اليمن بندقية فلسطينية
 

عبد الحافظ معجب

عبد الحافظ معجب / لا ميديا -
منذ لحظة إعلان اليمن انخراطه في عملية "طوفان الأقصى"، برزت الكثير من الأصوات المشككة بقدرة اليمن على التدخل، معتبرة أن الأمر لن يتجاوز التهديدات للاستثمار في الوضع الداخلي والصراعات المحلية، وبعد البدء في الهجمات الصاروخية والمسيرة من اليمن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، عادت تلك الأصوات نفسها للتشكيك بأهمية هذه الهجمات وعدم الجدوى منها، وشن الفريق المؤيد لـ"تل أبيب" على مواقع التواصل الاجتماعي حملات تدعو لضرب السفن والقطع البحرية الصهيونية في البحر الأحمر، التي قالوا إنها أقرب وأجدى من قصف "تل أبيب" مشككين في الوقت ذاته في إقدام صنعاء على هذه الخطوة، وعندما انتقلت القوات المسلحة اليمنية لتنفيذ هجماتها في البحر ارتفعت الأصوات ذاتها للصراخ بحجة الخوف على الملاحة الدولية، والقلق من أي ردات فعل صهيونية أو غربية على اليمن.
كل هؤلاء الناعقين دفاعاً عن "إسرائيل" يجهلون تاريخ اليمن في الدفاع عن فلسطين منذ نكبة العام 1948، ومن لا يقرأ التاريخ لن يستطيع أن يستوعب الحاضر، وسيكون أمام صدمة المستقبل، ولذلك سأختار لكم بعض الوقائع التاريخية التي تؤكد الارتباط الوثيق بين اليمن وفلسطين، وهو انتماء معمد بالدم اليمني، لأن انتماءنا كيمنيين لفلسطين، يتجاوز كل التحليلات والتفسيرات السطحية التي تعج بها القنوات المعادية والأقلام والأصوات الحاقدة على فلسطين واليمن معاً، والمتأثرة بلا شك بموجات التطبيع والتصهين الخليجي العربي.

الشهيد العرادة
في أولى حروب العرب مع "إسرائيل"، التي اندلعت عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام "إسرائيل"، في العام 1948، شارك اليمنيون في هذه الحرب من واقع مسؤوليتهم في الدفاع عن فلسطين، وتشير المعلومات إلى انخراط قوة يمنية مكونة من 300 مقاتل في هذه الحرب، واستمرت هجرة المجاهدين اليمنيين إلى فلسطين، ليتعمد هذا النضال بدم أول شهيد يمني في أرض فلسطين الحبيبة وهو الشهيد حسين بن حمد العرادة العبيدي الذي استشهد بعد أن خاض مواجهات عديدة ضد الاحتلال الصهيوني، بحسب ما كشفه نجله العقيد في الجيش اليمني حمد بن حسين العرادة، وبحسب ما جاء في حوار صحفي مع نجل الشهيد حسين العرادة أن والده كان يعمل في بلاد الشام في بيع الجمال وتعرف حينها على الشيخ أمين الحسيني المجاهد المناضل الفلسطيني وكانا يحضران دروسه ومحاضراته التي غرست في نفسيهما حب الشهادة.
وخلال تلك الفترة تعرف حسين العرادة وولده على عدد من العشائر القبلية في سوريا والتي كانت تشكل منطلقاً لجماعات عشائرية للجهاد في الأراضي الفلسطينية تنطلق على شكل غارات على اليهود والإنجليز من وقت لآخر وفي هذه الفترة توطدت علاقات حسين العرادة بهذه القبائل وشارك معهم في شن 6 غارات على المواقع اليهودية والبريطانية وكانت هذه الغارات والكمائن تستمر أياما وأسابيع ثم يعودون ويعاودون الكرة مرة أخرى، وفي الغارة السادسة ارتقى المجاهد حسين العرادة شهيداً على أرض فلسطين.
وكشف نجل الشهيد أن والده في حرب 1948 كان يفخخ الطرق وينصب الكمائن لقوات العدو وفي إحدى العمليات كما يقول كمنوا لأحد القطارات الإنجليزية وكان متوجهاً من "تل أبيب" إلى القدس فتم وضع متفجرات وكمين لذلك القطار الذي كان محملاً بالبترول وقد نسف ذلك القطار حتى صار أثراً بعد عين، واصل نجل الشهيد اليمني مسيرة والده الجهادية وانضم إلى صفوف المقاتلين العرب في وجه العدو الصهيوني حتى تعرض للأسر، وبعد 9 أشهر قضاها في أحد السجون الصهيونية تمكن من الهرب مع مجموعة من الأسرى ولاحقهم الطيران الصهيوني بالقصف ما أدى إلى إصابته بعدد من الشظايا وجرى نقله إلى أحد مستشفيات غزة ومكث هناك 11 شهراً قبل أن يتم ترحيله إلى السعودية ومنها عاد إلى اليمن عقب ثورة 1962 لينضم إلى صفوف الجيش اليمني حتى توفاه الله في العام 2010.

