عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
تصادف هذه الأيام الذكرى الثالثة عشرة لرحيل المناضل القومي الشهيد عبدالرقيب القرشي، النقيب في قوات المظلات خلال فترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي، والذي كان من أبرز المقاومين ضد الاستعمار البريطاني ضمن صفوف جبهة التحرير، فـي مثل هذه الأيام من العام 2010 عاد القرشي من منفاه في الجمهورية العربية السورية إلى العاصمة صنعاء بعد ثلاثة عقود قضاها خارج الوطن عقب الحملة العسكرية التي قادها عفاش بنفسه إلى قرية الأبطال بمنطقة القريشة بتعز وقام بنهب بيته وتفجيره، ومازالت آثار التفجير في البيت شاهدة حتى يومنا هذا، ولم يكتف عفاش بذلك، بل عمل على تجريده من رتبته العسكرية والحكم بالإعدام عبر محكمة أمن الدولة.
بعد كل ما حدث وجّه عفاش الدعوة للمناضل القرشي عبر سفير بلادنا آنذاك في سوريا عبدالوهاب طواف، الذي بذل مساعيه لإقناعه بالعودة إلى صنعاء ومقابلة عفاش وحل كافة الإشكاليات العالقة منذ 33 عاما، وهنا تدخل أيضاً الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري سلطان العتواني الذي أبلغ القرشي أنه تلقى اتصالاً من عفاش يطمئنه فيه بأنه قطع وعوداً بتأمينه حال عودته وفتح صفحة جديدة عنوانها الحوار السياسي وإعادة كل المنفيين وتعويضهم، وعندما وافق القرشي اصطحبه السفير الطواف إلى صنعاء وتم استقبالهما من قبل مراسيم الرئاسة في صالة التشريفات بمطار صنعاء، بحضور العتواني وأعضاء الأمانة العامة للتنظيم الوحدوي الناصري، وعدد من أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء البرلمان وجمع غفير من أعضاء التنظيم والشخصيات السياسية والاجتماعية، وبحراسة وضيافة رئاسية أقام القرشي ونجله الأصغر "معتز" في فندق تاج سبأ، على أساس أن عفاش سيقابله في اليوم التالي، وهو ما لم يحدث، وبعد مرور أسبوعين من مماطلة الرئاسة وعدم الوفاء بوعد اللقاء، شعر القرشي أن ثمة أمرا يدبر وطلب أن يعود إلى دمشق، وهذا ما دفع عفاش للاستعجال في أمر تصفيته والتخلص منه.
سيناريو التصفية بدأ عندما أوعز عفاش لإعلام السلطة وصحافته بتبني حملة هجوم على القرشي بعد أيام من وصوله إلى صنعاء واتهامه بالتورط في ما تسمى "أحداث الحجرية" التي قتل فيها عفاش لجنة الوساطة التي أرسلتها صنعاء من مشايخ تعز إلى "عبدالله عبدالعالم" في الحجرية، قبل أن تصل حملة عسكرية إلى المكان، وقتل حينها عدد كبير من المشايخ القبليين الحاضرين عام 1978، مع العلم أن هؤلاء المشايخ كانوا من المؤيدين لـ"مؤتمر الروضة"، ومساندين لحركة التصحيح التي كان يقودها الرئيس الحمدي، ومصلحة عفاش بتصفيتهم للإجهاز على مؤيدي ومناصري مشروع الحمدي، وكان بينهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي عاد من منتصف الطريق بعد أن تلقى اتصالاً من عفاش يدعوه لأمر هام، وظلت تفاصيل هذه الحادثة غامضة حتى كشف شريك عفاش "الجنرال" علي محسن الأحمر بعد انضمامه للثورة في العام 2011 أن عفاش هو من حاك الدسائس وقتل مشائخ الحجرية.
بعد الحملة الإعلامية تراجع عفاش عن اللقاء الذي جاء القرشي لأجله بحجة خشيته من أي ردود فعل انفعالية من ذوي المشائخ المغدورين، وكل ذلك كان تمهيداً للتصفية التي تمت يوم الجمعة الموافق 25 يونيو 2010 عندما قام قناص بإطلاق النار على القرشي أثناء عودته من أداء صلاة الجمعة برفقة ثلاثة من أبنائه ومرافقه الشخصي، بالقرب من الفندق الذي يقيم فيه بضيافة رئاسية وعلى مقربة من دورية أمنية لم تحرك ساكناً لحظة إطلاق النار الذي يعتقد أنه كان من داخل أحد الفنادق المجاورة.
أصابت رصاصة القناص، رأس القرشي من الجهة اليمنى أعلى الرأس ونقل لحظتها إلى مستشفى الشرطة النموذجي، دون أي عناية أو رعاية، وبعد أن دخل في حالة غيبوبة، اقترح الأطباء حينها نقله إلى الخارج بطائرة إخلاء طبي، ورفض عفاش ذلك، وخوفاً من الإجهاز عليه داخل المستشفى جراء الإهمال الواضح وعدم فتح تحقيق بالجريمة أو أي تحرك أمني لتعقب القناص، قررت عائلة القرشي نقله إلى سوريا، وهنا أيضاً لم تتعاون الأجهزة الرسمية، أو حتى أحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسها التنظيم الناصري الذي ينتمي إليه القرشي، ما دفع أولاد القرشي لاستخدام علاقاتهم الخاصة ونقل والدهم من المستشفى، والتنسيق مع الحكومة السورية التي استقبلتهم في مطار دمشق ونقلته إلى أحد المستشفيات السورية لتلقي العناية اللازمة إلا أنه فارق الحياة هناك بعد عدة أيام نتيجة لرصاصة القناص الذي قتله واختفى وكأن شيئاً لم يكن.
تصفية المناضل عبدالرقيب القرشي بهذه الطريقة بعد ثلاثة عقود من المنفى القسري دليل واضح على حقد عفاش على كل قيادة الدولة الذين عاصروا الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وآمنوا بمشروعه وهي حلقة ضمن مسلسل كبير من الاغتيالات والتصفيات التي نفذها عفاش ونظامه الإخواني بحق اليساريين والقوميين، خلال سنوات حكمه لليمن، ولم تنته هذه الجرائم بمغادرته للسلطة بعد الحصانة التي منحت له عبر "المبادرة الخليجية"، بل كانت تلك مرحلة جديدة نفذ فيها كل مؤامراته الخبيثة وأعماله الشيطانية بعيداً عن الأضواء.
أقل ما يمكن أن تقدمه صنعاء اليوم لأهالي هؤلاء الشهداء والمناضلين والمخفيين قسراً والذين تم دفن بعضهم أحياء في مقابر جماعية، إعادة فتح ملفات التحقيق ورعاية أسرهم بما يتناسب مع إعادة الاعتبار لأرواح ذويهم الذين قدموا للبلاد الكثير، ولم تخلد ذكراهم أو ينصفهم أحد حتى يومنا هذا.

أترك تعليقاً

التعليقات