عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
«سنخدمكم بأشفار عيوننا» هذا الشعار أطلقه سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي واتخذه حزب الله عنواناً للعمل الاجتماعي في الوقوف إلى جانب أهله وشعبه وأبناء وطنه من خلال تقديم يد العون والمساعدة للناس، وهذا امتداد طبيعي لجهود الحزب المستمرة منذ انطلاقته، ومن خلال الاطلاع عن قرب على العلاقة بين حزب الله والناس يتضح أن هناك خدمات متبادلة بدأت منذ العام 1982 ومازالت مستمرة وتزداد قوة، وفي حين يرى الناس أن هذه المقاومة هي لهم ومنهم، يؤمن حزب الله أنّ خدمة الناس من أعظم أوجه العبادة ‏ومن أعظم ما يقرّب الإنسان إلى الله، ومع مرور الوقت، بدأ العمل الاجتماعي داخل حزب الله يتطور إلى صيغة المؤسسات بهيكلياتها وإداراتها ورؤاها وأهدافها.
تنبثق عن الوحدة الاجتماعية داخل الحزب، لجان العمل الاجتماعي ولجان التكافل التي تم إنشاؤها في البلدات والقرى اللبنانية لتوزيع حصص غذائية وفاكهة وخضار وزيت وغاز ووسائل تدفئة وألبسة وغيرها من الحاجات والمواد المنزلية، وشعار العاملين في هذه اللجان أن ما يقومون به هو أقل الواجب تجاه أهلهم ومجتمعهم وتجاه من وقف إلى جانب المقاومة في أشد الأوقات والمحن وأحلك الظروف وقدموا الغالي والنفيس ولم يبخلوا بشيء.
بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ العام 2019، أطلق الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله عبارة «لن نجوع»، وسرعان ما تحولت هذه العبارة إلى معادلة جهادية أدرجت على قائمة أولويات الحزب لمواجهة الحرب الاقتصادية والعقوبات الأمريكية، ومن أجل تنظيم العمل ووضع الخطط والرؤى، أسست وحدة تنظيمية جديدة داخل حزب الله حملت اسم «الأمان الاجتماعي»، والتي كانت النواة الأولى لبرنامج «الإمام السجاد»، وهو أشبه بتأسيس «استهلاكيات تموينية» ومخازن غذائية ضمن المناطق اللبنانية بأسعار تنافسية، لمقاومة الحصار والعقوبات وعمليات التجويع التي تستهدف بالأصل فكرة وبيئة وجمهور المقاومة.
أما الجهة المستفيدة فهي جميع العوائل اللبنانية، ما عدا عائلات الأفراد الذين يعملون في حزب الله، والذين تخصص لهم برامج دعم أخرى، مع الإشارة إلى أن مبادرة السجاد تقدم أسعاراً أقل من برامج دعم المتحزبين، ويتم تقديم طلب الاستحصال عليها، عند لجان متخصصة بمتابعة الشؤون الاجتماعية في القرى والمدن، تقوم بدراسة الحالة، وتمنح البطاقة للمستحقين.
ولهذا البرنامج قام الحزب بتجهيز التعاونيات والمخازن المخصصة للبيع، بالإضافة إلى تأمين خطوط توريد وتجهيز مستودعات تخزين ضخمة للمواد، لضمان استقرار الأمن الغذائي لفترة طويلة، وقد تم افتتاح عدة متاجر تتعامل بهذه البطاقة على كافة الأراضي اللبنانية، لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من العائلات، وجرى توظيف عدد كبير من الشباب في المستودعات والمخازن والتعاونيات، وبذلك أسهم الحزب أيضاً في حل مشكلة البطالة عند الشباب.
