لماذا نعادي «إسرائيل»؟
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
منذ ما يزيد عن 20 عاماً أعاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي الى أذهان الأمة الإسلامية حقيقة الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وبرزت القضية الفلسطينية في فكره الثوري في توقيت كانت تتجلى فيه الهزيمة "الإسرائيلية" في لبنان، وانتصار المقاومة على الكيان في العام 2000 عندما تطهرت أراضي الجنوب اللبناني على يد حزب الله وحلفائه من التيارات القومية والاشتراكية، وأطلق السيد حسن نصر الله معادلة "الكيان أوهن من بيت العنكبوت"، ومنحت المقاومة للعرب والمسلمين أملاً بهزيمة هذا الكيان الذي كانت تروج له الآلة الإعلامية العربية والغربية أنه واقعاً قوي لا يهزم.
حينها جاء مشروع الشهيد القائد لاستنهاض الأمة وتحويل حالة الصراع مع العدو إلى ثقافة يومية من خلال إطلاق شعار البراءة من أمريكا و"إسرائيل"، وهو بمثابة رد فعل توعوي يستخدم الثقافة والفكر في مواجهة مشروع "النموذج" الغربي الذي كانت تساق إليه الحكومات العربية تحت عناوين "الديمقراطية ومكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان"، وجميعها شعارات زائفة تستخدم لتكريس النظام العالمي ذي القطبية الواحدة الحاكم للعالم، كما أن الشعار جاء لنسف "الفوبيا" التي كانت تعيشها المنطقة من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، فالكيان بعد الهزيمة في لبنان استنجد بالسياسة الأمريكية لإعادة تقديمه كقوة لا يمكن تجاوزها، وفي المقابل كان تحرير فلسطين في فكر الشهيد القائد يمثل محور النهوض والصحوة، والوعي لطبيعة العدو وأدواته وأساليبه.
وبين الشهيد القائد في دروسه ومحاضراته خطورة الانصياع للمشروع الغربي والاستسلام له والتطبيع مع "إسرائيل"، وحذّر من المؤامرات الغربية التي تحاك بمساعدة بعض الأنظمة العربية، من أجل النيل من القضية الفلسطينية وتصفيتها، وأكد الشهيد القائد أن "إسرائيل" لا يمكن التصالح والمصالحة معها، لأنها ناكثة للعهود، واعتبر أن إسقاط المشروع الغربي في المنطقة يعني بالضرورة إسقاط "إسرائيل"، والعكس صحيح.
مشروع الشهيد القائد لاقى تجاوباً سريعاً بحكم العداء التاريخي لليمنيين تجاه الكيان، وحالة التعاطف الشعبي الكبير تجاه المظلومية الفلسطينية، فاليمنيون من أصدق وأخلص الشعوب مع هذه المظلومية، ولكن الشهيد القائد بتأصيله لحالة العداء لأمريكا و"إسرائيل" لم يكن تفكيره محصوراً بفلسطين، فهو قرأ واقع الأحداث في سوريا ولبنان ومصر والسودان والصومال وإريتريا، واستشعر الخطر "الإسرائيلي" والغربي على اليمن لاسيما وأن بلادنا تقع على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وليست بمنأى عن الخطر القادم من هذا الكيان.
الثغرة هنا أو ما يمكن تسميتها نقطة الضعف الشعبية أن كثيرا من اليمنيين لم يستوعبوا بعد مرور 22 عاماً على انطلاق مشروع الشهيد القائد أن اليمن ليست بعيدة عن المطامع "الإسرائيلية"، وأنها في مرمى الأطماع والاستهداف، والشواهد على ذلك قديمة وحديثة، فالقصف "الإسرائيلي" على اليمن بعد انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962 لم يكن بدايتها، والتواجد العسكري "الإسرائيلي" اليوم في سقطرى لن يكون آخرها.
نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتعريف المجتمع اليمني بخطورة الكيان انطلاقاً من أطماعه في بلادنا وموقعها الاستراتيجي، منذ احتلال فلسطين وإلى اليوم تسعى "إسرائيل" إلى تأمين عمق حيوي واستراتيجي لها لعدم وجود الامتداد الجغرافي الكافي، في ظل المحيط المعادي لها، لحمايتها من أي تهديد قادم من المقاومة الفلسطينية في الداخل أو من دول الطوق والمحور، وحاجتها الملحة لحماية خطوط النقل التجارية، عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ولا ننسى أن "إسرائيل" كانت قد شنّت حرب 1967 بذريعة إغلاق مضائق تيران في وجه ملاحتها البحرية، وهي تعتبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ممراً بحرياً لتجارتها مع الهند والصين وجنوب أفريقيا ويمثّل المضيق اليمني خطاً رئيسياً للأسطول التجاري "الإسرائيلي"، إلى ميناء "إيلات" أو قناة السويس.