أبو بدر من مكة إلى القدس
لقد كان لليمنيين مشاركات فردية في الجهاد على أرض فلسطين ما قبل حرب 1948، حيث نشرت وسائل إعلامية عن المعمر اليمني الحاج أحمد بدر الذي توجه إلى فلسطين في العام 1936 بعد تأدية فريضة الحج ومعه 50 حاجا يقصدون فلسطين من أجل زيارة المسجد الأقصى المبارك وتقديس الحج.
يقول أبو بدر بعد رحلة شاقة سيرا على الأقدام وصل مع رفاقه إلى مدينة القدس مع اندلاع "الثورة الفلسطينية الكبرى" ضد قوات الانتداب البريطاني، وشارك في إضراب الشهور الستة، والتحق بقوات المقاومة ضد الإنجليز واليهود المهاجرين والعصابات الصهيونية، أيام قليلة فصلت بين وصول أبو بدر إلى القدس واستشهاد عز الدين القسام في نوفمبر 1935 بينما كان يقاتل الإنجليز، كان أبو بدر قد تزوج فتاة فلسطينية من مدينة يافا، ومع اندلاع الحرب العربية الصهيونية عام 1948، تركها عند أهلها وهي حامل بجنينها الأول، واشترى سلاحا من ماله الخاص والتحق بقوات المقاومة المساندة للجيوش العربية.
وبينما كان في جبهة القتال، نزل عليه خبر استشهاد زوجته وأهلها كالصاعقة، فقد نسفت العصابات الصهيونية عشرات المنازل الفلسطينية في مدينة يافا، وارتكبت مجازر في دير ياسين وكفر قاسم وغيرها من المدن والقرى، من أجل إجبار السكان على الهجرة والهروب، بعدها وقع أبو بدر أسيرا، وتحرر ومعه آلاف الأسرى من المقاتلين العرب من جنسيات مختلفة، بعد توقيع اتفاقية الهدنة بين "إسرائيل" والدول العربية إثر هزيمة جيوشها عام 1949.
عاش أبو بدر سنوات طويلة وحيدا في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، وعمل في مجالات عدة، قبل أن يتزوج ويستقر به الحال في جباليا شمال القطاع وأنجب 5 أبناء و3 بنات، وله 51 حفيدا، يحرص على جمعهم حوله باستمرار، ليحدثهم عن فلسطين واليمن ويزرع في نفوسهم حب الوطن، وقد ذاق أبناء أبو بدر وأولاده ويلات الاحتلال، وتعرضوا للاعتقال، وكاد أكبرهم أن يستشهد عندما أصابه عيار ناري من قوات الاحتلال أثناء مشاركته في الانتفاضة الشعبية عام 1987.
ولاتزال عدد من الأسر اليمنية من أولاد وأحفاد هؤلاء المجاهدين تعيش حتى يومنا هذا في قطاع غزة وبعض هذه الأسر لا تملك أوراقا ثبوتية ولا جوازات سفر يمنية ولا تستطيع العودة إلى اليمن.

شهداء 48
ونشرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" قائمة بعدد من الشهداء اليمنيين الذين استشهدوا في فلسطين خلال العام 48 وهم الشهيد محمد حسن عبده والشهيد الحاج محمد عبدالله اللذان استشهدا في يافا، والشهيد عايش أحمد اليمني الذي استشهد في قرية البصة التابعة لقضاء حيفا، والشهيد أحمد حبيش الذي استشهد في تلة لتفنسكي عندما كان يحارب اليهود مع أبناء سلمة، والشهداء أحمد جبران وأحمد ملهي الحبيشي والحاج صالح وعبدالله محمد وعمر سليمان محمد علي وكايع محمد رضوان ومصطفى إبراهيم ومنصور موسى الحبيني وخضر شاهين الذين استشهدوا في جنوب القدس، والشهيد يحيى عبيدة الذي استشهد في دير الأرمن، والشهيدان سعيد عبدالجليل وشمسان مقبل اللذان استشهدا في الحرم القدسي، والشهيد الحاج محمد سعيد الذي استشهد في جبل المكبر، والشهيد بكاش محمد سعيد الذي استشهد في حي الثوري جنوب المسجد الأقصى، والشهيدان محمد علي حسن وعبده الحباشنة اللذان استشهدا في مقام النبي داوود بالقدس، والشهيد محمد حسن اليمني الذي استشهد في قرية عراق سويدان حيث كان يعمل في صفوف الجيش المصري الذي كان يدافع عن القرية في وجه الاحتلال.

انطلق الكثير من الفدائيين اليمنيين للانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية وحركة المقاومة الوطنية اللبنانية، منهم من استشهد، ومنهم من مازال على قيد الحياة، ولكن المؤرخين لتلك المرحلة، لم ينصفوا النضال اليمني في مواجهة العدو الصهيوني، وهذا ما دفعني للبحث في تفاصيل كل فدائي ومحاولة جمع ما يمكن الوصول إليه من بيانات وتفاصيل، تنصف هؤلاء المناضلين.
تردد اسم البطل الحضرمي القومي محمد سعيد باعباد كثيراً في السبعينيات، وكل الروايات تشير إلى أن باعباد انخرط ضمن المجموعات الفدائية الفلسطينية كمشروع شهادة في سبيل الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى ضد الصهاينة المغتصبين مقاتلاً شرساً حتى يوم استشهاده 24 أبريل 1970، وشهدت له كل القيادات العسكرية والفصائل الفلسطينية ونقل جثمانه إلى عدن بعد أن أدى له التحية قادة الفصائل الفلسطينية والرئيس الراحل ياسر عرفات.
وعند وصول جثمان الشهيد باعباد إلى عدن أقيم له تشييع عسكري حضره ممثلو الحركات الفلسطينية وووري جثمانه في مسقط رأسه بمنطقة قصيعر بمحافظة حضرموت.
وفي جبهة لبنان نتذكر المناضل اليمني بجاش الأغبري الذي التحق بالثورة الفلسطينية أواخر 1979 مقاتلاً في صفوف حركة فتح بقضاء صور جنوب لبنان، وقاد لاحقاً فصيلة في كتيبة الشهيد أبو يوسف النجار، سرية الشهيدة دلال المغربي في منطقة قانا بجبل لبنان، وفي منتصف العام 81 انتقل إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وصار عضواً في المدرسة الحربية بجبل لبنان.
خلال حرب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 كان بجاش الأغبري هناك يقاتل في مواجهة القوات الصهيونية، وفي الخامس من أغسطس 1982، شارك في عملية فدائية ضد مركز قيادة الجيش الصهيوني في منطقة عريا بجبل لبنان أسفرت عن قتل وجرح 17 جندياً صهيونياً وتدمير دبابة عسكرية، وقد تعرض بجاش خلال العملية إلى إصابة، ونجا بأعجوبة من الأسر حيث اضطر إلى الزحف باتجاه جبل كسروان، حيث التقطه المقاومون وأرسلوه إلى البقاع ثم إلى مستشفى الناصر بالعاصمة دمشق.
ونظراً لسوء حالته تم نقله من دمشق إلى العاصمة السويدية ستوكهولم، وأمضى الأغبري عدة أشهر لتلقي العلاج في أحد المستشفيات السويدية.

