أمجد وإمارة عدن
 

عبد الحافظ معجب

الإمارات والسعودية (يتضاربوا) على عدن، وكل واحدة منهم (تشتي) عدن تتحول الى إمارة خليجية أو إمارة داعشية، المهم بالنسبة لهم أن العاصمة الاقتصادية لليمن ومدينة التعايش الديني التي كانت الوحيدة بين كل مدن شبه الجزيرة العربية تحتضن المعالم الدينية المتصلة بكل العصور، تتحول إلى إمارة تأتمر بأمر خليفتهم.
عدن التي كانت ملتقى الأديان السماوية، واشتهرت بالتسامح والتعايش نتيجة لموقعها على طرق التجارة العالمية، لم تسجل على مدى التاريخ أية حالة انتهاك أو اعتداء على أية طائفة رغم كل الأحداث والصراعات السياسية التي مرت بها.
اليوم مش قادر أربط بين الحاضر والماضي لشدة تناقضهما وتنافرهما، واستحالة المقارنة بينهما، بعد أن عبثت دول الاحتلال بهذه المدينة، وتداعى إليها المسلحون والملثمون من كل بقاع الأرض، واحتضنت شذاذ الآفاق القادمين من خيام صحراء الخليج وجحور التنظيم الإرهابي في العراق والشام.
مدينة الفن والثقافة والتسامح تحولت في ظرف عامين إلى إمارة للذبح والقتل والسحل، ولم تنجُ مساجدها ولا الكنائس من أيدي العابثين بحضارة وتاريخ هذه المدينة، على خطى داعش العراق وسوريا، برعاية ودعم من العدوان الأمريكي السعودي ودول الاحتلال التي تسيطر على عدن وتحكمها.
الناس بعدن (مربوشين) مش عارفين إيش تشتي دول العدوان بالضبط، المساجد دمروها، والكنائس دمروها كمان، طيب لما يصلي الشاب العدني يعتقلوه، ولو سمع أغاني يعتقلوه، لو كتب عن الحب والسلام يقتلوه، ولو كتب عن الإسلام المحمدي يقتلوه.
آخر الضحايا كان الشاب الشهيد أمجد عبد الرحمن الذي اغتالوه داخل أحد مقاهي الإنترنت بتهمة أنه (ملحد). لم أكن أعرف أمجد، ولم أسمع عنه من قبل، وأول ما سمعت كلمة (ملحد)، وأنه كان ينشر الإلحاد بالفيسبوك، قفزت لصفحته، ورأيت إلحاداً ليس في الدين ولا في الإسلام، وإنما إلحاد (بالإخوانجيين) من عيال (مسعدة) وعلي (بلسن) والدنبوع والسعودية.
رأيت بصفحة أمجد مهاجمته للسعودية ومرتزقتها والجماعات التكفيرية الإرهابية وتنظيم القاعدة وزعيمها علي محسن الأحمر، ورأيت منشوراً آخر يقول: ولن تجد في الكون كله دولة (أخنث) من السعودية.
من لايعرف أمجد عبد الرحمن محمد، فهو شاب في مقتبل العمر، يرأس نادي الناصية الثقافي، ولا يزال طالبا في كلية الحقوق، أراد أن تكون له بصمة في استعادة دور عدن المشرق، وكان من المؤيدين لعيدروس الزبيدي ومجلسه الجنوبي، ولكن ذلك لم يشفع له عند القتلة الذين لا يعترفون بشيء، ولا يعرفون غير الذبح.
أمجد صاحب كلمة حرة ورأي مغاير لسلطات الغزو والاحتلال، وكان أحد أصدقاء الشاب عمر باطويل الذي اغتيل العام الماضي برصاص مسلحين متطرفين في ذات المدينة، وبذات التهمة (الإلحاد).
لم تنتهِ القصة عند اغتيال (أمجد)، فالقتلة الذين يحملون صفات رسمية، ويملكون معسكرات ومقرات حكومية دعمتهم ومولتهم وسلحتهم دول الاحتلال، وعلى رأسها السعودية والإمارات، منعوا تشييع جثمان أمجد، وعرقلوا دفنه والصلاة عليه في مقبرة (القطيع) بمدينة كريتر.
وفي العزاء استمرت الحكاية، حيث ذهب 3 من رفاق (أمجد) الى منزل أسرته في منطقة كريتر، لتقديم العزاء، وعند خروجهم من المنزل استوقفهم طقم (مليشياوي) تابع لقوات الحزام الأمني، في الطريق، وأجبرهم بالقوة على ركوب الطقم، واقتادهم الى معسكر عشرين (السلفي) الممول إماراتياً، وفي الحجز وجه الدواعش المحققون تهم الكفر والإلحاد والزندقة لرفاق أمجد، واعتدوا عليهم بالضرب.
قصة أمجد نموذج بسيط لحياة مدينة عدن، والمآلات التي وصلت إليها في ظل الاحتلال.. والمسؤولية كبيرة جداً على شباب عدن ومثقفيها لاستعادة دورها الريادي، وطرد هذه الكائنات الدخيلة على المجتمع العدني.

أترك تعليقاً

التعليقات