خلال افتتاح النائب في حزب الله محمد رعد أحد فروع مستودعات الإمام السجاد خاطب المواطنين بالقول: «إن هذا مخزن من مخازن الإمام السجاد يضعه حزب الله بتصرفكم وأنتم تخوضون معنا المواجهة والصمود بوجه أعداء الإنسانية الذين يريدون إذلالنا وإخضاعنا ومصادرة هويتنا وقرارنا وسيادتنا في بلدنا»، وأضاف أن «هذا المخزن هو جرعة دعم لصمود شعبنا ليتقوى فيها هذا الشعب للتصدي والمواجهة للمؤامرات الإقليمية والدولية، التي يستخدم فيها بعض المحليين المولعين بالخضوع».
بهذه الكلمات يضع حزب الله خدمته للمجتمع بحب واهتمام لا يخلو من الاستشعار بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد، ولا تقتصر خدمات الوحدة الاجتماعية على الأمان الغذائي فحسب، بل تشارك لجان العمل الاجتماعي في عملية رفع وإزالة النفايات المتكدسة من الشوارع والأحياء لرفع الضرر الصحي والبيئي عن الأهالي في المناطق المستهدفة، وصولاً إلى صيانة وتعبيد الطرقات وسفلتتها بالتعاون مع البلديات والجهات الحكومية.
وفي مجال البناء والإعمار لدى حزب الله مؤسسة جهاد البناء التي لعبت دوراً بارزاً في إعادة إعمار ما دمره الكيان «الإسرائيلي»، ومن ضمن خدماتها للاكتفاء الذاتي الإرشاد الزراعي وبناء القدرات للمزارعين عبر الندوات والدورات والزيارات الحقلية التي ينفذها المهندسون الزراعيون في المؤسسة وكذلك المهندسون المتطوعون، وتقوم بتوزيع مئات آلاف من غرسات الأشجار المثمرة سنوياً على المزارعين والتعاونيات والجمعيات والبلديات، وتحصين آلاف رؤوس الماشية، وتنظيم أسواق المزارعين، وإقامة أسواق المواد الغذائية التي تنتج في البيوت، والحرف اليدوية في مختلف المناطق، والتدريب المهني والحرفي من أجل خلق فرص العمل خاصةً للشباب والنساء، والتصدي لظاهرة التصحر عبر عمليات التشجير بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والبلديات واتحاداتها، وكذلك إنتاج آلاف الغراس سنوياً من الأصناف المقاومة للجفاف وتوزيعها على المزارعين.
وفي الجانب الصناعي أطلق حزب الله عبر جهاد البناء، برامج تدريبية مكثفة في اختصاصات التصنيع الغذائي، سواء للاستهلاك الشخصي أو للإنتاج التجاري والبيع في الأسواق بهدف تأمين فرص العمل ومكافحة البطالة، وتدريب النساء لدعم أزواجهن في الدخل الأسري، وتدريب العاملين على مهنة إضافية تعزز من دخل الأسر، وصولاً إلى تمكين العاملين من توظيف مهاراتهم ضمن المهن والحرف التي يعملون بها.
ولأن القطاع التجاري اللبناني محكوم بشبكة من هوامير المصالح والمحسوبيات، لا تسمح لصغار المنتجين، وهم الفئة الأكبر، بأن يكون لهم دور فعال، تدعم المؤسسة معارض وأسواقا مركزية وفي البلدات والقرى، ليتمكن أصحاب المنتجات الوطنية والأسر المنتجة من عرض منتوجاتهم للمستهلكين.
من هذه التجربة يبدو أن حزب الله كان مدركاً منذ البداية أن قضية العقوبات الأمريكية ليست إجراءات مؤقتة، بل سياسة طويلة الأمد، طالما أن واشنطن تحاول من خلال إجراءاتها العدوانية لي ذراع الحزب وإحباط عزيمة بيئته من خلال التجويع والإفقار، لذلك اتجه الحزب منذ وقت مبكر لتقديم الحلول العملية عبر المأسسة والاستدامة، مؤمناً بأنه سيحقق إلى جانب انتصاراته العسكرية، انتصارات أخرى في كل جبهات وميادين الحرب الاقتصادية والاجتماعية.
في العدد القادم سنتناول تجربة حزب الله في الجانب الصحي.

أترك تعليقاً

التعليقات