المرقشي والعولقي
بتاريخ 11 يوليو 1982 تم اختيار المناضل أحمد عمر المرقشي ضمن مجموعة فدائية من كتيبة الجليل -قوات الكرامة -القيادة العامة للعاصفة لحركة فتح، مكونة من خمسة فدائيين ومعه المناضل الفقيد محمد صالح الحماطي من أبناء التواهي البنجسار عدن في عملية ضد العدو الصهيوني.
كانت العملية في منطقة المنصورية بقضاء المتن الشمالي بجبل لبنان، طلب من قائد الكتيبة الموافقة لهم المناضل الفقيد حسن حيدر وكان بجانبه المناضل علوي عمر السقاف، الذي اعترض على انضمام المرقشي لصغر سنه، ولكنه أصر على ذلك، وطلب من القائد الفلسطيني واسمه الحركي "كاسترو" الذهاب فقال لهم "طالما الزلمة يريد العملية لا مانع لدينا فالعمليات الفدائية رغبة وليست أمراً".
يقول المرقشي: "ذهبت أنا والحماطي لتجهيز أنفسنا وبنا فرحة نبحث عن الشهادة في سبيل الله ضد العدو الصهيوني قاتل الأنبياء المتطرف والمحتل لفلسطين وجنوب لبنان، كان قائد مجموعتنا الفدائية الحركي روبين ومعه أبو السفاح وأبو سلامة، ثلاثة من فلسطين واثنين من اليمن، ذهبنا للعملية عبر الوديان والسهول والجبال في منطقة (ينطا) الواقعة ضمن قضاء راشيا، محافظة البقاع، وكانت المسافة طويلة مشيناها سيراً على الأقدام عدة ساعات وفي الطريق وجدنا فدائيا فلسطينيا من فرق الاستطلاع على تحركات العدو الصهيوني أعطى قائدنا معلومات عن تحركات العدو، وفي منتصف الليل تم كشفنا من قبل قوات الجيش العربي السوري، الذين رفضوا دخولنا للموقع الصهيوني لضربه فعدنا، وفي طريق العودة صادفنا مجموعة فدائية تابعة للصاعقة لحركة فتح يقودها الفدائي اليمني أحمد العولقي من أبناء عدن كريتر الطويلة مقيم في مخيم البداوي بلبنان، جاء ضمن قوات الردع العربي مع الشهيد أمزربه ورفاقه، سأل الفدائي العولقي قائد المجموعة روبين لماذا عدتم لماذا لم تنفذوا العملية؟ فقال له القائد إن النقطة السورية كشفت أمرنا ومنعت دخولنا، وقتها صرخ الحماطي بأعلى صوته بعبارات ضد النقطة السورية".
عرف الفدائي العولقي بوجود يمنيين ضمن المجموعة وقال لهم "معكم يمني عرفته من صوته ولهجته اليمنية"، كان ذلك في ظلام الليل الحالك، رد عليه المرقشي بالقول "نحن دمنا واحد فلسطيني أو يمني"، وأخبرهم العولقي أنه يمني من عدن، سأله الحماطي عن أسرته في عدن فأخبره أنه من أسرة الشهيد محمد صالح عولقي من أبناء عدن كريتر الطويلة، تعانق الحماطي مع العولقي عناقا أخويا ثم عانقه المرقشي عناقا حارا أخويا، وفي منتصف الليل قبل طلوع الفجر ودع العولقي أبناء وطنه وتمنى لهم التوفيق، قبل أن يغادر مع مجموعته لتنفيذ عمليات فدائية وبطولية.
وبحسب ما ذكره المرقشي فإنه وفي اليوم الثاني جاء قائد كتيبة الجليل يصرخ: لماذا لم تنفذوا العملية؟ قال له القائد: النقطة السورية رفضت وكانوا يطخوننا بسلاح ثقيل ومتوسط.. وجاء مع قائد الكتيبة شخص آخر فدائي اسمه أبو الجراح بدل القائد روبين، فاعترضنا أنا والحماطي وقلنا له عدونا الذي صدنا ما ذنب القائد روبين وطلب من أبو الجراح الانضمام لنا فصرنا ستة وتوجهنا لتنفيذ العملية بنجاح بفضل الله عز وجل، فلله الحمد والشكر، وعدنا سالمين جميعاً.
في حديث هاتفي مع الفدائي أحمد المرقشي، استذكر بشجن قصيدة شعرية بعثها إليه والده عندما كان مرابطاً في صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني في جنوب لبنان ضمن قوات العاصفة عام 1982 جاء في أبياتها:
يا شعب اليمن ذي فيك كثرت الوصوف
ذي قوتك في كل محور للخطر مرصوف
ريت الرجل زاجي والنظر عاده يشوف
بدخل معك لبنان حيث يتقاطف المقطوف
قال المرقشي يا أسوفي بالأسوف
على العرب ذي ما تحدوا الخائن السفسوف
يقصف على لبنان والأمة تشوف
دق المصانع والمزارع زرعها منسوف
توحدوا غبش والعصر ظليتوا سعوف
واحد غني والثاني أصبح يطلب المصروف
يا أمريكا ذنوبش سع علم بين الكتوف
دون الله باتظلي رايش مكسوف
ورد المرقشي على والده بزامل يقول فيه:
قسماً بالأرض والبندقية ما نساوم في حقوق الجياع
لو يجي ريغن وبيغن وشارون بانزيدك يالقضية صراع
المرقشي الذي يستذكر أدواره وبطولاته في مواجهة العدو الصهيوني بفخر واعتزاز، يشعر بالحزن والأسى لما تتعرض له غزة من عدوان إسرائيلي، وسط صمت عربي وإسلامي، ولأبناء غزة يقول المرقشي: "الصبر والنصر حليفكم، أنتم منتصرون بإذن الله عاشت غزة وعاش الشعب الفلسطيني والشعب اليمني، اليوم نحن في صراع بين الحق والباطل، والباطل زائل والحق سينتصر بإذن الله".

المرقشي والأغبري إلى السجن
لم يكن الرابط المشترك بين البطلين الفدائيين أحمد المرقشي وبجاش الأغبري أنهما قاتلا ضد العدو الصهيوني في لبنان فقط، وإنما نالهما نفس العقاب بعد العودة إلى اليمن، بتهم كيدية وملفقة حيث زج النظام الحاكم بالفدائي بجاش الأغبري 17 عاماً بتهمة التخطيط لاغتيال الرئيس علي عبدالله صالح، ولم يفرج عنه إلا عقب اندلاع الثورة الشعبية في العام 2011، وكان سمير القنطار عميد الأسرى العرب ناشد الرئيس علي عبدالله صالح في العام 2009 المبادرة بالإفراج عن السجين بجاش الأغبري.
وقال القنطار في رسالة إلى الرئيس صالح عبر السفارة اليمنية في بيروت: "إن من الإنصاف أن تبادر يا فخامة الرئيس إلى وضع حد لمعاناة هذا السجين الذي يقبع منذ منتصف التسعينيات في السجن المركزي".
أما الفدائي المناضل أحمد المرقشي، فقد حكم عليه بالإعدام، بقضية ملفقة جرى خلالها الاعتداء على مقر صحيفة "الأيام" في العاصمة صنعاء من قبل مناصرين للرئيس علي عبدالله صالح، واتهم المرقشي بقتل أحد المهاجمين، ليقضي في السجن 11 عاماً، حتى أفرج عنه في العام 2019 ضمن صفقة لتبادل الأسرى، بين صنعاء وعدن.

تدفقت أعداد كبيرة من المتطوعين اليمنيين الذين التحقوا بصفوف فتح، وكانوا في أغلبهم تلقوا تدريباً عسكرياً عالياً في صفوف الجيش اليمني على مختلف صنوف الأسلحة، يقول معين الطاهر؛ قائد الكتيبة الطلابية في حركة فتح، في كتابه "تبغ وزيتون": "تميّز المتطوعون اليمنيون بالصلابة والروح القتالية العالية والجاهزية الدائمة للقيام بالمهمات الصعبة.. اندمج هؤلاء الإخوة بسهولة في حياة الكتيبة ومهماتها اليومية، وتولى بعضهم لاحقاً مهمات قيادية فيها مثل الشهيد عبدالكريم الكحلاني (عبدالقادر اليمني) الذي أصبح نائباً لقائد قلعة الشقيف واستشهد فيها وكان سابقا رقيب أول في الجيش اليمني، وحاز محبة إخوانه وثقتهم، وكذلك الشهيد أبو رعد اليمني الذي أصبح قائداً لمجموعة رشاشات ثقيلة مضادة للطائرات من عيار 37 ملم، وهو الذي تولى تدريب إخوانه على هذا الرشاش الذي دخل في الخدمة خلال وجوده معنا، وكان يعمل في الجيش اليمني على الرشاش ذاته، وقد تمكن أبو رعد ومجموعته من إسقاط مروحية إسرائيلية هوت محترقة مساء 6 يونيو 1982 على إحدى تلال النبطية وهي تقل عدداً من ضباط قيادة الأركان الصهيونية. كان اليمنيون مثالا ساطعا للمقاتل العربي الذي لو أتيح له الوصول إلى مناطق التماس مع العدو الصهيوني لحقق الكثير من الإنجازات".

في العام 1978 انطلق من الساحل اللبناني الشابان اليمنيان محمد حسين الشميري (أبو حسن)، ويبلغ من العمر 18 عاماً، والمناضل عبدالرؤوف عبدالسلام علي (أبو أحمد)، ضمن مجموعة فدائية أطلق عليها مجموعة "دير ياسين" تتزعمها الفدائية الفلسطينية دلال المغربي، وتضم عشرة مقاتلين آخرين من فلسطين ولبنان، وعندما وصل الأبطال إلى الطريق الدولية بين حيفا و"تل أبيب"، نفذوا عملية حملت اسم "كمال عدوان"، استولوا خلالها على سيارة أجرة، كما سيطروا على حافلتين للركاب، وضموا ركابهما في حافلة واحدة انطلقت نحو مدينة "تل أبيب"، ونجحت في تجاوز العديد من الحواجز التي أقيمت على الطريق، وعند اقترابهم من مدينة "هرتسليا"، وقعت معركة عنيفة بينهم وبين القوات الصهيونية دارت طوال ساعات، وأسفرت العملية عن تفجير الحافلة بمن فيها، وكانت حصيلة تلك المعارك استشهاد تسعة من المقاتلين، كانت من ضمنهم دلال المغربي، والشاب اليمني محمد الشميري الذي أصيب أثناء العملية بكسر في قدمه اليمنى ثم أصيب برصاصة أدت إلى استشهاده، أما عبدالرؤوف عبدالسلام فقد استشهد غرقاً عندما انقلب بهم القارب قبل الوصول إلى مكان تنفيذ العملية.
رفضت "إسرائيل" تسليم جثماني دلال المغربي والشهيد الشميري وقامت بدفنهما في ما يعرف بـ"مقابر الأرقام" الصهيونية، وهو المكان الذي تدفن فيه جثامين المقاتلين الفلسطينيين والعرب من بينهم الكثير من اليمنيين الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال، إذ يتم تسليم هذه الجثامين فقط حين تجري عمليات تبادل أسرى مع العدو الصهيوني.
في يوليو 2008، طالب حزب الله اللبناني ضمن صفقة تبادل أسرى مع حكومة العدو بإعادة جثامين دلال المغربي، وشهداء عملية "كمال عدوان"، وكانت الحكومة اليمنية أجرت حينها اتصالات مع الجانب اللبناني للتنسيق لاستعادة جثامين الأبطال اليمنيين الذين استشهدوا في هذه العملية، لكن فحوصات الحمض النووي كشفت أن "إسرئيل" لم تسلم جثامين دلال المغربي ورفاقها اليمنيين، الذين لاتزال جثامينهم حتى اليوم في "مقابر الأرقام" لدى العدو الصهيوني.
في الذكرى الـ44 لعملية "كمال عدوان"، صدر عن إعلام حركة "فتح" بيان جاء فيه: "44 عاماً تمرُّ على ذكرى عملية الشهيد (كمال عدوان) التي نفَّذتها مجموعة (دير ياسين) بقيادة الشهيدة البطلة دلال عام 1978، ثأراً لأرواح قادتنا الشهداء كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد النجّار الذين اغتالهم الاحتلال الصهيوني الفاشي في بيروت عام 1973.
هذا التاريخُ الذي كُتِبَت حروفه من نور رسمَ أسمى لوحات الإيثار والفداء والتضحية التي خطَّها 13 فدائياً من حركة فتح بدمائهم الطاهرة في السجل النضالي لثورتنا، بعمليةٍ فدائيةٍ أحرجت العدو الصهيوني وأقضّت مضاجعَ قيادة أركانه.
ففي فجر الحادي عشر من شهر آذار عام 1978 وصلت المجموعة على رأسها الشهيدة البطلة دلال المغربي إلى شاطئ أرضنا الفلسطينية المحتلة بعد رحلة بحرية دامت نحو يومين من المناورة والتخفي انطلاقاً من الساحل اللبناني، ونجحت في الإنزال صباحاً بسِرّية إلى شاطئ المنطقة ما بين حيفا و(تل أبيب).
العمليةُ التي خطّط لها القائد الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، كانت تهدف إلى احتجاز أكبر عدد من الأسرى الصهاينة والتوجه إلى مقر الكنيست لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين والعرب في معتقلات الاحتلال، وكانت تعليمات مهندسها الوزير واضحةً بتحرير الأسرى وأن (يبكي مناحيم بيغن، كما أبكانا في دير ياسين)، والحفاظ على الشموخ في حال الوقوع في الأسر.
وعملاً بذلك، اندفعت المجموعة فور وصولها (تل أبيب) إلى الشارع الرئيس حيث نجحت في الاستيلاء على حافلة ثم أخرى واحتجاز عشرات الركاب وجمعهم على متن إحداها بينهم عشرات الجنود الصهيونيين.
من حقيبتها استلَّت دلال عَلم فلسطين ورفعته ليرفرف عالياً على الحافلة في مشهد وصفه الشاعر الراحل نزار قباني بقوله: في باص.. أقاموا جمهوريتهم. أحد عشر رجلاً بقيادة امرأة اسمها دلال المغربي تمكّنوا من تأسيس فلسطين، بعدما رفض العالم أن يعترف لهم بحق تأسيسها.. جمهورية مستقلة كاملة السيادة لمدة 4 ساعات، إنه لا يهم أبداً كم دامت هذه الجمهورية الفلسطينية. المهم أنها تأسست، وكانت أول رئيسة جمهورية لها اسمها دلال المغربي".
ارتبك الاحتلال الصهيوني أمام هذا الخرق الأمني الخطير، فتداعى بقيادته وعناصره لمحاولة تطويقه عبر نشر الحواجز، فيما وقع اشتباك ما بين المجموعة الفدائية وعناصر شرطة العدو الصهيوني المنتشرين على الطريق، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف الصهاينة، الأمر الذي حدا بحكومة الاحتلال إلى مواجهة هذا الموقف الحرج وتكليف فرقة خاصة يقودها إيهود باراك بإيقاف الحافلة مهما بلغ الثمن وتصفية الفدائيين، حيث عمدت إلى استخدام الطائرات والدبابات وآلاف الجنود لحصار المجموعة وإمطارها بالرصاص.
وبعد مواجهة بطولية دامت ساعات طوالا وما لحق من انفجارات بمتن الحافلة، عمد جنود الاحتلال إلى حصد أرواح الفدائيين بالرشاشات، لتُسفر العملية عن استشهاد 11 فدائياً بينهم دلال، وأسر اثنين مُصابين وهما خالد أبو أصبع ويحيى سكاف الذي بقي مصيره مجهولاً حتى اليوم، مقابل وقوع خسائر فادحة في صفوف العدو الذي خسر عشرات القتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين، فيما احتجزت سلطات الاحتلال جثمان الشهيدة دلال المغربي في "مقابر الأرقام" لما لها من رمزية ثورية وفي محاولة لاستعادة ماء وجهها أمام مستوطنيها.

