السيادة لا تتجزأ
 

عبد الحافظ معجب

عبد الحافظ معجب / لا ميديا

إذا عُرف السبب بطل العجب، وإذا عُرف الداء سهل الدواء، من هنا نستطيع أن ندخل إلى أزمة جزيرة سقطرى، انطلاقاً من قول الخبير الجيوستراتيجي في البحرية الأمريكية الأدميرال ألفريد ثاير ماهان، إن كل من يحقق السيادة البحرية في المحيط الهندي سيكون لاعباً بارزاً على الساحة الدولية، ويقول إن هذا المحيط هو المفتاح للبحار السبعة في القرن الحادي والعشرين، وسيتم تحديد مصير العالم في هذه المياه.
تحتل سقطرى أهم المواقع الجيوستراتيجــية بالمحيـــط الهندي، كونها تقع على مفترق طرق من الممرات المائية البحرية الاستراتيجية، وبالتالي يمكن لأية قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى مراقبة حركة السفن بما في ذلك السفن الحربية في خليج عدن والمحيط الهندي، وهو ممر بحري رئيس يربط بين الشرق الأوسط وشرق آسيا وأفريقيا مع أوروبا والأمريكتين، وعلى مقربة من سقطرى، عبر خليج عدن والبحر الأحمر، طريق العبور الرئيسية لناقلات النفط.
وتمر عبر هذا الطريق حصة كبيرة من صادرات الصين الصناعية إلى أوروبا الغربية، بالإضافة للتجارة البحرية من شرق وجنوب أفريقيا إلى أوروبا الغربية، ونظراً لهذه الأهمية فقد احتدم التنافس الجيوسياسي، فكان أرخبيل سقطرى جزءاً من اللعبة الأمريكية الكبرى بين روسيا وأمريكا خلال الحرب الباردة، كان للاتحاد السوفيتي وجود عسكري في جزيرة سقطرى، التي كانت في ذلك الوقت جزءاً من جنوب اليمن، ودخل الروس في مفاوضات مع الحكومة اليمنية بشأن إنشاء قاعدة بحرية في الجزيرة.
ما يجب أن يدركه إخوتنا من حزب الإصلاح وأصحاب الشرعية الفندقية، أن السيادة الوطنية لا تتجزأ، تماماً مثل شرف الفتاة حيث لا يمكننا أن نقول إن جزءاً من شرفنا وعرضنا مباح وجزءاً آخر لا يجوز الاقتراب منه، ومن غير المنطقي أبداً تبرير الاعتداء على شرف فتاة عفيفة طاهرة بمجرد القول إن المعتدي يحميها ويدافع عنها.
انخرط حزب الإصلاح وبقية المرتزقة في حكومة الفنادق في تحالف العدوان على اليمن، وأيدوا (عاصفة الحزم)، وفي كل ليل ونهار وهم يطالبون قوى العدوان باحتلال تعز وطرد أهلها منها، وفي الوقت ذاته يطالبون الإمارات التي رحبوا بها في عدن ومأرب ويقاتلون في صفوفها بتعز، يطالبونها بالخروج من جزيرة سقطرى، ويصفون وجودها هناك بالاحتلال.
الإمارات التي خرج حزب الإصلاح وبن دغر ضد سياستها الاستعمارية واحتلالها الواضح لسقطرى، هي ذات الدولة التي دخلت إلى عدن غازية ومحتلة بمباركة إصلاحية، ويطالبها اليوم الإصلاح باستكمال احتلال تعز، معتبراً أن الاحتلال بتعز تحرير وفي سقطرى احتلال.
لن يتوقف الأمر عند تراشقات الإصلاح والإمارات في الإعلام، بل ربما يتسبب في أزمة كبيرة بين شركاء العدوان (السعودية والإمارات وواشنطن ولندن)، وقد يتداخل معهم سلطنة عُمان ودولة قطر، فالكل يلهث وراء جزيرة سقطرى لأهميتها التاريخية التي تعود إلى بداية العصر الحجري، كما تشير النقوش الأثرية التي وجدت بالجزيرة إلى أنها يمنية حميرية منذ العام 320م رغم تعاقب الموجات الاستعمارية القديمة على سقطرى من البرتغاليين والرومان بهدف احتلالها، إلا أن سكان الجزيرة أصروا على التمسك بجزيرتهم وهويتهم اليمنية، وتميزوا في عمومهم بعدم التنافر العرقي.
حكومة الدنبوع لجأت إلى مجلس الأمن الدولي للاحتجاج على ما وصفته بانتهاك عيال زايد ونهيان للسيادة اليمنية، ونشر قواتهم في سقطرى، على نحو غير مبرر، كما دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة، ودعت لتعزيز سيادة اليمن وسلامة أراضيه. 
وقال بيان الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة الأمريكية تتابع عن كثب الوضع في جزيرة سقطرى اليمنية، وتشترك مع جميع الأطراف في تعزيز سيادة اليمن وسلامة أراضيه، وكذلك الحاجة إلى إزالة التصعيد والحوار.
فيما دفعت الإمارات برجلها السابق خالد بحاح للرد على ما سماها الحملة الإخوانية التي تستهدف جهود الإمارات في جزيرة سقطرى، والتي تحاول إثارة الفتنة بين الجنوبيين، وقال بحاح إن من يبيع ضميره للشيطان لن يتوانى عن بيع الدجل وإثارة الفتنة، لكن التاريخ سيحفظ من حفظ كرامة هذه البلاد وأخلص لها، وأما الزبد فيذهب جفاء.
(كلّ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرّ لهم بذاكَ).. يتضاربوا على سقطرى وهم بعيدون كل البعد عن سقطرى وكل اليمن، سواءً المرتزقة المحليين الذين استجلبوا العدوان والحصار، أو دول الغزو والاحتلال التي دخلت إلى اليمن على أكتاف المرتزقة الذين اقتلبوا فجأة شرفاء، و(العاهرة إذا تابت تصبح قوادة).
بحسب كثير من الباحثين أن المهريين أسسوا سلطنة المهرة في قشن وسقطرى في العام 1549، بعد جلاء الاستعمار البرتغالي، وقاوم سلاطينها تلك الهجمات حتى وصل المندوب السامي البريطاني في 1876، ووقع مع سلطان قشن وسقطرى على معاهدة لضمان حماية بضائع وركاب السفن البريطانية، وبعد 10 سنوات أصبحت سلطنة المهرة محمية بريطانية، ثم أصبحت في ما بعد جزءاً من محمية عدن.
وفي 30 نوفمبر 1967 مع نجاح ثورة أكتوبر، نزلت في الجزيرة فرقة من الجبهة القومية للتحرير، وانتهت بذلك سلطنة المهرة في قشن وسقطرى، وأصبحت الجزيرة جزءاً من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبعد الوحدة اليمنية ارتبطت سقطرى إدارياً بمحافظة حضرموت حتى أصبح أرخبيل سقطرى محافظة مستقلة في أكتوبر 2013.

أترك تعليقاً

التعليقات