
إضافة إلى أن عدة ملفات اقتصادية، وما يرتبط بها من علاقات تجارية مفيدة للطرفين، من المفترض أن تكون أيضاً قد لقيت طريقها نحو الحل. يضاف إليها طبعاً موضوع التهدئة الإعلامية، والتزام كل طرف بوقف التعرض للطرف الآخر في هذا المجال. ولكن...
يبقى الملف الأهم والأكثر حساسية وتأثيراً، والذي من الطبيعي أنه كان موضع نقاش مستفيض بين الطرفين، ومن المفترض أيضاً أن كل طرف بقي على موقعه فيه، هو ملف الصراع مع الكيان الصهيوني؛ إذ من المؤكد أن الموقف الإيراني من هذا الملف غير قابل للبحث بتاتاً، ومن الطبيعي أن نفترض أن السعودية لن تنتقل إلى جانب إيران بمواجهة «إسرائيل»، وأنها ستبقى على ضفة التقارب أو على طريق التطبيع مع الكيان.
ولكن، رغم أن الكيان يعرف ذلك جيداً، لناحية ثبات كل من الدولتين على موقفها تجاه الصراع معه، فقد كانت ردة فعله على عودة هذه العلاقات عنيفة لدرجة أن أجمعت الآراء المتضاربة والمتعارضة فيما بينها على أن الاتفاق ضربة له، بقول رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إنّ «تجديد العلاقات بين السعودية وإيران تطور خطير بالنسبة إلى إسرائيل، وانتصار سياسي لإيران، وفشل مدوٍّ وإهمال وضعف من حكومة نتنياهو»، أو بقول رونن منليس، وهو ضابط كبير سابق في جيش الاحتلال الصهيوني، إنّ الاتفاق السعودي الإيراني «ضربة للصراع الإسرائيلي ضد النووي الإيراني، ولا يمكن الحد منها»، أو بقول يائير لبيد، شريك بينيت في رئاسة الحكومة السابقة، إنّ «الاتفاق هو فشل كامل وخطير بالنسبة إلى السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية، وهذا انهيار لجدار الدفاع الإقليمي الذي بدأنا بناءه ضد إيران».
مع إظهار أغلب الاتجاهات الصهيونية تركيزها وخوفها في موضوع عودة العلاقات السعودية - الإيرانية إلى طبيعتها، وما يمكن أن تقدمه هذه العودة لمصلحة إيران، لناحية تأكيد وتقوية ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، فإن «تل أبيب» ترى الخطر والتأثير السلبي الأكبر لهذه العلاقات الإيجابية المستجدة بين طهران والرياض في مكان آخر غير الاتفاق النووي، وذلك كالتالي:
الالتزام بين طهران والرياض بعدم التدخل في شؤون الدول والأطراف الأخرى في المنطقة سيكون -حتماً- من النقاط الأكثر تأثيراً سلبياً في الكيان الصهيوني، فمعركته ضد أطراف محور المقاومة لم تعد في الجانب العسكري فقط، والذي فضل الابتعاد عنه مرحلياً بعد اقتناعه بعدم جدواه أو بما يمكن أن يجره عليه من كوارث غير قادر على تحملها، بل إن معركته ضد دول وأطراف محور المقاومة انتقلت إلى الجانبين الاقتصادي والسياسي.
وفي الوقت الذي كان فيه الكيان الصهيوني يعتبر أن السعودية من أكثر الأطراف الإقليمية قدرة على التأثير سلباً في دول وأطراف محور المقاومة في الجانبين الاقتصادي المالي والسياسي، سيكون حتماً مستاءً جداً إذا التزمت الرياض اليوم بعدم التدخل في شؤون أطراف إقليمية قريبة من إيران وبعدم استهدافها، وسيعتبر الكيان الصهيوني أنه سوف يخسر فرصة ثمينة وتاريخية كان يعوّل عليها لإضعاف أطراف محور المقاومة عبر الحربين الاقتصادية والسياسية.
هو الصراخ الصهيوني إذن، وحقيقته أن الكيان الصهيوني استنتج أن أهم بنود هذا الاتفاق الذي رعى عودة العلاقة بين الدولتين، هو التزام السعودية بعدم انخراطها بشكل أو بآخر مع الكيان الصهيوني في حربه الناعمة ضد أطراف محور المقاومة، فهذا الالتزام السعودي -بمعزل عن اعتراف أو عدم اعتراف الرياض به- يبقى بالنسبة لإيران أساسياً لعودة العلاقات؛ لأنها حكماً لن تقبل بأن يُستهدف حلفاؤها في محور المقاومة من منصة إقليمية مؤثرة وفاعلة مثل السعودية لخدمة مصالح الكيان الصهيوني أو لخدمة معركته في صراعه مع محور المقاومة، الأمر الذي يجب أن نستنتجه أيضاً وحكماً من كلام أمين عام حزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، بقوله: «إن التحول المتعلق بالتقارب السعودي الإيراني جيد، ولن يكون على حساب شعوب المنطقة، وإنّما لمصلحتها».

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات