أحمد رفعت يوسف

دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
شهدت المنطقة تطورات ميدانية وسياسية كبيرة أدخلت المواجهة مع العدو الصهيوني في مرحلة جديدة ستؤثر بعمق على مسارات الصراع، وأبرز نتائجها المتوقعة:
- خروج الأزمة السياسية في الكيان الصهيوني إلى العلن، وظهور أولى بوادرها مع قيام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإقالة وزير حربه يوآف غالانت.
- إظهار فصائل المقاومة، وخاصة اللبنانية والفلسطينية، المزيد من عوامل القوة والقدرة على السيطرة على زمام المبادرة، وضرب العدو بشكل موجع ومؤثر.
- تأكيد طهران أنها سترد على العدوان «الإسرائيلي» الأخير، مما سيدخل الصراع بشكل جدي في مرحلة الرد والرد المتبادل، وهو ما كانت الولايات المتحدة والقوى الإقليمية والدولية المنخرطة معها تحاول تجنبه.
واضح أن ما يجري ليس مجرد تطورات عادية، وإنما مؤشرات إلى تغيرات في العمق ستؤثر في مسار الصراع واحتمالاته المتوقعة.
فالأزمة السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني، التي بدأت مع إقالة غالانت، ليست مجرد أزمة سياسية عادية كالتي كنا نراها سابقاً وكانت تنتهي في أقصى حدودها بإجراء انتخابات عامة جديدة، وإنما هي تعبير عن عمق الأزمة الوجودية التي دخل بها الكيان الصهيوني منذ عملية «طوفان الأقصى»، والفشل في تحقيق أيٍّ من أهداف العدوان على قطاع غزة ثم لبنان، والتي انعكست انقسامات حادة في صفوف القيادة السياسية والعسكرية «الإسرائيلية» حول مسار الحرب، إذ إن غالانت ومعظم جنرالات القيادة العسكرية والجيش يرون أن «إسرائيل» تخسر الحرب ولا يمكن الانتصار فيها، ومن الأفضل التوصل إلى اتفاقات توقفها بأقل الخسائر، فيما نتنياهو واليمين العنصري المتطرف يرفضون ذلك، لأسباب شخصية وأيديولوجية، لأنها تعني نهايتهم السياسية وذهاب بعضهم إلى السجون، ومنهم نتنياهو، وبقي لديهم أمل وحيد يعملون عليه، وهو جر الولايات المتحدة للدخول المباشر في المواجهة مع محور المقاومة، وهو ما يأمله نتنياهو مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ لكن المشكلة التي لا يستطيع حتى ترامب تجاوزها هي أن معظم جنرالات «البنتاغون» يرفضون ذلك، بسبب عدم ضمانهم الانتصار فيها، وخطورتها على الولايات المتحدة في صراعها الرئيسي، مع الصين.
وفي الميدان، حيث دخلت المواجهة مع العدو الصهيوني مرحلة جديدة باتت أطراف المقاومة تظهر فيها المزيد من عوامل قوتها وإمساكها بزمام الميدان ووسعت دائرة استهدافاتها للمواقع «الإسرائيلية» كمّاً ونوعاً، وظهر ذلك في العديد من التطورات:
- لأول مرة تصل صواريخ المقاومة إلى قرب مفاعل ديمونا النووي «الإسرائيلي»، والصاروخ يمني، في قراءة يمكن اعتبارها بمثابة إنذار أكثر مما هو تقصد لضرب المفاعل.
- ضرب مطار بن غوريون وإخراجه عن الخدمة لفترة من الوقت، مع معلومات تقول بأن المقاومة اللبنانية أوصلت رسالة لحكومة نتنياهو تقول: مطار بن غوريون مقابل حرية الملاحة عبر مطار بيروت الدولي، ووقف استهداف المناطق الحدودية مع سورية.
- زيادة استهداف «تل أبيب» ومحيطها، تحقيقاً لمعادلة «تل أبيب» مقابل الضاحية، مع تحذير بمعادلة أخرى، هي وضع القدس الغربية (لأول مرة) مقابل بيروت الكبرى (خارج الضاحية).
توسيع استهداف المنشآت الحيوية الاستراتيجية، وخاصة التصنيع العسكري والمراكز القيادية والتدريبية للجيش «الإسرائيلي»، وجرى حديث عن استهداف منشآت حساسة في حيفا لأول مرة.
