شيطنة إيران والمقاومة مستمرة
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
منذ أن بدأت مجازر العدو «الإسرائيلي» في غزة عمل الإعلام العربي المطبع والمتصهين على إبراز صورة واحدة للأحداث في غزة وهي صورة الضعف والوهن، من خلال التركيز على الجانب الإنساني فقط -برغم أهميته- دون الالتفات إلى إنجازات المقاومة العسكرية وضرباتها الصاروخية التي لم تتوقف منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى وتتصاعد بشكل كبير بالرغم من محاولة العدو إخفاء تأثيراتها على قدراته ومعنويات جنوده.
لا أحد يشكك بأهمية نقل المعاناة والوضع الناجم عن العدوان عندما يكون الهدف الكشف عن وحشية وإجرام وارهاب العدو «الإسرائيلي» بحق المدنيين الفلسطينيين، ولكن المتابع للصورة التي يكرسها إعلام المطبعين العرب في ذهنية المشاهد، يستنتج الاستراتيجية الإعلامية التي رسمها الغرب لتغطية الأحداث الجارية في فلسطين، وهي لا تقل عما تفعله آلة القتل العسكرية الصهيونية.
«إسرائيل» تقتل الفلسطينيين بالقصف الصاروخي والقنابل المحرمة دولياً والرصاص الحي، والإعلام العربي المتصهين، يقتل العرب والمسلمين المناصرين لفلسطين داخل بيوتهم بالحرب النفسية التي تدمر الروح وتحطم المعنويات وتدمر المناعة والتوازن النفسي، وتهدم الطمأنينة والاستقرار الداخلي، ببساطة حرب الصورة التي نتعرض لها بشكل يومي منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» تعتبر إعصاراً، يخلف الخراب والمآسي والدمار في حياتنا، وهذه الشاشات والقنوات لها قدرة هائلة عجيبة على الانتشار والسريان بين الناس، تماماً كما تنتشر النار في الهشيم، لا تحدها حدود، ولا يوقفها حاجز، لأنها تكتسح أكثر الحصون مناعة وتتغلغل في أعماق النفوس، وتزلزل السكينة، وتعبث باستقرارها وطمأنينتها.
في تاريخ الصراع العربي -«الإسرائيلي» الممتد منذ أكثر من سبعة عقود كانت الحرب النفسية حاضرة بقوة بصور مختلفة، ويرى المؤرخون أنه ومنذ أحداث النكبة عام 1948 والحرب النفسية قائمة وتتطور بتطور أدوات عصرها، فمع بداية احتلال «إسرائيل» لفلسطين كان الاعتماد على المنشورات المكتوبة التي ينشرها جيش الاحتلال ومحطات الراديو، الذي لم يكن له وجود كبير في البيوت حينها، إضافة إلى الروايات الشفوية لأحداث يتم تداولها بين الناس عن أهوال قام بها الجيش «الإسرائيلي» عند دخوله لقرية معينة مثل قتل الأطفال واغتصاب النساء وهكذا، مثلما حدث في مذبحة دير ياسين على سبيل المثال، فينتج عن هذه الروايات رحيل الأهالي من منطقة معينة بعد تعرضهم لمثل هذا التأثير الناتج عن الحرب النفسية.
مع مرور الزمن وتطور الأدوات شهد الصراع العربي -«الإسرائيلي» شكلاً آخر من أشكال الحرب النفسية معتمداً على شاشات التلفزيون مع ظهور قنوات عربية قوية، تعمل بميزانية تفوق ميزانية بعض الدول، وترسم في الأذهان صورة الهزيمة والذل والهوان، لصالح العدو «الإسرائيلي»، وتقوم بتوجيه الرأي العام بحسب الخطة المرسومة، على عدة مراحل تتضمن كل مرحلة تحقيق أهداف معينة قبل الانتقال للمرحلة التالية، وصولاً إلى النتيجة النهائية، ضمن التكتيك الحربي العام، والقائم على التشكيك والتيئيس وضرب المعنويات، وزعزعة تماسك الصف، والتمهيد للهزائم الميدانية بهزائم نفسية.
في السابع من أكتوبر كانت عملية «طوفان الأقصى» حرباً عسكرية ونفسية في آن واحد، بل يمكن القول إن نتائج الجانب النفسي على العدو الإسرائيلي كانت أقوى من الجانب العسكري، وهو ما أدى إلى إضعاف وخلخلة العقيدة القتالية للجيش «الإسرائيلي» حيث وجهت المقاومة ضربة قاسية وكبيرة لعقيدة جيش العدو القتالية، وأدت إلى تهشيمها وخلخلة القواعد التي قامت عليها وأصبح الكيان الصهيوني يواجه خطراً وجودياً لا يمكن تجاوزه بسهولة.
‌وعلى الرغم من الرد القاسي للعدو «الإسرائيلي» على سكان غزة باستهدافه المباشر للمدنيين، لم يستطع العدو، أن يمحو الصورة التي رسمتها المقاومة بعمليتها في مستوطنات غلاف غزة، لولا التدخل الإعلامي الذي مارس إرهاب الصورة منذ ما يزيد عن أربعين يوماً من الحديث عن مجازر العدوان وقطع الكهرباء والماء والاتصالات واستهداف المستشفيات وتكدس جثث الفلسطينيين في الشوارع، وتقديم سردية تقتل الروح المعنوية للفلسطيني المقاوم قبل غيره من المشاهدين المتضامنين من خارج فلسطين، ولم تنته حرب الصورة عند هذا الحد، بل اتجهت إلى مرحلة متقدمة تشيطن المقاومة، وتتهمها بخذلان غزة وعدم القيام بواجباتها في شن حرب على «إسرائيل»، وهنا يبرز هدفان واضحان، الأول: نسف كل جهود محور المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية في إيران الداعمة لحماس بالمال والسلاح والتدريب، باعتراف قادة حماس أنفسهم، وتبني خطاب انهزامي يضرب المقاومة كمشروع تحرري ويصفها تارة بالتنسيق مع «إسرائيل»، وتارة أخرى بالانتهازية التي دفعت بحماس إلى محرقة ووقفت موقف المتفرج، أما الهدف الثاني: فهو محاولة دفع محور المقاومة إلى حرب مفتوحة بتوقيت واشنطن وتل أبيب، أدركها المحور ولم يتأثر بحرب الصورة التي تزداد وتيرتها على إيقاع الدور الأمريكي «الغربي» في العدوان على غزة.
إذا كنت معتقداً أن الإعلام العربي المطبع متضامن مع غزة وداعم لحماس، اسأل نفسك لماذا لا يعترف هذا الإعلام بقدرات حماس العسكرية؟ ولماذا يتجاهل العمليات العسكرية اليومية لمحور المقاومة في لبنان والعراق واليمن؟ متعمداً التركيز على الجرائم «الإسرائيلية» التي تقدم الفلسطيني بصورة المهزوم، ولماذا يتبنى الهجوم المستمر على طهران التي كانت ومازالت الداعم الأول للقضية الفلسطينية، وبفضل هذا الدعم استطاعت حماس تنفيذ عملية طوفان الأقصى، التي لاتزال رشقات صواريخها حتى اليوم تضرب المستوطنات «الإسرائيلية»؟

أترك تعليقاً

التعليقات