مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
في ذروة حرب فيتنام جرت مفاوضات في باريس، وبدأ رئيس الوفد الأمريكي المفاوض موجهاً كلامه لرئيس الوفد الفيتنامي قائلاً: «هل أنتم الفيتناميين مجانين أم أصابكم الجنون فجأة؟ كيف تفكرون بإلحاق هزيمة بدولة عظمى تملك من الأسلحة ما يبيد الأرض وليس فقط فيتنام؟».
رئيس الوفد الفيتنامي رد عليه باقتضاب قائلاً: «كل ما تطرحه متروك للميدان ونحن لم نأت هنا لمناقشة مثل هذه الأمور».
رئيس الوفد الفيتنامي توجه على الفور واتصل بفيتنام وأبلغ قياداته وحكومته أن أمريكا تريد من المفاوضات فقط كسب الوقت لتمارس حروباً وجرائم أقوى وأكثر ضد الشعب، وأن فيتنام عليها الاستعداد لذلك ولا ركنة البتة على تفاوض.
وبالفعل فإن فيتنام لم تنتصر فقط، بل ألحقت بأمريكا أذل هزيمة في تاريخها.
هذه هي أمريكا في كل تفاوضاتها ومفاوضاتها، أما حين تكون «إسرائيل» طرفاً فأمريكا هي «الإسرائيلية» أكثر من «إسرائيل»، وبالتالي فالتطرف هو عنوان كل تصرف وأي مرونات أو نعومة في العناوين الأمريكية للإعلام فذلك يفترض أن نخاف منه أكثر من الخوف من الحرب ذاتها.
إذا كانت أمريكا أدارت ما عُرف بـ«اتفاق أوسلو» فأين هذا الاتفاق وأين الدولة الفلسطينية التي نص الاتفاق على تحققها خلال سنوات خمس؟
بعد أكثر من عشرة شهور من حرب الإبادة الجماعية في غزة ماذا استفدنا من جولات مفاوضات هي أمريكية الهوى والهوية وإشراك العرب فيها ليس أكثر من «سمسرة» ومع أمريكا ولصالح الكيان الصهيوني بالطبع؟
حتى ما سمتها أمريكا «جولة الفرصة الأخيرة» في الدوحة انتهت إلى بيان وجولة جديدة في القاهرة.
عندما كنا نقول إنه لا داعي لمثل هذه المفاوضات ولا معنى لها كان يرد علينا أن رفض التفاوض سيستعمل كحجة على المقاومة، فكيف نجمع بين عدم الخوف من الحرب وبين الخوف من حجة؟
المتغير الدولي والصراع العالمي كان يتيح ببساطة أن تشترط المقاومة إشراف الأمم المتحدة على هذه المفاوضات، لأن هذا المتغير تجاوز واقع الهيمنة الأمريكية عالمياً وتجاوز استمرار استفرادها في المنطقة كما حدث بعد اندثار السوفيت.
هذا الشرط يجنبنا خوف «الحجة» ويحررها واقعياً من أي رهان أو ارتهان لأمريكا.
لا أستطيع فهم ماراثون مفاوضات في ظل استمرار أقوى حرب إبادة في التاريخ الحديث -لا أستطيع فهمه- إلا أنه كان وظل في عشم من أمريكا وأنه ستضطر إنسانياً لفرض وقف العدوان في غزة، وهذا العشم العربي في إنسانيته بحد أدنى لأمريكا هو كما عشم إبليس في الجنة.
فكما الأمر محسوم من قبل الخالق فالأمر محسوم أمريكياً مع الكيان الصهيوني وضد فلسطين والعروبة والإسلام فوق كل الألعاب والمسرحة الممارسة أمريكياً، وكل من يريد الحرية للشعب الفلسطيني أو حتى ينشد دولة وفق قرارات الشرعية الدولية أو حتى «اتفاق أوسلو»، وعلى هذا الأساس صفي «عرفات» ويراد تصفية كل فصائل المقاومة وحتى الإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني طالما يظل يسعى لحرية وتحرير أو ينشد دولة فلسطينية ذات سيادة.
أمريكا ذاتها ماذا أبقت لنا للتفاوض معها؟ ومن أين يأتي أي عشم؟!
حماس والفصائل الفلسطينية سارت في جولات مفاوضات ولم يعارض أو يعترض أحد على هذا التفاوض وحتى وصلت حماس والفصائل الأخرى إلى قرار عدم المشاركة في جولة قطر الأخيرة.
ما أطرحه هو في سياق ما وصلت إليه الفصائل الفلسطينية كموقف من المفاوضات، وبالتالي فشخصي لم يعارض مفاوضات أوسلو، ولا يعارض كل ما جرى من تفاوض بقدر ما أقرأ الحصيلة والمحصلة لمفاوضات قديمة أو جولات تفاوض جديدة.
إذا كان الفيتناميون لم تخفهم الأسلحة المحرمة التي استعملت ضدهم ولا تهديد أمريكا بالنووي، فإننا كذلك لم نعد نخاف من أسلحة أمريكا المحرمة وحتى النووي، وكل ما يخيفنا هو استمرار العشم بها، لأن كل ما جرى ويجري ولايزال من إبادة جماعية تؤكد أن المفاوضات «مضحكة» علينا أو على الأقل ترف لم نكن نحتاجه لا من قريب ولا من بعيد.
وإذا كان لهذه المفاوضات من إيجابية فهي في توافق الفصائل الفلسطينية الأساسية التي اعتدنا أن أي مفاوضات تمزقها أو تزيد هذا التمزق!

أترك تعليقاً

التعليقات