معركة الشقيف
في معركة الشقيف الشهيرة التي وقعت بين جيش العدو الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، مطلع يونيو 1982 في قلعة الشقيف جنوب لبنان، برز اسم البطل اليمني الشهيد عبدالكريم الكحلاني الذي كان نائب قائد قوات "كتيبة الجرمق"، الفدائي يعقوب سمور "راسم"، المصادر الفلسطينية ذكرت أن اسم الشهيد اليمني الكحلاني عبدالقادر، ولكن تواصلنا مع أسرته في محافظة ذمار كشف لنا أن اسمه عبدالكريم، وهنا نتوقع أن اسمه الجهادي كان عبدالقادر.
حاصرت قوات العدو القلعة بأكثر من 1200 جندي، وبدأ بهجوم عنيف باتجاه الكحلاني ورفاقه بالـ(آر بي جي)، والقصف الجوي واستمر القتال وجهاً لوجه في كل خندق وكل زاوية من القلعة وتحت كل حجر لمدة 60 ساعة كاملة.
بعد الخمسين ساعة الأولى استشهد 25 فدائياً خلال القتال، وبعد أن وصل الأمر حد القتال وجها لوجه، وظل اثنان من الفدائيين يقاتلان وتمكنا من قتل 7 جنود "إسرائيليين" وإصابة 17 بجروح خطيرة قبل استشهادهما.
في نهاية المعركة وصل رئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيغن إلى الموقع وسأل إذا كان الفدائيون قد استسلموا؟ ورد عليه الجنود بأنه لم يستسلم أحد منهم أبداً.
الرواية الفلسطينية المتعارف عليها تقول إن جميع المقاتلين استشهدوا، إلاّ أن مصادر أخرى تقول إن هذا غير دقيق، فالصحيح أن المقاتلين، في معظمهم، استشهدوا بمَن فيهم قائد الموقع الشهيد راسم ونائبه المقاتل اليمني الكحلاني، أمّا الناجون، ومعظمهم من المجموعة الوسطى التي تعرضت لغاز الأعصاب، الذي استخدمته القوات الصهيونية، فتمكنوا من الانسحاب بعد العاشرة ليلاً، ويعود ذلك إلى قيام راجمة صواريخ تابعة لـ"الكتيبة الطلابية" بقصف المدرعات الصهيونية المنتشرة على مداخل القلعة وتحقيق إصابات مباشرة بها، الأمر الذي اضطر العدو إلى إخلاء القلعة والانسحاب في اتجاه منطقة "أرنون" خوفاً من تكرار القصف.
المجموعة الناجية انسحبت في اتجاه النهر عبر طرق وعرة، وقد استغرق قطع مئات الأمتار منها عشر ساعات، وبعد الانسحاب بثلاثة أيام استشهد من أفراد المجموعة أحمد نصر في اشتباك قرب منطقة "دير الزهراني"، كما استشهد فادي سمور بعد عام أثناء مطاردة فلول الجيش الصهيوني عند انسحابه من الجبل، وبقي منها شعبان المصري ووليد اللبناني من قرية "الحلوسية" الجنوبية، وسعد المقيم بعمّان، ومجاهد الذي أصبح أستاذاً جامعياً يدرّس علم الاجتماع، هؤلاء هم الذين بقوا من الأبطال الذين وُجدوا في قلعة الشقيف الراسخة في وجدان الشعب الفلسطيني وتاريخه وتراثه.

أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان كانت فائقة السيد باعلوي طالبة في كلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر في آخر فصل دراسي، مرحلة البحث النهائي للتخرج "مشروع التخرج"، وكانت اليمن في ذلك التوقيت تتحرك سياسياً ودبلوماسياً لحشد التأييد العربي لمناصرة القضية الفلسطينية، علمت حينها الطالبة المثابرة فائقة السيد أن وزير دفاع بلادها علي أحمد ناصر عنتر في العاصمة الجزائر لإجراء مباحثات مع القيادة الجزائرية حول توفير الدعم والسلاح للثورة الفلسطينية، تحركت على الفور للقاء الوزير عنتر الذي كان يقيم في فندق الأوراسي، وقالت له إنها ستكون إن شاء الله قريبا في لبنان مع الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
انتهت من مشروع تخرجها وكان حول "السياسة الخبرية في صحيفة صوت العمال" وأودعته مع زملائها، وقالت لهم إذا نلت شرف الشهادة سلموا المشروع للجامعة واستلموا شهادة التخرج وأرسلوها إلى والدتي في عدن، وتحركت مع بعض زميلاتها المناضلات من الجزائر إلى سوريا، وهناك التقت المناضل الفلسطيني سعد الدين غندور المعروف باسم "أبو عمار سعد" الذي قام بتسجيل فائقة ورفيقاتها اللواتي انتقلن من طالبات جامعيات إلى مناضلات يطلبن الشهادة في سبيل الثورة الفلسطينية.
في حديث خاص أجريته مع المناضلة فائقة السيد، قالت: بعد إتمام عملية التسجيل تسلمنا البطاقات وجرى إرسالنا من سوريا إلى سهل البقاع في لبنان، وتم استيعابنا في أحد معسكرات كتيبة الجرمق بقيادة العقيد ركن سعد صايل (أبو الوليد)، الذي انتقل إلى لبنان لتنظيم صفوف الثورة الفلسطينية منذ العام 1971، وكان له دور بارز ومهم، نظرا لخبرته العسكرية في إعادة بناء الأجهزة العسكرية للثورة الفلسطينية، وتدريب القوات إلى جانب كل من القادة: ياسر عرفات، وخليل الوزير (أبو جهاد)، ومحمد يوسف النجار، وآخرين.
وتضيف السيد أنها التحقت بفصيل نسائي يضم فلسطينيات ويمنيات وكويتيات، وجرى تدريبهن على السلاح الرشاش والتفخيخ وزراعة الألغام والزحف والتصويب واستعمال "آر بي جي 7"، وإلى جانب المهام القتالية ارتأت القيادة في حركة فتح أن يتم توزيعهن للخدمات الطبية العسكرية في المخيم التدريبي المُقام لكتيبة الجرمق في منطقة صور بجنوب لبنان، تحت إشراف الدكتور داوود أحمد عبدالله الحسن "شتيوي"، وتنقلت السيد ما بين الأعمال الطبية والمهام العسكرية في مخيمات البداوي ونهر البارد ومنطقة الروضة في سهل البقاع.
وبعد أن اندمجت الفدائية فائقة السيد في معسكرات الثورة الفلسطينية في لبنان وذاع صيتها، جاء لزيارتها في موقعها العسكري، الملحق العسكري في سفارة اليمن بسوريا يحمل إليها توجيهات حكومية تقضي بضرورة عودتها إلى الجزائر لاستكمال دراستها، ولكنها رفضت التوجيهات الحكومية وأبلغت الملحق العسكري أنها لم تأت إلى لبنان بقرار حكومي، ولن تغادر بتوجيهات حكومية، وأن مصيرها مرتبط بالثورة الفلسطينية والنضال اللبناني والعربي في وجه العدو الصهيوني.
تقول فائقة السيد: لم أكن اليمنية الوحيدة التي تقاتل في لبنان، وقابلت مقاتلين من كل الجغرافية اليمنية، وكان هناك ألوية عسكرية تتبع الحكومة اليمنية، وقابلت طلابا يمنيين جاؤوا من رومانيا وروسيا وكل بلدان العالم تركوا دراستهم وجاؤوا للتطوع. وتتذكر هنا أحد المقاتلين اليمنيين الذي كان اسمه "طه" عندما عرف بوجود مقاتلة يمنية كان يتباهى بها دائماً أمام رفاقه الفلسطينيين واللبنانيين، وكان يقطع مسافات طويلة مخاطراً بنفسه، ليشتري لفائقة ورفيقاتها الماجدات "جعالة" من محلات "الغجر" خارج نقاط التماس.
ومن القصص الطريفة التي سردتها المناضلة فائقة السيد تقول: "في إحدى الليالي الشتوية في سهل البقاع وعندما كنت في (نوبة) حراسة للمعسكر، أرسلت القيادة سيارة لاصطحابي في وقت متأخر من الليل إلى معسكر آخر وفي منطقة بعيدة، لمقابلة متطوعين قدموا من ريف تعز، وكانوا في حالة مرض وإعياء شديد، ولكنهم لم يستطيعوا أن يشرحوا حالتهم للإخوة الفلسطينيين بسبب أنهم كانوا يتكلمون بلهجة ريفية".
تضيف فائقة: "وصلت إلى هؤلاء المتطوعين، وسألتهم عن حالتهم، وكانوا يقولون إنهم يشعرون بوقيص، قمت بالترجمة والشرح للفلسطينيين وتم نقلهم إلى المستشفى".
وتتذكر أيضاً أن "فرقة تابعة للقوات المسلحة اليمنية كانت قبل التوجه لتنفيذ عمليات فدائية، يمروا لعندي للمعسكر ويخبروني أنهم رايحين ينفذوا عملية فدائية وكنت أقول لهم: إذا رجعتم سالمين غانمين أهلا وسهلا بكم وإذا استشهدتم سنقوم بالواجب وننقل جثامينكم للبلاد".
استمرت فائقة السيد في لبنان إلى حين إعلان وقف إطلاق النار باتفاق "سوري -إسرئيلي" بوساطة المبعوث الأمريكي فيليب حبيب، وبعد توقف جبهات القتال، رأت السيد ورفيقاتها أن معسكرات المتطوعين تحولت إلى عبء على لبنان فقررت العودة إلى الجزائر لاستكمال إجراءات تخرجها من الجامعة، والعودة إلى الوطن لاستكمال مسيرتها النضالية.