- توسيع استهداف المستوطنات «الإسرائيلية»، وتحديدا التي أنذرت المقاومة سكانها بمغادرتها، ما يشكل المزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو، التي وضعت إعادة المستوطنين في المنطقة الحدودية مع لبنان إلى «بيوتهم» هدفاً أساسياً لعدوانها، لترى نفسها أمام مستوطنات جديد فارغة.
- زيادة عدد المسيّرات والصليات الصاروخية، كما ونوعاً، لتبلغ في كل يوم رقماً جديداً، وإدخال أسلحة نوعية جديدة أكثر قوة، أهمها «فاتح 110» و»نور 1»، وقد أظهرت مشاهد الحرائق التي عرضت من مواقع المستوطنات المستهدفة قوة هذه الضربات وتأثيرها، رغم الحظر الذي تفرضه حكومة الاحتلال.
يترافق ذلك مع زيادة عمليات المقاومة الفلسطينية في غزة، التي أصبحت توقع خسائر بقوات الاحتلال، وخاصة البشرية، أكثر من بداية القتال.
كما يترافق مع انتظار الرد الإيراني على العدوان «الإسرائيلي» الأخير على إيران، والذي سيزيد تعقيدات الصراع، والمشاكل للعدو الصهيوني، أياً كان حجم الضربة.
الشيء المهم والملفت أن هذه التعقيدات التي يشهدها الميدانان السياسي والعسكري، في المنطقة عموماً، وداخل الكيان الصهيوني خصوصاً، لن تقف عند هذا الحد، وهي مرشحة للتصعيد في اتجاهين:
الأول: أن فصائل المقاومة، وخاصة اللبنانية والفلسطينية، تزيد عملياتها وتؤكد نجاحها في إيقاع خسائر أكبر في صفوف ضباط وعناصر الجيش «الإسرائيلي» وفي المستوطنات والمنشآت الحيوية الاستراتيجية، وهو ما سيعمق حدة انقسام الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة، وفي «المجتمع الإسرائيلي»، الذي يزداد هشاشة وضعفاً وانقساماً.
الثاني: أن الأزمة التي تعصف بالقيادة «الإسرائيلية» يبدو أنها لم تنته مع إقالة غالانت، وإنما تجمع المعلومات الواردة من فلسطين المحتلة على أن نتنياهو سيقيل رئيسي الأركان وجهاز «الشاباك»، والمراقب القضائي، لتحقيق المزيد من السيطرة على القرار داخل المؤسستين العسكرية والسياسية، وإرضاء اليمين المتطرف، الذي يرفض مع نتنياهو وقف القتال، وهو ما سيفجر أزمة كبيرة داخل «المجتمع الإسرائيلي» الهش والمتوتر.
أما ترامب، الرئيس المنتخب لولاية جديدة، فهو بالتأكيد لن يكون نسخة طبق الأصل عن ترامب الرئيس في ولايته السابقة، لأن الكثير من ملامح الخارطة الجيوسياسية والتوازنات في المنطقة والعالم تغيرت وبعمق، وأبرزها الصراع في منطقة غرب آسيا، الذي يعتبر بوصلة صعود وانهيار الامبراطوريات والدول العظمى؛ والحرب في أوكرانيا، والتي ستحدد مصير أوروبا بالكامل والقطيعة بين موسكو وواشنطن ومعظم دول الغرب، حيث الإعجاب المتبادل بين ترامب وبوتين، وإعجاب ترامب بشكل الحكم في روسيا والصين أكثر من الديمقراطية الأمريكية، إضافة إلى الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان.
هذه الصورة للواقع الميداني والسياسي ومساراته في المنطقة والعالم، تؤكد أن القتال إلى مرحلة جديدة من التصعيد، والكلمة الفصل ستكون للميدان، في كل المواقف والسياسات، وأي تسويات أو ترتيبات متوقعة. وما يمكن تأكيده هو أن الكيان يخسر هذه المعركة، وخسارته هذه المرة لن تكون كغيرها، لأنها ستكون القاضية، والمسألة مسألة وقت لا أكثر، حتى نسمع صراخ العدو، وعندها ستكون هناك حسابات أخرى. وإن غدا لناظره قريب.

أترك تعليقاً

التعليقات