لم يَعُد هذا العالم يُشرّفني
 

أحلام عبدالكافي

عالمٌ قاسٍ جداً تعجز الكلمات عن وصفه، وتجف الأقلام عن إدراك كنه قبحه، ذلك عندما يصبح الإنسان الذي هو أساس هذا العالم لاشيء، بل لم يعد فيه حتى رقماً... نعم لذلك أدركنا أن هذا العالم لم يعد عالما للبشر، ولم يعد يناسبهم العيش فيه، ربما لأنه قد تحول عالما خاصا لمسوخ البشر وأشباههم... كيف لا فقد أصبح قادته هم شذاذ الآفاق من مصاصي الدماء وتجار الحروب وأرباب الفسق والإجرام والانحطاط، يحركون أوراقه ويلعبون على أوتار الخداع والمكر، بل هم من يملكون زمام أموره بإمكانياتهم وقدراتهم وأموالهم.
إنها أصوات أحدث الطائرات في صنع الدمار وفي إنجاز أكبر الانفجارات... تحلق في سماء وطني (ليل نهار)، يرسلها غزاةٌ قد تحالفوا من كل أقطار هذا العالم الميت ضميره الإنساني، والذي أصبح أقرب ما يكون لوكرٍ لأنواع الحيوانات المتوحشة، والتي تكشر عن أنيابها وتحصد كل فريسة تقابلها.. فحتماً لم يعد هذا العالم يشرفني.
عندما أمشي في شوارع وطني وأتصفح وجوه أولئك البشر من يتحدّون المستحيل ويخرجون من تحت الأنقاض لينفضوا غبار هذا العالم المخادع... ويمضون في هذه الحياة  من يصارعون الموت والجوع والحصار بكل إصرارٍ، بل بكل شموخ، وقسمات وجوههم تقول: تباً لعالمكم هذا المتواطئ بكل وقاحة على يمن الإيمان، يا من تسفكون دماء من هم ألينُ قلوباً وأرق أفئدة وأطهر من على وجه هذه الأرض... فتبّاً لعالم الذئاب الذي يقتل ويسحق كل ما هو جميل، ليصبح عالماً فارغا من معاني الحياة ومن رحمة الوجود، ليكون أشبه ما يكون بأرضٍ خاوية بائسة يحكمها وحشٌ غضوب.
ها هو آخر نفسٍ لصراخ طفلٍ رضيع يتعالى في الأفق بعد تلاشي صوت الانفجار، ليقول لهذا العالم ماذا جنيتُ لتقذفوا صاروخكم المدمر فوق رأسي.. ما هي تهمتي لأكون طفلا مباحٌ دمه، ما هي جريرتي حين جعلتموني غير محسوب على عالم حقوق الطفل، ما هو ذنبي لتحرقني نيران أسلحتكم المدمرة... بل لماذا جعلتموني ضمن حساباتكم وأطماعكم التي جعلتني هدفا لها... إنها وحشيتكم التي تتلذذ برؤية أجساد مئات الأطفال مثلي متفحمة.. ها أنذا أرحل عن هذا العالم القبيح والمخيف، ها أنا أودع هذا العالم الذي قتلني بدمٍ بارد وقصف بيتي ودفن أمي ومزق جسد إخوتي... وأتركه لكم بكل فسقه وكذبه وحقارته وزيفه.. فإنه لم يعد يشرفني هكذا عالم متسخ بأدران الجريمة والدمار.
لم يعد يشرفني عالم الصمت والزيف والظلم... لم يعد يشرفني عالم أمريكا وإسرائيل.. لم يعد يشرفني عالم آل سعود الإرهابي. إنها حقارة منطقهم وحقد أساليبهم ضد الإنسانية، الذي تدنت مستوياته بأبشع صوره وجرائمه... لم تعد تشرفني هذه الشعوب الخانعة... ولم يعد يشرفني مجلس الأمن ولا هيئة الأمم المتحدة ولا مجلس حقوق الإنسان، وكل تلك الأبواق الكاذبة التي تنعق لمال وتنبح لمال وتسجدُ لمالٍ وتقتل لمال.. فعار عليّ أن أنتسب لهكذا عالم.
من يشرفني هو وطني اليمن الحبيب.. هو عالمي، وهو مسقط رأسي، بل هو منبع كرامتي، وهو مصدر قوتي ورافع هامتي وناصب رايتي.. فوالله لأن أُدفن تحت ثراه الطاهر... أشرف لي من أن أحيا في عالمٍ كهذا لم يعد يمت لإنسانيتي بأية صلة.. عالمٌ أشبه ما يكون بلعبة قذرة بيد شيطانٍ أرعن.

أترك تعليقاً

التعليقات