الغزالي كاشف الجواسيس
العقيد عمر أحمد الغزالي، أحد اليمنيين المناضلين في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن ابتعث للتعليم في الخارج ولم يكن يتجاوز عمره حينها الثامنة عشرة، والتحق بإحدى الكليات العسكرية بمنحة من منظمة التحرير الفلسطينية، حيث عمل مرافقا للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والمناضل صلاح خلف (أبو إياد)؛ قائد الجهاز الأمني الخاص لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرز دور الغزالي في مكافحة التجسس واستطاع اكتشاف الكثير من خلايا التجسس الصهيونية.
وبعد عودته لليمن أوفدته صنعاء ملحقا عسكريا لسفارة اليمن في باكستان ثم ضابط الارتباط مع فلسطين.

من منا لا يعرف الدور البطولي للطيار اليمني الشاب، الشهيد عمر غيلان الشرجبي، الذي ابتعثه والده مع أشقائه الثلاثه لإتمام تعليمهم، حيث درس الشهيد مرحلة الثانوية في مدرسة "ابن العميد" في منطقة ركن الدين بالعاصمة السورية دمشق، وبعد إتمامه الثانوية بتفوق، أصر عمر الشرجبي على تحقيق حلمه بالانضمام للكلية الحربية، حيث كان يحلم دوماً أن يكون طياراً حربياً ويردد ذلك بين أقرانه ومحيطه الأسري، وجاءت نكسة 1967 لتزيد من رغبته وإصراره على المضي في تحقيق هذا الحلم، لم يكن حينها الانضمام للكلية الحربية في سوريا متاحا لغير السوريين، فألهمه شغفه بتحقيق الحلم الذي يراوده، أن يرابط أمام مقر وزارة الدفاع في دمشق، لعدة أيام، حتى أتيحت له الفرصة للقاء وزير الدفاع حينها القائد المناضل حافظ الأسد، وتقدم إليه بطلب استثناء باعتباره يمنيا ليتسنى له الالتحاق بالكلية الحربية، وهنا كانت المفاجأة بسرعة تجاوب حافظ الأسد الذي لمس في ذلك الشاب اليمني القادم من ريف تعز، صفات الفدائي العابر للحدود، لاسيما وأن الأسد كان أيضاً طياراً حربياً.
حينها تحققت الأمنية والتحق عمر الشرجبي بالكلية الحربية بمدينة حلب السورية عام 1970 وتخرج منها سنة 1972، ولم يغادر الأراضي السورية، حيث استمر في إجراء طلعات تدريبية، حتى جاء يوم السادس من أكتوبر في العام 1973، واندلعت حرب التحرير على الجبهتين السورية والمصرية، حينها لم يتردد الشرجبي في الانضمام متطوعاً إلى صفوف مقاتلي الجيش العربي السوري، محلقاً مع نسور الجو العربي السوري بطائرة نوع "سوخوي"، في يوم العاشر من أكتوبر مهاجماً مواقع جيش العدو الصهيوني، في منطقة "جبل الشيخ"، وبعد اشتباكه مع طيران العدو وإسقاطه لعدد من طائرات الفانتوم الصهيونية، نفدت ذخيرة الشرجبي، أبلغه قائد السرب بالعودة إلى القاعدة الجوية، غير أن الفدائي اليمني رفض التوجيهات، وتوجه بطائرته يسابق الريح إلى مصافي "حيفا" لينفذ بطائرته التي حولها إلى ما يشبه الصاروخ الهجومي عملية استشهادية دمرت المصافي وألحقت بالعدو خسائر فادحة.
كتب الشاعر الكبير المرحوم علي بن علي صبرة في ديوانه الشعري قصة حدثت له عند سماعه خبر العملية البطولية عبر المذياع أنه قبل أن يعرف هوية منفذ هذه العملية، ردد ضاحكاً أن عملية كهذه لا يقوم بها إلا بطل يمني مقدام، وعندما أُعلن أن منفذ العملية هو عمر غيلان الشرجبي، كتب صبرة قصيدة بعنوان "نسر صرواح في سماء الجولان"، يقول فيها:
يا نسر صرواح عليك سلام
نطق الرصاص وجفت الأقلام
ما مات من أحيا العروبة موته
يوم الفدا نعم الفتى المقدام
لما هويت شواظ نجم ثاقب
رجمت شياطين به وطغام
وصرخت منقضاً على أوكارهم
أجهز على فانتومهم يا سام
خلدت سوريا اسم الشرجبي كأحد الشهداء الأبطال في الجيش العربي السوري، وقام السفير السوري في صنعاء حينها بزيارة والد الشهيد وأسرته، وقدم لهم باسم الجمهورية العربية السورية، وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، الذي منحه الرئيس حافظ الأسد للشهيد عمر الشرجبي، بالإضافة إلى ترقيته إلى رتبة ملازم أول طيار شرف، كما أطلقت اليمن في حينها، اسم الشهيد عمر غيلان الشرجبي على أحد الشوارع الرئيسية بمدينة عدن.
وعلى الرغم من مرور ما يقارب خمسين عاماً على استشهاد الشرجبي إلا أن اسمه لايزال حاضراً لدى القوات المسلحة اليمنية في مواجهتها للعدوان الغاشم الذي يشن على اليمن، حيث حيا الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني العميد يحيى سريع، بالتزامن مع ذكرى حرب أكتوبر، الشهيد الشرجبي، معبراً عن اعتزاز اليمن بهذا التاريخ المشرف.