وهنا نستذكر قصص الجواسيس الذين كانت ترسلهم "إسرائيل" إلى ميناء الحديدة ومنطقة رأس كثيب وميدي والمخا وكل أنشطتهم كانت تتمركز على الشريط الساحلي وفي الجزر اليمنية على مدى العقود الماضية.
الإيمان اليمني بالقضية الفلسطينية وانتصار ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014 زاد الخوف "الإسرائيلي" من اليمن، وقبل بدء العدوان على اليمن بعدة أشهر حذر المسؤولون الأمنيون داخل الكيان كل شركات السفن "الإسرائيلية" بالتعامل مع سواحل اليمن بوصفها سواحل دولة معادية، ما يفرض عليها اتخاذ إجراءات متشددة على مستوى الحماية والتأهب عند عبورها مضيق باب المندب.
وخلال تصاعد هجمات التحالف على اليمن نشرت صحيفة "معاريف" العبرية أن "تل أبيب تسوغ تدخلها في اليمن بحجة الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وينطلق هذا التدخل من افتراض مفاده أن تكثيف الوجود الإسرائيلي في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يمكن أن يمثل عاملاً رادعاً يحول دون توجه صنعاء لاستهداف خط التجارة بين إسرائيل ومنطقة جنوب شرق آسيا".
وعقب الهجمات اليمنية على الإمارات تناولت مجلة "معرخوت" العبرية، وهي نشرة متخصصة بشؤون جيش الاحتلال الصهيوني و"الأمن القومي الإسرائيلي"، مسألة هجوم القوات اليمنية على الإمارات معتبرة أن الهجوم اليمني على "إسرائيل" أصبح مسألة وقت، وفق تقرير لعومر دوستري، وهو محاضر في المجالين العسكري والأمني في قسم العلوم السياسية في جامعة "بار إيلان"، وباحث في الأمن القومي، بحيث أشار في التقرير إلى أنه "يجب على إسرائيل الاستعداد عسكرياً، ودفاعياً وهجومياً"، لأن المسألة أصبحت متى؟ وكيف؟
ليست القدرة العسكرية وحدها المقصودة ضمن هذا الإطار، بل الخوف من الشعب اليمني المعروف بمواقفه الثابتة والراسخة مع القضية الفلسطينية، ونشر موقع "ميديا لاين" العبري وصحيفة "جيروزاليم بوست" تقريرا يحذر من محتويات منهج الصراع العربي "الإسرائيلي" الذي يدرس في الجامعات اليمنية، زاعما أن هذا المنهج يسيء إلى اليهود ويشوههم، ويعد عملية غسيل لدماغ للطلاب، كونه يقدم اليهود كأعداء، وهذا الاهتمام من قبل الكيان بما يتم تدريسه في الجامعات اليمنية يشير الى الخوف "الإسرائيلي" من الفكر والثقافة لدى المجتمع اليمني في الوقت الذي تعمل فيه الجامعات ومراكز الدراسات والسينما والمسرح ومواقع التواصل الاجتماعي الغربية على محو هذه الثقافة من الذهنية العربية والإسلامية.
وفي خضم التقارب السعودي الإيراني قال باحث كبير في معهد أبحاث الأمن القومي، وهو أيضاً مسؤول سابق في المؤسسة الأمنية والعسكرية، إن "الاتفاق الذي وقع بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية في الشهر الماضي بوساطة صينية، يشكل بالنسبة لطهران إنجازاً دبلوماسياً إضافياً ينضم إلى سلسلة إنجازاتها في المدة الأخيرة"، ويجب الأخذ بالحسبان حركة أنصار الله، "حليف طهران وحزب الله، التي ترى في أمريكا وإسرائيل أعداء يجب القضاء عليهم"، بحسب تعبيره.
طالما وحالة الخوف "الإسرائيلي" من كل ما هو قادم من اليمن، لا ينبغى أن نترجم مشروع الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي بالعداء لأمريكا و"إسرائيل"، انطلاقاً من زاوية واحدة هي إيماننا بالقضية الفلسطينية فقط، وإنما توسيع دائرة الفهم لفكر الشهيد القائد في العداء الكامل لهذا الكيان الذي لا تنتهي أطماعه عند حدود دولة فلسطين وإنما تمتد الى الجفرافيا اليمنية والإنسان اليمني صاحب الفطرة السليمة، وتحديداً اليمني القوي الذي صد وواجه أكثر من عشرين دولة خلال ثمانية أعوام سجل فيها بطولات في الدفاع عن السيادة والكرامة ورفض التبعية للمشروع الغربي الذي يتهاوى اليوم بفعل المتغيرات الدولية والإقليمية.

أترك تعليقاً

التعليقات