الدعم بالمال والسلاح
خلال اجتماع قادة الشطرين الشمالي والجنوبي عشية إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990 ألقى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كلمة في عدن بارك فيها وحدة الشطرين، واصفاً دولة فلسطين بالشطر الثالث لليمن، هذا الوصف هو عرفان فلسطيني لليمن، الذي كان حينها وطناً للمقاومة الفلسطينية وقادتها، ومخزنا لسلاحها، ومقرا لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي فتحت لها بلادنا المعسكرات ومراكز التدريب.
إضافة إلى تمويل الفلسطينيين بالسلاح السوفيتي النادر، حيث سلم الرئيس علي ناصر محمد، المقاومة الفلسطينية سلاحا استراتيجيا ممنوعا ووحيدا كان يتواجد لحماية مطار عدن، أثناء فترة رئاسته، وبالرغم من انزعاج السوفييت من هذه الخطوة، إلا أن الرئيس علي ناصر رد على السوفييت بالقول: "إذا لم يصل هذا السلاح إلى المقاومة في فلسطين، فإن اليمن ستلغي كل المعاهدات"، وهو ما يؤكد أن اليمن الجنوبي كان مستعداً للتضحية بحليفه الأكبر من أجل فلسطين.
وكانت تربط منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات علاقة مميزة مع اليمن، وزياراته المتكررة لعدن شاهدة على ذلك، واستمر اليمن بتقديم الدعم المادي رغم الإمكانيات الشحيحة حينها وكذلك شحنات السلاح التي يتم إرسالها إلى أماكن تواجد الفصائل في مخيماتها، إضافة إلى توظيف عدد كبير من الأساتذة الفلسطينيين في جامعة عدن وفي المدارس الثانوية في مختلف المحافظات اليمنية.
في حرب أكتوبر 1973، أغلق اليمن مضيق باب المندب على سفن وبارجات الكيان الصهيوني، حيث أصدر الرئيس سالم ربيع علي "سالمين" أمرا بإغلاق ممر باب المندب دون الإعلان عن ذلك رسميا أثناء حرب أكتوبر في مصر بمساعدة من القوات المصرية، وكانت القوات المصرية توصلت لأسلوب لم يستخدم في أي حرب من قبل حيث وضعت المدمرات الحربية في مدخل المضيق بمشاركة قوات يمنية دون أن يتم إعلان غلق باب المندب، الأمر الذي تسبب بمنع المراكب الصهيونية من المرور، وقطع إمددات البترول عن "إسرائيل" بنسبة 100% طوال فترة الحرب، وكذلك منعت عنها إمدادات البترول من خليج السويس، وطرحت اليمن قرار فتح المضيق كورقة ضغط لمصر، أثناء مفاوضات فك الاشتباك مع العدو الصهيوني، وإدخال الإمداد والتموين للجيش الثالث الذي كان محاصراً حينها، وانتهى الأمر بالانتصار على العدو الصهيوني وتحرير سيناء.
وفي عام 1982، وبعد الاجتياح الصهيوني لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت، كان الرئيس علي ناصر في زيارة إلى إثيوبيا وانتزع من رئيسها في ذلك الوقت بيان إدانة لـ"إسرائيل" رغم تحفظه على بعض المواقف العربية وعاد مباشرة إلى عدن وتوجه إلى صنعاء والتقى مع الرئيس علي عبدالله صالح واتفق الاثنان على إرسال ستة ألوية عسكرية من الشمال والجنوب إلى العاصمة بيروت لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، أرسلت عدن كتائب مجهزة، ومن صنعاء توجهت كتائب عسكرية ومتطوعين، ولكن أغلبهم عادوا من لبنان بعد وصولهم بسبب عدم جدية السلطة في صنعاء بتجهيزهم للقتال، ولم يستقبلهم أحد.
وحققت "إسرائيل" مبتغاها وأخرجت فصائل الثورة الفلسطينية من لبنان وتم توزيعهم في أماكن شتى في بعض البلدان العربية واستقبلت اليمن الديمقراطية حينها أعداداً كبيرة منهم بطلب من الرئيس علي ناصر، وفتحت لهم المعسكرات التدريبية على أمل العودة لخطوط التماس مع العدو الصهيوني، والتحق الكثير منهم بالدراسة الجامعية وعاشوا كمواطنين يمنيين، بل برعاية خاصة من الرئيس علي ناصر الذي كان داعماً شخصياً طوال فترة رئاسته ومتفاعلاً مع ما قاله الرئيس عرفات إن فلسطين هي الشطر الثالث لليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات